وثيقة حكومية سورية في جنيف «تفتح النار» على الجميع عدا روسيا وإيران

تضمنت 8 مبادئ ضد العقوبات الغربية و«الأجندات الانفصالية»... و «الشرق الأوسط» تنشر نصها

المبعوث الأممي غير بيدرسن (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي غير بيدرسن (إ.ب.أ)
TT

وثيقة حكومية سورية في جنيف «تفتح النار» على الجميع عدا روسيا وإيران

المبعوث الأممي غير بيدرسن (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي غير بيدرسن (إ.ب.أ)

كشفت وثيقة قدمها رئيس وفد الحكومة السورية أحمد الكزبري، إلى اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وحصلت «الشرق الأوسط» على نصها، مواقف أكثر تشدداً وتفصيلاً من الأوراق الحكومية السابقة، بينها مطالبتها ممثلي «هيئة التفاوض السورية» المعارضة والمجتمع المدني بـ«رفض الأعمال الإرهابية» بما في ذلك «الإرهاب الاقتصادي» ومساواة الوثيقة بين «داعش» و«الإخوان المسلمين»، إضافة إلى «إدانة الاحتلال الأجنبي من تركيا وإسرائيل وأميركا» من دون أي إشارة إلى إيران وروسيا. كما صعّدت ضد «الإدارة الذاتية» الكردية لدى رفضها «أي أجندة انفصالية».
وانتهت أمس الجولة الرابعة من اجتماعات «الدستورية» بمشاركة وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني على أن تعقد جولة خامسة في بداية العام المقبل. وبعد تشكيل اللجنة الدستورية في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي والاتفاق على «معايير العمل»، تمسك رئيس وفد الحكومة بمناقشة «المحددات الوطنية»، ولخصها برفض «الإرهاب والاحتلالات» والتمسك بوحدة سوريا وسيادتها، قبل مناقشة الدستور. أدى ذلك إلى تجميد عمل اللجنة منذ الجولة الثالثة في أغسطس (آب) الماضي.
- لا رجعة عنه
وبعد جولات في موسكو ودمشق وغيرها، توصل المبعوث الأممي غير بيدرسن، الشهر الماضي، إلى اتفاق خطّي مع الأطراف المعنية، نص على أنه ستتم في الجولة الرابعة متابعة النقاش بنفس جدول أعمال الجولة الثالثة الذي نص: «بناءً على ولاية اللجنة والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية، تتم مناقشة الأسس والمبادئ الوطنية». أما جدول أعمال «الخامسة»، فسيكون: «اتساقاً مع ولاية اللجنة الدستورية والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية، تناقش اللجنة المصغرة (تضم 45 عضواً من 150) المبادئ الدستورية (المبادئ الأساسية في الدستور)».
وكان وفد الحكومة يريد استمرار المناقشات حول «المبادئ الوطنية» من دون سقف زمني، فيما أرادت «الهيئة» الولوج في بحث مقدمة الدستور. ولم يتضمن الاتفاق الأخير الذي أنجزه بيدرسن، الموافقة على مطلب المعارضة عدم العودة إلى مناقشة «المبادئ الوطنية» بعد الجولة الرابعة.


