من التاريخ: شارلمان والبابا ومولد «الأممية المسيحية»

من التاريخ: شارلمان والبابا ومولد «الأممية المسيحية»
TT

من التاريخ: شارلمان والبابا ومولد «الأممية المسيحية»

من التاريخ: شارلمان والبابا ومولد «الأممية المسيحية»

تابعنا في الأسبوع الماضي كيف أصبحت البطريركية في روما مطمعا كبيرا نظرا للقوة الروحية التي تملكها والثروة المتزايدة التي بدأت تتراكم لديها، وهو ما أدخلها في صراعات عائلية عديدة أدت إلى طرد بطريرك الكنيسة «ليو الثالث» من قبل الطامعين في الكرسي البابوي خاصة من أنصار البطريرك السابق، ففر الرجل هاربا مقتنعا بأن الكنيسة بحاجة إلى النصير السياسي/ العسكري الذي يحميها ويحمي شرعيتها، وهو ما دفعه إلى اللجوء للقوة السياسية والعسكرية المركزية والوحيدة في وسط وغرب أوروبا التي يرأسها الملك «شارل الكبير» أو «Magnus Carlos» باللاتينية، أو كما هو معروف في العالم «شارلمان»، ففي هذا الرجل تجمعت أكبر قوة إقليمية مركزية في أوروبا بعد سقوط الدولة الرومانية في 476م، تجمع بين السلطة والجيش والقدرة المالية، وقد كان شارلمان من القبائل «الفرانكية» Franks الذي يرجع لجده الأكبر «شارل مارتل» سبب وقف المد الإسلامي في أوروبا بعد معركة «بلاط الشهداء» في عام 732 ميلاديا، وقد رأي «ليو الثالث» ضرورة إدخاله في المعادلة الأوروبية بشكل أوسع.
حقيقة الأمر أن شارلمان قرر مساندة البطريرك «ليو الثالث» بالقوة العسكرية التي أعادته إلى روما وثبتته على الكرسي البابوي بعد تبرئته من قبل مجمع كبير خُصص للنظر في التظلمات التي كانت موجهة ضده، وفي اليوم التالي استضاف البابا الملك شارلمان في قداس عيد الميلاد لعام 800 في كنيسة «القديس بطرس» الذي شارك فيه رجال الدولة والمراقبون، وبحركة خفيفة وسريعة قام بوضع التاج على رأسه معلنا إياه «الإمبراطور الروماني المقدس»، وهو اللقب الذي انتقل على الفور إلى مملكته وظل قابعا في الفكر الغربي لمدة تقرب من الألف سنة حتى بعدما اندثرت دولته وورث اللقب غيره بأسرع مما تصور الجميع.
وتشير مصادر تاريخية عديدة إلى أن شارلمان لم يكن مستعدا لهذه الخطوة لأنه كان يرى أن جهده العسكري والسياسي هو الذي منحه حق الملك ولم يكن في حاجة لإثبات ذلك من خلال منح دور الوسيط للبابا، فالرجل لم يهدف إلى تداخل ديني في سلطته السياسية المطلقة على مملكته، ومع ذلك فلقد استفاد كثيرا من هذه الخطوة التي وضعته في مصاف الإمبراطور في القسطنطينية وجعلت له شرعية دينية إلى جانب الشرعية السياسية والعسكرية التي استقاها من خلال معاركه وإدارته لمملكته، فلقد رأى في مؤسسة الكنيسة وسيلة لزيادة سلطته وفي المسيحية أداة لزيادة شرعيته، بينما ظهرت مؤسسة البابوية في روما على أنها صاحبة الحق في منح السلطان الزمني، وهو ما توافق تماما مع معتقدات الكنيسة في روما التي كانت ترى في نفسها دون غيرها، تمثيل بطرس الرسول بوصفه «الصخرة التي بنيت عليها الكنيسة» وفقا لمقولة السيد المسيح. وهكذا استفادت المؤسستان من هذا الزواج السياسي الذي كان من نتيجته تجسيد حلم طالما داعب كثيرا من المفكرين المسيحيين، وهو مفهوم «الأممية المسيحية» أو Christendom أو باللاتينية «Christianitas» هذا الحلم الذي مزج بين الهوية والوحدة السياسية والحضارة والقومية، وهي تيارات قوية للغاية بدأت تتفاعل داخل هذا المفهوم العريض الشامل.
