تونس.. ولادة «الجمهورية الثانية»

توقيع الدستور.. هل يخرج البلاد من «عنق الزجاجة» ويوقف «حوار الطرشان»؟

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)
TT

تونس.. ولادة «الجمهورية الثانية»

الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي يرفح نسخة من الدستور بعد التوقيع عليها (رويترز)

يوم 26 يناير (كانون الثاني) يرمز في تونس لتلك الانتفاضة الاجتماعية السياسية التي وقعت فصولها في عام 1978، وهي ذكرى المواجهات الدامية بين قوات الجيش والأمن التونسيين مع الجماهير الغاضبة والنقابات العمالية، مما تسبب في سقوط أكثر من ألف قتيل وآلاف الجرحى. لكنه سيرمز مستقبلا إلى يوم «ميلاد الجمهورية الثانية» بعد المصادقة على نص الدستور الجديد بحضور شخصيات عربية ودولية ووسط ترحيب عالمي بـ«المعجزة السياسية التونسية». وأشاد غالبية رؤساء الدول والحكومات في أوروبا وأميركا بمسار «الانتقال السلمي للسلطة» في تونس التي «فجرت الربيع العربي» قبل ثلاث سنوات.
وكانت تونس التي تتميز بقوة نخبها العلمانية والليبرالية واليسارية شهدت خلال الأشهر الماضية أزمات سياسية وأمنية حادة ومواجهات بين تلك النخب والأغلبية الجديدة، التي أفرزتها انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بزعامة حركة النهضة الإسلامية.
لكن خلافا لكل التوقعات لم تسفر تلك الأزمات والمواجهات عن «منعرج عسكري أمني» بل عن «توافق شبه كامل حول نص الدستور» بين مختلف الفرقاء.. الأمر الذي فاجأ جل المراقبين، إذ تجاوزت نسبة التصويت لفائدته 92 في المائة.
هل خرجت تونس نهائيا من «عنق الزجاجة» بعد إقرار «دستور الجمهورية الثانية» منذ «القراءة الأولى» ودون اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي عليه؟ أم أن تناقضات جديدة ستنفجر في المرحلة المقبلة رغم الإعلان عن «التوافق الشامل» حوله وحول «حكومة التكنوقراط» التي ستعوض فريق «الترويكا» بزعامة علي العريض ورفاقه في حزب النهضة الإسلامي؟
لعل من أبرز ما ينبغي تسجيله أولا أن «الأقلية» التي اعترضت على الصيغة النهائية للدستور التونسي الجديد (12 عضوا) أو تلك التي تحفظت عليه (8 أعضاء) لا تضم بينها الزعامات اليسارية والإسلامية «المثيرة للجدل» التي خطفت الأضواء طوال السنتين الماضيتين وتميزت بإعلان معارضتها الشديدة لمشروع الدستور الجديد.

* «الانقلابيون» صوتوا للتوافق مع النهضة
* وسيسجل التاريخ أن البرلمانيين من «أقصى اليسار»، مثل المنجي الرحوي ومراد العمدوني، الذين عارضوا مشروع الدستور طوال أشهر في وسائل الإعلام التونسية والعالمية ووصفوه بـ«الدستور الإسلامي» كانوا من أبرز من صوت عليه ودافع عنه.. بعد «التعديلات والتوافقات» في جلسات ماراثونية خلال الأسابيع والأيام القليلة التي سبقت موعد المصادقة.
وقد سار في هذا التوجه زعماء «المعارضة اليسارية المعتدلة» مثل السادة أحمد نجيب الشابي ومية الجريبي وعصام الشابي (الحزب الجمهوري) ومحمد الحامدي وسمير الطيب وأحمد إبراهيم (حزب المسار - الحزب الشيوعي سابقا)، رغم سلسلة انسحاباتهم السابقة من الجلسات العامة وجلسات اللجان في المجلس التأسيسي، احتجاجا على ما وصفوه بـ«تغول أنصار تيار الإسلام السياسي بين نشطاء حركة النهضة الإسلامية وحلفائها». وقد تسببت انسحاباتهم في شل عمل المجلس الوطني التأسيسي لمدة خمسة أشهر توقع خلالها كثير من المراقبين للشأن التونسي أن تسفر عن «تدخل الجيش» وعن انتصار «الانقلابيين على الشرعية».
لكن تطورات الأحداث وماراثون المفاوضات والوساطات دفعت إلى «تنازلات سياسية متبادلة» جعلت «الانقلابيين» يتوافقون مع قيادة حركة النهضة وشركائها العلمانيين.. مما أدى إلى انهيار مشاريع «جبهة الإنقاذ» و«حركة تمرد» التونسيتين المتأثرتين بمسار فصائل من المعارضة المصرية قبل «حركة 30 يونيو (حزيران) 2013».