لكن الوثيقة التي قدّمها الكزبري أول من أمس، وحصلت «الشرق الأوسط» على نصها، ذهبت أكثر في شرح «الأسس والمبادئ الوطنية» في ثمانية مبادئ جاءت في صفحتين. ونص البند الأول على «استمرار مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره» عبر «الرفض التام للأعمال الإرهابية التي قامت وتقوم بها التنظيمات الإرهابية بما فيها (داعش) و(النصرة) و(الإخوان المسلمين) ومن ارتبط بها أو تحالف معها ميدانياً في جميع الأراضي السورية» و«رفض الإرهاب الذي تمارسه بعض الدول على الشعب السوري بما فيها الإرهاب الاقتصادي... والتدابير القسرية أحادية الجانب» في إشارة إلى العقوبات الغربية، إضافة إلى المطالبة بـ«تعويضات».
ونص البند الثاني على «إدانة الاحتلال الأجنبي لأراض سورية من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة والعمل على إنهائه بجميع السبل الممكنة وتجريم التعامل أو الاعتراف بالسلطات القائمة بالاحتلال واستدعاء التدخل الأجنبي أياً كان». ولم تتم الإشارة إلى الوجودين الروسي والإيراني اللذين تقول دمشق إنهما جاءا بناءً على طلب الحكومة السورية.
وفي البند الثالث، طالبت الوثيقة المشاركين بـ«دعم الجيش العربي السوري بكل السبل للقيام بمهماته»، فيما نص الرابع على «رفض أي مشروع انفصالي أو شبه انفصالي مهما كانت صيغته ورفض محاولات فرض الأمر الواقع». وشرحت الوثيقة أن ذلك يتم عبر ثلاث خطوات، هي: «الرفض التام لأي عمل سياسي أو عسكري يمس بوحدة الأراضي، والعمل لإسقاط أي مشروع انفصالي أو شبه انفصالي ورفض أي إجراءات تربوية أو تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية انفصالية، وتجريم ومحاربة الجماعات والتنظيمات التي تدعم أي مشروع انفصالي ومن يقف خلفه».
ويُعتقد أن الوثيقة تشير إلى «الإدارة الذاتية» التي أقامتها «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركا، وتسيطر على ربع مساحة البلاد في شمال شرقها وتضم معظم الموارد الطبيعية.
- رموز الدولة
وجاء في البند الخامس: «تمثل الهوية الوطنية البوتقة الجامعة لجميع السوريين (...) التي تسمو على أي انتماء ديني أو طائفي أو مناطقي أو قبلي أو عرقي»، مشيرة إلى أن ذلك «يتجلى» في خمسة أمور، هي: «اسم الدولة: الجمهورية العربية السورية، واللغة الرسمية: العربية، والانتماء والولاء للوطن والدفاع عنه، والشعور العام للفرد بالانتماء إلى كامل التراب الوطني، وعدم المساس بالرموز الوطنية كالعَلَم والنشيد الوطني».
ونص البند السادس على ضرورة «حماية التنوع الثقافي... بوصفه يعزز الوحدة الوطنية»، فيما ركز السابع على «تشجيع اللاجئين على العودة بكل السبل الممكنة وضمان هذا الحق ورفض ما تقوم به بعض الجهات والحكومات من عرقلة ذلك بذرائع واهية أو ربط (العودة) بأجندات سياسية»، إضافة إلى مطالبة «المجتمع الدولي دعم جهود الدولة السورية في تهيئة الظروف المناسبة للعودة».
وخصصت الوثيقة البند الثامن لـ«الملف الإنساني» عبر المطالبة بمعالجته عبر «دعم جهود الدولة في رفع المعاناة الإنسانية عن شعبها التي تسببت بها الحرب الإرهابية الممنهجة المفروضة منذ نحو 10 سنوات»، مع «إدانة الاستخدام السياسي لهذا الملف».
وقدر «المركز السوري لبحوث السياسات» إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا خلال 9 سنوات من الحرب بـ530 مليار دولار أميركي. كما تضرر 40% من البنية التحتية، في وقت وصل معدل الفقر إلى 86% بين السوريين البالغ عددهم نحو 22 مليوناً. وبلغ عدد الوفيات المرتبطة بالنزاع 690 ألفاً، بينهم 570 ألفاً قُتلوا بشكل مباشر نتيجة الحرب التي أدت إلى خروج 13 مليوناً من بيوتهم نازحين ولاجئين، في وقت يعيش 2.4 مليون طفل خارج المدارس داخل البلاد. ويشكل هؤلاء نحو 35% من الأطفال في سن الدراسة. وهناك نسبة مشابهة للأطفال السوريين خارج البلاد.
وحسب مصادر المجتمعين في جنيف، جرت مناقشات حادة بين ممثلي الحكومة والمعارضة بعد توزيع هذه الوثيقة. وطالب ممثلو «هيئة التفاوض» بضرورة التزام اتفاق «المعايير والإجراءات» الذي نص على قيام اللجنة الدستورية بمناقشة الدستور. ولم يتدخل فريق المبعوث الأممي في هذا الجدال ولم يُذكِّر المشاركين بمرجعيات العمل، علماً بأن بيدرسن كان قد ألمح في إفادة لمجلس الأمن قبل شهرين إلى ضرورة التزام الطرفين بـ«المعايير والإجراءات» المتفق عليها بين وفدي دمشق والمعارضة.
وحاول بعض المشاركين من المعارضة أخذ «النقاش» إلى الحيز الدستوري بالمطالبة بـ«مضامين دستورية» للأفكار، وتقديم مقترحات ملموسة مثل تشكيل هيئة وطنية مستقلة، تُعنى بأمور اللاجئين والنازحين وضمانات عودتهم والبيئة الآمنة اللازمة وجبر الضرر، وتشكيل هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان.
وبعد اختتام الجولة الرابعة من «الدستورية» تتجه الأنظار إلى الخامسة التي ستُعقد بداية العام المقبل مع الانتقال إلى الإدارة الأميركية الجديدة التي وعد مرشحون فيها بـ«الاستثمار أكثر في العملية السياسية». وسيُطرح وقتذاك السؤال، ما إذا كانت «المناقشات» ستقترب فعلاً من الإصلاح الدستوري للتمهيد للانتخابات بموجب القرار 2254، خصوصاً أن موعد «الرئاسية» هو منتصف العام المقبل.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.