التشيلي راوول زوريتا يحصد جائزة الملكة صوفيا للشعر

التشيلي راوول زوريتا يحصد جائزة الملكة صوفيا للشعر
TT

التشيلي راوول زوريتا يحصد جائزة الملكة صوفيا للشعر

التشيلي راوول زوريتا يحصد جائزة الملكة صوفيا للشعر

حصل الشاعر التشيلي راوول زوريتا على جائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبرو - أميركي (البلدان الأميركية الناطقة باللغتين الإسبانية والبرتغالية)، حيث تشكل أعماله حلقة وصل متفردة في بنيانها ومضمونها، بين المدرسة النيرودية والمشهد الشعري الحديث الذي بدأ يخرج منذ سنوات من دائرة الجاذبية القوية التي قامت على نتاج بابلو نيرودا الخصب والظروف السياسية التي أحاطت به، والتي كانت البوصلة الرئيسية التي اهتدى بها شعراء تشيلي في العقود الأربعة الماضية.
ورغم الظروف الصعبة المحيطة بالسفر هذه الأيام، التي تخضع الحركة فيها لقيود شديدة، ووضعه الصحي الضعيف، أصر زوريتا (70 عاماً) على المجيء إلى مدريد ليتسلم الجائزة من ملكة إسبانيا يوم الجمعة الماضي، مبرراً ذلك بقوله، عقب وصوله إلى العاصمة الإسبانية: «لأن التنقل اليوم فعل إقدام لا بد منه في مواجهة هذه الجائحة التي تحمل في طياتها الكثير من الرموز التي لم نعرف بعد أن نفكّها، والتي كشفت أمام العين المجردة عري مظالم كثيرة كنا نحاول إخفاءها أو نغضّ الطرف عنها».
عن الشعر يقول زوريتا الذي وضع دواوين يؤرخ لما قبلها وبعدها في الشعر التشيلي: «يوم نتوقف عن كتابة الشعر تكون نهاية البشرية».
ويُعتبر زوريتا الذي تخرج في كلية الهندسة بجامعة سانتياغو أن ثمة رابطاً قوياً بين العلوم الحسابية والشعر الذي هو علم أيضاً، لكن من نوع آخر، وأن كل الإبداعات الإنسانية مترابطة ضمن اتساق واسع بينها.
معظم كتب زوريتا ليست مجرد مجموعات لقصائد متفرقة، بل هي حلقات في سلسلة مُصمَّمة مسبقاً تربطها ببعضها، وبكتب أخرى كما لو أنها مخطط هندسي متكامل، ويقول: «إذا سقط جسر قد يموت كثيرون تحته، ولا يحصل شيء إذا سقطت قصيدة. لكن بناء القصيدة أصعب بكثير من بناء الجسر».
في ديوانه الأساسي «الحياة الجديدة» يعبر زوريتا الصحارى ويتسلق الجبال الوعرة، ويجلس إلى سكان الأرياف والصيادين على سواحل المحيط الهادئ الذي يزنِّر بلاده، ويجرب في وصفها أساليبه السردية ضمن بنيان منطقي مدروس بدقة هندسية «لأن في النثر الشعري ميوعة مفرطة لا أستسيغها، ولأن شعري في نهاية المطاف ليس سوى عودة إلى البدايات الأولى؛ إلى الجذور».