* «دستور ولد ميتا»
* كما سيسجل التاريخ أن أبرز «الصقور» في حركة النهضة، مثل رئيسيها الأسبقين الصادق شورو والداعية الحبيب اللوز، كانا من بين من صوت لفائدة الدستور.. وبرزوا في البرلمان التونسي في صورة تذكارية جماعية مع زعيم الحركة راشد الغنوشي، رغم انتقاداتهم السابقة له ولـ«تنازلاته» عن الفصول الخاصة باعتماد الشريعة الإسلامية وبتجريم النيل من المقدسات الإسلامية. ورغم استعمالهما مع آخرين من «الصقور» لصيغة «هذا الدستور ولد ميتا وهو مخالف للإسلام».
ورغم تسجيل استقالات في قيادة حركة النهضة، بينها رياض الشعيبي الذي لوح بتأسيس حزب جديد، وفي كتلتها البرلمانية، فقد صوت ضد الصيغة التوافقية الختامية للدستور قيادي واحد في حركة النهضة هو النائب نجيب مراد ممثل محافظة المنستير موطن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، الذي عرف بتصريحاته «النارية» المعارضة لسيناريو ما وصفه بـ«تقديم التنازلات المجانية للشيوعيين ورموز النظام السابق والعلمانيين المتطرفين».
وبذلك وجد النائب نجيب مراد نفسه في حلف مع مجموعة من نواب حزب «تيار المحبة» الذي يتزعمه التونسي المقيم في لندن محمد الهاشمي الحامدي. وهي مجموعة تقدم منذ سنتين انتقادات لحركة النهضة ونوابها في البرلمان الانتقالي من منطلقات دينية، بل ذهب الدكتور محمد الهاشمي الحامدي إلى حد تشبيه وثيقة الدستور التونسي الجديد بعد تنازل النهضة عن الفصل الخاص بـ«الشريعة الإسلامية» بمن يتنازل عن «شرط الوضوء قبل الصلاة».

* تنازل الإسلاميين عن الشريعة
* وقد صدرت انتقادات مماثلة للنهضة بسبب هذه «التنازلات عن أسس شرعية» من مجموعات إسلامية سلفية ومن قيادة حزب التحرير الإسلامي بتونس، لا سيما زعيمه رضا بلحاج، الذي اتهم قيادة النهضة بالمشاركة في صياغة دستور «ليست له مرجعيات عقائدية إسلامية وشرعية».
لكن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي رد على تلك الاتهامات وأورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «اكتفينا بالفصل الأول من دستور 1959 الذي تبناه الدستور الجديد لأنه ينص بوضوح على أن تونس دولة مستقلة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها.. ونحن لا نريد أن نقسم تونس بين أنصار الهوية الإسلامية للدولة والداعين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في بلد يخلط غالبية ساسته ونخبه بين الشريعة ومقاصد التشريع الإسلامي من جهة وتطبيق القضاء للحدود الشرعية مثل قطع أيدي السارق وجلد الزاني».
الجدير بالذكر هو تمسك «صقور» حركة النهضة، مثل الصادق شورو، وحلفائهم من «تيار الهوية»، بكون الدستور الحالي «يتضمن بعض النقائص من ناحية تجذير المرجعية الإسلامية، لكن فيه الكثير من نقاط القوة، مثل أن الحريات هي من الإسلام، والفصل الأول يعد مرجعية إسلامية».

* «أول دستور تقدمي» عربيا
* إلا أن رموز تيار «الحداثة» وزعامات «اليسار» داخل البرلمان الانتقالي الذي صاغ هذا الدستور، مثل أحمد نجيب الشابي، والمنجي الرحوي، وسمير الطيب، فقد قالوا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «النخب التونسية الحاكمة والمعارضة والمستقلة نجحت، عبر الصيغة النهائية التي جرت المصادقة عليها، في أن تقدم للوطن العربي وللعالم (أول دستور تقدمي) في كامل المنطقة العربية.. لا سيما بعد استبعاد التنصيص على الشريعة والموافقة على الفصل السادس الذي أقر مجموعة من القيم الكونية منصوصا عليها في دساتير الدول المتقدمة، مثل حرية الضمير.. بما يعني منع الدولة والحكومات المقبلة من التدخل في الخصوصيات الشخصية، سواء كانت سلوكية أو عقائدية أو فكرية».
وقد عد ممثل «أقصى اليسار» (الجبهة الشعبية) في المجلس التأسيسي، المنجي الرحوي، «الدستور الجديد لا يخلو من النقائص، لكنه في مجمله كرس مبادئ الديمقراطية والحريات والانفتاح».

