اتصالات ماراثونية سودانية لتجاوز خلافات «مجلس الشركاء»

عرمان لـ«الشرق الأوسط»: المجلس جاء لحل المشاكل لا خلقها

ياسر عرمان (أ.ف.ب)
ياسر عرمان (أ.ف.ب)
TT

اتصالات ماراثونية سودانية لتجاوز خلافات «مجلس الشركاء»

ياسر عرمان (أ.ف.ب)
ياسر عرمان (أ.ف.ب)

اصطفت الحكومة السودانية، وحاضنتها السياسية قوى «التغيير» في كفة واحدة، في مواجهة القرار الذي أصدره رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، بشأن سلطات وصلاحيات مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وترى فيه الحكومة، برئاسة عبد الله حمدوك، تغولاً على مهام وصلاحيات هياكل السلطة الانتقالية بالبلاد، ويتعارض مع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، وسط مطالبات بإلغاء تلك السلطات.
وأصدر البرهان، قراراً رئاسياً يوم الخميس الماضي بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، من 29 عضواً، حددت صلاحياته بتوجيه الفترة الانتقالية لخدمة مصالح البلاد العليا، والفصل في الخلافات بين الأطراف المختلفة، وتم تشكيله بناءً على الوثيقة الدستورية واتفاقية السلام. وأثار القرار غضب القوى السياسية واعتبرته «محاولة لعسكرة السلطة»، وهدد حمدوك بالانسحاب منه.
وقال المتحدث باسم الحكومة، وزير الثقافة والإعلام، فيصل محمد صالح، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتصالات جارية بين جميع الأطراف منذ إعلان القرار يوم الخميس، مؤكداً عدم تراجع مجلس الوزراء عن موقفه الرافض لتشكيل المجلس بصورته الحالية والصلاحيات الواردة فيه.
ومن جانبه، قال نائب رئيس الحركة الشعبية، ياسر عرمان، إن المجلس أعاد إنتاج الأزمة، وصلاحياته جاءت أوسع مما نصت عليه الفقرة (80) من الوثيقة الدستورية، لكن المرحلة الانتقالية تحتاج إلى مجلس سياسي مصغر لحل النزاعات السياسية بين القوى السياسية، وليست له أي سلطات تنفيذية أو تشريعية.
وأضاف أن المجلس جاء لحل أزمة، ويجب ألا يتسبب في أزمة، وألا نذهب في اتجاه تصعيد الخلافات، والرجوع إلى منصة التأسيس لمناقشة كيفية جوهر الفكرة، ولإيجاد آلية للشراكة في غياب الرؤية والقيادة المشتركة.
وأوضح عرمان لـ«الشرق الأوسط» أن المشاورات حول المجلس لم تكتمل أو تصل إلى نهاياتها المطلوبة، والآن المجلس بشكله الحالي غير متفق عليه، مشيراً إلى أن الحل في اجتماع الأطراف للوصول إلى ترتيبات جديدة بالتراضي وتوافق الجميع، بعيداً عن التصعيد والاتهامات التي لن توفر حلاً.
وكشف عرمان عن مشاورات تجري بين قوى الحرية والتغيير، ورئيس الوزراء، وستتم اجتماعات مع رئيس مجلس السيادة ونائبه، وجميع الأطراف.
ويتكون المجلس من البرهان رئيساً وحمدوك عضواً، بالإضافة إلى أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة، و13 من قوى إعلان الحرية والتغيير، و7 من قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام، بجانب عضوين من شرق السودان يتم اختيارهما بعد عقد مؤتمر عام لكل مكونات الإقليم.
من جهته، قال التحالف الحاكم في السودان (قوى التغيير)، إن رئيس مجلس السيادة، لم يعرض عليه القرار قبل إصداره، واحتوى على صلاحيات للمجلس تخرج به من الطبيعة التنسيقية التي أنشيء من أجلها، وطالبت بإلغائها.
وأضافت في بيان أمس أن مشروع لائحة المجلس التي أعدتها، أوضحت بجلاء أن المجلس تنسيقي لحل التباينات والخلافات بين أطراف الوثيقة الدستورية واتفاق السلام، وأن المجلس لا يمتلك أي صلاحيات تنفيذية أو تشريعية ولا ينبغي أن يمس المؤسسات المشكلة بواسطة الوثيقة الدستورية أو يتغول على صلاحياتها.
وكانت عضوة مجلس السيادة عن المكون المدني، عائشة موسى، عدت مجلس شركاء الفترة الانتقالية، انقلاباً على أجهزة الدولة المدنية والقفز فوق صلاحياتها، بمنح المجلس حق البت في القرارات المصيرية، وتشكيل ثقل سيادي وتشريعي، لتقزيم ومحو هياكل السلطة الانتقالية، وتنصيب مجموعة محددة على رأس الحكم بدون إجراءات ديمقراطية. وانتقدت موسى في بيان ما سمته تلكؤ تحالف قوى التغيير، والمكون العسكري بمجلس السيادة في اختلاق الأعذار وتعطيل تشكيل المجلس التشريعي.
وكتب عضو المجلس المركزي لقوى (التغيير) إبراهيم الشيخ، على صفحته الشخصية بـــ«فيسبوك»، متهماً رئيس مجلس السيادة، بنقض ما تم الاتفاق عليه بشأن تشكيل المجلس، بحيث لا يخل بأي من صلاحيات وسلطات المجلس التشريعي أو مجلس الوزراء، أو مجلس السيادة، وقوى الحرية والتغيير.
وقال: كل السلطات التي صدرت بموجب المرسوم الدستوري الصادر من البرهان، لم نتفق عليها، واطلعت عليها مثل كل مواطن في الأسافير، مشدداً على ضرورة تحديد صلاحيات المجلس دون لبس أو غموض. وقال الشيخ: «اتفقنا أن يكون المجلس تشاورياً وتنسيقياً لفض النزاعات والتباين الذي قد ينشأ بين أطراف الحكم، وليس ثمة سبب لنقض ما اتفقنا عليه».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.