لكن شعره لا يفلت من شِباك السياسة التي يقع فيها كل الشعراء التشيليين من نيرودا إلى اليوم، ويقول: «لست ضد قصائد المشاعر والأحاسيس الجميلة، لكن شعري ينبع أيضاً من واقع أليم وعميق، ويريد استعادة معاني الكلمات التي سلبتنا إياها الديكتاتورية مثل الوطن والشعب. هذه الكلمات التي يسطو عليها الطغاة، يجب أن نستعيدها ونناضل من أجلها ونسخر كل الكلمات في الحفاظ عليها».
يعتبر زوريتا أن الشعر هو الضحية الأولى في عالم الجلادين والضحايا، لكنه أيضاً أول الذين ينهضون من موتهم ليبشروا بقدوم الأزمنة الجديدة، ويقول: «أنا من بلاد فيها الشعر سلاح... لم يعيدوا لنا أجساد الضحايا، وكان على الشعراء أن ينزلوا إلى ظلمة التراب الذي احتضن رفات المفقودين، وإلى زبد الموج الذي تهدهدت عليه تلك الأجساد، لاستعادة الكلمات التي لم يتمكنوا من التفوه بها. الشعر في بلادي هو الذي وارى في مدافن اللغة ما كان على الأحياء أن يواروه في مدافن الموتى».
وهو لا يوارب في التعبير عن خوفه من الصعود المتنامي للفاشية التي تُظهر جهلاً كبيراً بالتاريخ، ويعتبر أن ذلك ينطوي على مسؤولية كبيرة «لسنا فاشيين، وتركنا العالم يغرق في الظلم والفوارق الاجتماعية الصارخة». ويدعو إلى محاربة الفاشية على كل الجبهات «لكن لا تفعل أبداً بفاشيّ ما يمكن أن يفعله هو بك».
وفي رؤيته للمشهد السياسي والاجتماعي في بلاده، يشعر بالتفاؤل في التغيير الذي دفعت إليه الاحتجاجات الشعبية الأخيرة والاستفتاء لتعديل الدستور الموروث من النظام العسكري وطي صفحة ديكتاتورية بينوتشيه التي ما زالت ترخي بظلالها الثقيلة عبر النصوص الدستورية والتشريعية.
الفاشية التي يتحدث عنها زوريتا عاشها وقاساها، مثل العديد من شعراء تشيلي كضحية عندما تعرض للاعتقال والتعذيب على يد الأجهزة الأمنية، عندما كان منتسباً إلى الحزب الشيوعي بقيادة سالفادور الليندي الذي أسقطه انقلاب بينوتشيه، وكما يقول: «تركت النضال الحزبي لبضع سنوات، لكني عدت إلى الجذور، كما في الشعر. ولا يمكن أن نتخلى عن طموحنا بمجتمع غير طبقي».
وفي خطاب تسلمه الجائزة الذي أهداه إلى زوجته، استعاد شاعره المفضل الإسباني ميغيل هرنانديز، الذي قضى هو أيضاً تحت قمع ديكتاتورية فرانكو، وكان أثيراً عند نيرودا الذي كان يعتبره أعلى مَن حلق في سماء شعراء الإسبانية، مردداً بين يدي ملكة إسبانيا الأبيات التالية من مطلع قصيدته الشهيرة «وليد الظل والضوء»:
«أنتِ الليل، يا حبيبتي: الليل
في لحظة
اكتمال البدر، والأنثى.
أنتِ الليل عند انتصافه
والظل أنت في ذروة الحلم
والحب عند اكتماله».



رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم
TT

رحيل عبد الله النعيم... المعلم والمهندس قبل أن يحمل الابتدائية

الراحل عبد الله العلي النعيم
الراحل عبد الله العلي النعيم

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم، الذي رحل، الأحد، بعد رحلة طويلة في هذه الحياة تجاوزت تسعة عقود، كان أبرزها توليه منصب أمين مدينة الرياض في بدايات سنوات الطفرة وحركة الإعمار التي شهدتها معظم المناطق السعودية، وسبقتها أعمال ومناصب أخرى لا تعتمد على الشهادات التي يحملها، بل تعتمد على قدرات ومهنية خاصة تؤهله لإدارة وإنجاز المهام الموكلة إليه.

ولد الراحل النعيم في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم وسط السعودية عام 1930، والتحق بالكتاتيب وحلقات التعلم في المساجد قبل إقرار المدارس النظامية، وأظهر نبوغاً مبكراً في صغره، حيث تتداول قصة عن تفوقه، عندما أجرى معلمه العالم عبد الرحمن السعدي في مدرسته بأحد مساجد عنيزة مسابقة لحفظ نص لغوي أو فقهي، وخصص المعلم جائزة بمبلغ 100 ريال لمن يستطيع ذلك، وتمكن النعيم من بين الطلاب من فعل ذلك وحصل على المبلغ، وهو رقم كبير في وقته يعادل أجر عامل لمدة أشهر.

محطات كثيرة ولافتة وعجيبة شكلت حياة عبد الله العلي النعيم

توجه الشاب النعيم إلى مكة بوصفها محطة أولى بعد خروجه من عنيزة طلباً للرزق وتحسين الحال، لكنه لم يجد عملاً، فآثر الذهاب إلى المنطقة الشرقية من بلاده حيث تتواجد شركة «أرامكو» ومشاريعها الكبرى، وتوفّر فرص العمل برواتب مجزية، لكنه لم يذهب للشركة العملاقة مباشرة، والتمس عملاً في إحدى محطات الوقود، إلى أن وجد عملاً في مشروع خط التابلاين التابع لشركة «أرامكو» بمرتب مجز، وظل يعمل لمدة ثلاث سنوات ليعود إلى مسقط رأسه عنيزة ويعمل معلماً في إحدى مدارسها، ثم مراقباً في المعهد العلمي بها، وينتقل إلى جدة ليعمل وكيلاً للثانوية النموذجية فيها، وبعدها صدر قرار بتعيينه مديراً لمعهد المعلمين بالرياض، ثم مديراً للتعليم بنجد، وحدث كل ذلك وهو لا يحمل أي شهادة حتى الابتدائية، لكن ذلك اعتمد على قدراته ومهاراته الإدارية وثقافته العامة وقراءاته وكتاباته الصحافية.

الراحل عبد الله العلي النعيم عمل مديراً لمعهد المعلمين في الرياض

بعد هذه المحطات درس النعيم في المعهد العلمي السعودي، ثم في جامعة الملك سعود، وتخرج فيها، وتم تعيينه أميناً عاماً مساعداً بها، حيث أراد مواصلة دراسته في الخارج، لكن انتظرته مهام في الداخل.

وتعد محطته العملية في شركة الغاز والتصنيع الأهلية، المسؤولة عن تأمين الغاز للسكان في بلاده، إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم، بعد أن صدر قرار من مجلس الوزراء بإسناد مهمة إدارة الشركة إليه عام 1947، إبان أزمة الغاز الشهيرة؛ نظراً لضعف أداء الشركة، وتمكن الراحل من إجراء حلول عاجلة لحل هذه الأزمة، بمخاطبة وزارة الدفاع لتخصيص سيارة الجيش لشحن أسطوانات الغاز من مصدرها في المنطقة الشرقية، إلى فروع الشركة في مختلف أنحاء السعودية، وإيصالها للمستهلكين، إلى أن تم إجراء تنظيمات على بنية الشركة وأعمالها.

شركة الغاز والتصنيع الأهلية تعد إحدى محطات الراحل عبد الله العلي النعيم

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض، وأقر مشاريع في هذا الخصوص، منها إنشاء 10 بلديات في أحياء متفرقة من الرياض، لتسهيل حصول الناس على تراخيص البناء والمحلات التجارية والخدمات البلدية. ويحسب للراحل إقراره المكتب التنسيقي المتعلق بمشروعات الكهرباء والمياه والهاتف لخدمة المنازل والمنشآت وإيصالها إليها، كما طرح أفكاراً لإنشاء طرق سريعة في أطراف وداخل العاصمة، تولت تنفيذها وزارة المواصلات آنذاك (النقل حالياً)، كما شارك في طرح مراكز اجتماعية في العاصمة، كان أبرزها مركز الملك سلمان الاجتماعي.

تولى النعيم في بدايات سنوات الطفرة أمانة مدينة الرياض