* تناقضات وأجندات جديدة
* هل سيعني التوافق الذي يشبه الإجماع «تجميد كل التناقضات السياسية» حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يرجح أن تنظم مطلع الخريف المقبل؟ هذا ما يرجحه سياسيون وإعلاميون وكتاب مستقلون، مثل خالد حداد الإعلامي في صحيفة «الشروق» اليومية، الذي لفت النظر إلى «تأثير الورقة الدولية فيما يجري في تونس وبقية بلدان الربيع العربي». وسجل أن بعض السفراء الأوروبيين والغربيين لعبوا دورا في دفع قيادات الأحزاب السياسية نحو التوافق حول الدستور وحول الحكومة «غير الحزبية» بزعامة المهندس المستقل المهدي جمعة.
في المقابل حذر المحلل السياسي والإعلامي محسن بن عبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «سيناريوهات تفجير سياسيين أجانب لتناقضات جديدة داخل الطبقة السياسية بهدف إجهاض المسار الانتقالي السلمي والتأثير في الانتخابات المقبلة.. بعد أن نجحت الضغوط الخارجية في إقناع قيادات النهضة وحلفائها بالاستقالة من الحكومة ومن مواقع مهمة في الدولة.

* جبهة الإنقاذ المقبلة
* في هذا السياق أعرب السيد حمه الهمامي زعيم «حزب العمال الشيوعي» و«الجبهة الشعبية» (التي ينتمي إليها شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذان اغتيلا أخيرا) عن أن المصادقة على الدستور «لن تؤدي إلى تنازل المعارضة عن مطالبها بمحاسبة قيادات النهضة وحلفائها».
وبعد أن أسندت «استطلاعات الرأي» إلى «الجبهة الشعبية» نحو عشرة في المائة من أصوات الناخبين بدا زعيمها أكثر تفاؤلا بأجندة «الثوريين المعادين للمتجرين بالدين». وقال إن الصراع المقبل سيحسم لصالح كتلته السياسية، وأورد أن «لا حزب يعلو على جبهة الإنقاذ؛ فهي الإطار الأوسع ومصير البلاد مرتبط بها». واتهم حمه الهمامي زعامات تيار الإسلام السياسي بالتحايل، وتعهد بمتابعة النضال ضدهم، مشيرا إلى أن «الإسلام أكبر من هذا التحايل.. هم يتاجرون بالإسلام ولا يدافعون عنه، فشلوا في كل المجالات ولم يبق لهم إلا المتاجرة بالدين».

* جبهة المستقلين والمجتمع المدني
* لكن هل يؤدي التصويت على الدستور وعلى «حكومة المستقلين» إلى إخراج تونس نهائيا من عنق الزجاجة بعد ثلاث سنوات من «إضاعة الوقت» في الصراعات الثانوية حول قضايا دستورية وقانونية وسياسية؟
الدكتور كمال الغربي رئيس شبكة العدالة الانتقالية وعدد من منظمات المجتمع المدني أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه يتابع انتقادات المتشددين من أقصى اليمين وأقصى اليسار، لكنه يعتقد أن «المسار الذي تمر به تونس إيجابي جدا في مجمله».. وأن تونس ستدخل «مرحلة تتويج حصيلة سنتين من الحوار العقلاني بين الفرقاء العقائديين والسياسيين». وأضاف: «أعتقد أن المسارين الدستوري والحكومي ماضيان، وأن الانتخابات المقبلة ستنظم على الأرجح في ظرف تسعة أشهر». وعد كمال الغربي دستور 1959 كان يعبر عن «توافق وطني معين في تلك الفترة.. لكن التعديلات التي طرأت عليه فيما بعد شوهت نسخته الأولى وأصبح غير ممكن اعتماده الآن. وقد أنجز الدستور الجديد بفضل تفاعل البرلمان الانتقالي مع اقتراحات المستقلين والخبراء ونشطاء المجتمع المدني، خاصة في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسة وحقوق الجيل الثالث التي لم تكن مضمنة في الدستور السابق».