إن فكرة «الأممية المسيحية» إن جاز لنا استخدام هذا التعبير مرادفا لفكرة «Christendom»، ظلت قوة سياسية ودافعا فكريا وعقائديا وسياسيا أثر مباشرة على مسيرة السياسية الأوروبية، بل إنه أصبح لب فكرة «المفهوم الغربي» كما سنرى، وقام باستبدال المفهوم الجغرافي الأوروبي الضيق أو الروماني المحدود وأصبح يمثل شرعية جديدة بدأت تترسخ داخل الشعوب الأوروبية والوجدان السياسي فيها، وأصبح هذا المفهوم يمثل الشرعية السياسية والدينية على حد سواء، فكان الدواء للتشرذم السياسي والعسكري لأوروبا، ولكنه كان أيضا الداء الممتد.. فمن ناحية؛ أصبح الفضاء الجغرافي الواقع تحت هذه المظلة الجديدة يكتسب هويته التدريجية من الديانة المسيحية وفقا لكنيسة روما أو المذهب الكاثوليكي كما أُطلق عليه (معني لفظ الكاثوليكية هنا هو «العالمية»)، أي أصبحت الكنيسة في روما تمثل المسيحية العالمية، وهو ما أضفى عليها المزايا ووضع عليها الأعباء على حد سواء، فلقد أصبحت السياسية الأوروبية تدعو لفكرة وجود إله واحد له ظل واحد على الأرض ممثلا في الإمبراطور، كما أن للسيد المسيح ممثلا روحيا واحدا يجسده البابا في روما، الأول مسؤول عن السياسة وإدارة الدولة، والثاني مسؤول عن الروح وخلاصها في الدنيا والآخرة، بينما من المفترض أن يعمل الطرفان بروح من التعاون والوئام، وهو ما لم يحدث في أوقات كثيرة كما سنرى.
لقد كان الهدف من هذه الخطوة في تقدير الكنيسة هو بناء مؤسسية أوروبية جديدة تهدف إلى إعادة تجديد الكيان الإمبراطوري المسيحي أو المشروع الذي أطلق عليه الـ«Renovatio Imperii»، فكان من نتيجة هذه الخطوة المهمة ظهور نوع من الإقرار بالحقوق الروحية للكنيسة وكل ما يتعلق بقدراتها على تحقيق هذا الهدف فضلا عن الإقرار بامتيازاتها، وفي المقابل، فإن واجب كل الرعية هو الالتزام بحقوق الإمبراطور المطلقة بعد أن أصبح ممثل الرب على الأرض ومنفذ مشيئته السياسية، وإن أي خروج عليه يمثل نوعا من الخروج على الدين، فكذلك استفاد الإمبراطور من هذه القوة الجديدة في مواجهة سلطة رجال الإقطاع في دولته الذين كان لهم نفوذ متزايد وغير مرغوب فيه، كما أن سياسته الخارجية لم تعد تهدف لمجرد توسيع رقعة دولته، بل زاد لها أيضا قدسية جديدة ممثلة في نشر المسيحية وتعاليم كنيسة روما في المناطق الوثنية التي تقطنها القبائل الهمجية التي كانت محرومة من التحضر، وفقا لرؤيتهم. وقد استفاد الإمبراطور أيضا من الكنيسة ونظامها لنقل التجارب الناجحة لهياكلها المختلفة مكتسبا لمسة تحضر ممثلة في الثقافة الرومانية وسبل الإدارة الجديدة التي جسدتها الكنيسة.
لقد سعى ملوك الإمبراطورية الرومانية المقدسة إلى اللجوء لهذه الشرعية الجديدة لتثبيت وضعيتهم على الساحة السياسية الأوروبية بوصفهم الطرف الأقوى في هذه المعادلة مقارنة بالإمبراطورية البيزنطية التي نافستها بعض الشيء في شرعية أهدافها ومذهبها الديني المختلف عن المذهب الكاثوليكي، وحتى مع محاولات التقارب بين الإمبراطوريتين المسيحيتين الذي وصل إلى مداه من خلال زواج الإمبراطور الروماني المقدس «أوتو الثاني» بابنة الإمبراطور البيزنطي، إلا أن المنافسة السياسية والدينية ظلت السمة المسيطرة على هذه الدولة، كما بدأت كنيسة روما تسعى للسيطرة على أغلبية أوروبا وتعمل على تشكيل هويتها السياسية الجديدة، فوفقا للشرعية الجديدة، فإن غرب ووسط أوروبا لم يعد يُنظر لهما على أنهما بلاد «الغال» أو «الإسبان» أو «الفرانكس»، ولكن على أنهما «أمة المسيحية» Christendom. وهكذا ساهم هذا المفهوم الأممي في خلق فضاء جديد من الهوية الثقافية والسياسية والاجتماعية، ووفقا لهذا المفهوم، فإن الفواصل الجغرافية أو الدينية أو الخصوصية الوطنية أو القومية باتت مطموسة في مناسبات عديدة، وهو ما مهد بعد ذلك بقرون لاستبدال مفهوم جديد هو «الحكم الأوروبي» Ragnum Europae، بالمفهوم «الأممي المسيحي»، ولكن ليس قبل الانشطار الديني الذي هز أوروبا بالخلاف العقائدي والسياسي بين الكاثوليكية في الغرب والأرثوذكسية في الشرق.
* كاتب مصري



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».