محادثات مرتقبة بين لندن والأوروبيين في مسعى أخير لإنقاذ بريكست

المفاوض البريطاني ديفيد فروست في بروكسل (أ.ب)
المفاوض البريطاني ديفيد فروست في بروكسل (أ.ب)
TT

محادثات مرتقبة بين لندن والأوروبيين في مسعى أخير لإنقاذ بريكست

المفاوض البريطاني ديفيد فروست في بروكسل (أ.ب)
المفاوض البريطاني ديفيد فروست في بروكسل (أ.ب)

يبدأ كبار المفاوضين عن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، اليوم الأحد ما قد يكون آخر مسعى يمتد على يومين للتوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد بريكست، عقب فشل الطرفين في تحقيق اختراق على مدى ثمانية شهور من المفاوضات.
ووصل المفاوض البريطاني ديفيد فروست إلى بروكسل لإجراء محادثات مع نظيره الأوروبي ميشال بارنييه، بعد توقف المفاوضات ليومين في أعقاب أسبوع شهد مجادلات تواصلت حتى ساعات متأخرة من الليل في لندن.
وقال فروست للصحافيين لدى وصوله إلى محطة «ميدي» للقطارات في بروكسل: «نعمل جاهدين في محاولة للتوصل إلى اتفاق. سنرى ما سيحدث في مفاوضات اليوم».
بدوره، أفاد مسؤول أوروبي بأن المفاوضَين سيجتمعان في وقت لاحق من اليوم في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، مشيرا إلى أن المحادثات قد تتواصل حتى وقت متأخر من الليل.
في الأثناء، ذكرت تقارير أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون سيعمل على حشد تأييد القادة الأوروبيين بعدما أجرى اتصالا مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين السبت وأقر الطرفان بعده أنه لا تزال هناك «خلافات كبيرة» بشأن القضايا الأساسية.
وسيجري الاتصال الثاني بين فون دير لاين ورئيس الوزراء البريطاني مساء الاثنين قبل أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الـ27 في بروكسل الخميس في إطار قمة تستمر ليومين خُصّصت في الأساس للتعامل مع الخلاف في صفوف دول التكتل على الميزانية، ليخيّم عليها مجددا الآن القلق حيال بريكست.
وأصدر جونسون وفون دير لاين بعد الاتصال بيانا مشتركا بدت لهجته متشائمة، إذ لا تزال الانقسامات عميقة بشأن حقوق الصيد وقواعد التجارة المنصفة ووضع آلية تحكم أي اتفاق.
وقالا: «بينما ندرك خطورة هذه الخلافات، اتفقنا على ضرورة بذل المزيد من الجهود من قبل فريقي التفاوض لتقييم ما إذا كان حلّها ممكنا».
وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسميا في يناير (كانون الثاني)، بعد نحو أربع سنوات من استفتاء أحدث انقسامات في البلاد وبعد شهرين على فوز جونسون في انتخابات روّج فيها لما قال إن اتفاق بريكست «جاهز».
لكنها ملزمة بالسوق الأوروبية الموحدة، حيث لا يتم فرض رسوم، حتى انقضاء الفترة الانتقالية في نهاية العام، وهو الموعد النهائي الذي سيكون على الطرفين بحلوله التوصل إلى اتفاق بشأن طبيعة علاقتهما المستقبلية.
وقال وزير البيئة البريطاني جورج يوستيس لشبكة «سكاي نيوز»: «إنه وضع صعب للغاية، لا جدوى من إنكار ذلك».
وأضاف «سنواصل العمل على هذه المفاوضات إلى أن يصبح المضي قدما بها أمرا عديم الفائدة».
وما لم يتم التوصل إلى اتفاق، سيحتكم الجزء الأكبر من التجارة عبر المانش إلى قواعد منظمة التجارة العالمية، وسيعاد تطبيق الرسوم الجمركية والحصص بعد عقود من التكامل الاقتصادي والسياسي العميق بين لندن ودول الاتحاد.
أصر جونسون على أن بلاده «ستزدهر بقوة» أيا تكن نتيجة المحادثات، لكنه سيواجه تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة في حال لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق.
بدوره، صرّح رئيس الوزراء العمالي الأسبق غوردون براون لـ«سكاي نيوز» أنّه «إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق الآن، فأرى تداعيات دولية هائلة... لأننا سنكون في حرب اقتصادية مع أوروبا ستكلفنا كثيرا».
وبقيت العواصم الأوروبية موحدة في موقفها الداعم لبارنييه على مدى مفاوضات بريكست الصعبة. لكن بدأت تظهر بعض الانقسامات الداخلية مؤخرا.
وهددت فرنسا الجمعة باستخدام حق النقض ضد أي اتفاق لا يفي بمطالبها بشأن ضمان تجارة منصفة والوصول إلى مياه الصيد البريطانية، وهي أمور طالبت بأن يتم التوصل إلى اتفاق دائم بشأنها في حين تفضّل بريطانيا إعادة التفاوض عليها بشكل متكرر.
وقال وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي كليمان بون لصحيفة «جورنال دو ديمانش»: «نعرف أن الوصول بنسبة مائة في المائة إلى المنطقة البحرية للمملكة المتحدة انتهت».
وأضاف «لكننا نريد وصولا دائما. لا يمكن أن يكون للبريطانيين القدرة على الوصول بشكل كامل إلى السوق الأوروبية الموحدة واستثناء السمك».
ومن المقرر أن يقدّم بارنييه إيجازا لمندوبي الدول الأعضاء في التكتل في وقت مبكر الاثنين، في وقت تشاطر دول عدة باريس مخاوفها من احتمال تقديم الجانب الأوروبي الكثير من التنازلات، خصوصا في ما يتعلّق بقواعد التجارة المنصفة.
وقال مصدر مطلع على المحادثات لوكالة الصحافة الفرنسية إن «أي شيء ممكن».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