* العلاقة بين الرئيس والحكومة والمؤسسات الأمنية

* لكن بين المتفائلين بالدستور الجديد والمتشائمين من انفجار «ألغام سياسية وأمنية جديدة» بسبب نقائص النص الذي وقعت المصادقة عليه، يتوقف بعض كبار خبراء العلوم القانونية والدستورية والسياسية، مثل الصادق بلعيد وأمين محفوظ، عند «مخاطر انفجار أزمة جديدة فور انطلاق مرحلة صياغة القانون الانتخابي المقبل من قبل المجلس التأسيسي».
في المقابل قدم الخبير الأمني والقانوني الدكتور هيكل بن محفوظ في حديث لـ«الشرق الأوسط» انتقادات بالجملة لما وصفه بـ«نقائص فادحة في الدستور فيما يتعلق بالحوكمة الرشيدة وطريقة إصلاح مؤسسات الأمن والجيش الوطنيين وتنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والعلاقة بين رئيسي الدولة والحكومة، والتناقضات بين تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان والفصل الخاص بإمكانية إطاحة البرلمان برئيس الدولة». وتساءل د. هيكل بن محفوظ في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لماذا وقع ربط الحوكمة الرشيدة وحصرها في التنافس السياسي واختزالها في هذا الجانب المتعلق بالتنافس السياسي، في حين أنها أساس إصلاح سائر مؤسسات الدولة، بما فيها العسكرية والأمنية، ونظام التصرف فيها بشكل فعال بما يضمن جودة جميع المرافق العمومية وحسن أدائها، وفي مقدمتها مرفق عام الأمن؛ إذ الأمن خدمة قبل أن يكون وظيفة».

* المسار طويل.. والحكماء
* بين هؤلاء وأولئك تتقاطع المصالح والمواقف وتتباين التقييمات لدستور الجمهورية الثانية وانعكاساته على مستقبل المشهد السياسي والحزب المقبلين.. لا سيما بعد استطلاعات الرأي التي أكدت أن «أكثر من ثلثي التونسيين والتونسيات أصبحوا يراهنون أكثر على المستقلين وعلى الخبراء والشباب غير المنتمي للأحزاب والجماعات العقائدية».
لكل ذلك يعتقد المحامي عبد الفتاح مورو المحامي وأحد رموز التيار الإسلامي المعتدل أن «المصادقة على الدستور وعلى حكومة المستقلين وعلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إنجاز تاريخي وعظيم، لكنه منقوص؛ لأن كل الأحزاب والأطراف النقابية والسياسية في حاجة إلى أن تقوم بنقدها الذاتي وأن تراجع في هدوء أولوياتها، ثم تتبنى استراتيجية جديدة تكرس التعايش الحقيقي بين المجتمع التونسي بكل مكوناته، وإعلان مسار وطني للمصالحة؛ لأن السنوات الثلاث الماضية أثبتت أنه لا يمكن إقصاء أي طرف، وأنه لا يمكن لأي حزب مهما كانت قوته أن ينفرد بتسيير البلد وحده، بل لا بد من التعايش بين الأقلية والأغلبية».
في هذا السياق أورد الجامعي هيكل بن محفوظ أن «الدستور يتضمن مبادئ سامية، لكن لا بد أن تكرسها قوانين وسياسات توافقية، ينبغي التمهيد لها بإعلان مسار وطني للإنصاف والمصلحة تأجل إقراره أكثر من اللازم بسبب المزايدات بين «الثورجيين» وبعض الأحزاب.

* فصول دار حولها جدل طويل في دستور تونس الجديد
* الفصل 1
تونس دولة حرة مستقلة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها. (لا يجوز تعديل هذا الفصل)
* الفصل 2
تونس دولة مدنية تقوم على إرادة الشعب وعلوية القانون. (لا يجوز تعديل هذا الفصل)
* الفصل 3
الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين أو عبر الاستفتاء.
* الفصل 6
الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.
* الفصل 73
الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام.
يشترط في المترشح يوم تقديم ترشحه أن يكون غير حامل لجنسية أخرى وبالغا من العمر أربعين سنة على الأقل وخمسا وسبعين سنة على الأكثر.
تشترط تزكية المترشح من قبل عدد من أعضاء مجلس نواب الشعب أو رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو الناخبين المرسمين حسبما يضبطه القانون الانتخابي.
* الفصل 86
يتمتع رئيس الجمهورية بحصانة قضائية طيلة توليه الرئاسة، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامه.
لا يُسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه.
* الفصل 87
يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يعفي ذلك من التتبعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب على الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى.
* الفصل 88
تتكون الحكومة من رئيس ووزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة وبالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع.
في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة. وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها.
عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.
تعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه. عند نيل الحكومة ثقة المجلس يتولى رئيس الجمهورية فورا تسمية رئيس الحكومة وأعضائها.
يؤدي رئيس الحكومة وأعضاؤها أمام رئيس الجمهورية اليمين التالية:
«أقسم بالله العظيم أن أعمل بإخلاص لخير تونس، وأن أحترم دستورها وتشريعها، وأن أرعى مصالحها، وأن ألتزم بالولاء لها».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.