أديس أبابا تعلن الشروع في إعادة اللاجئين بتنسيق مع الخرطوم... والسودان ينفي

زعيم المتمردين يدعي اندلاع الاحتجاجات في عاصمة تيغراي

لاجئون في معسكر أم راكوبة بالسودان (أ.ف.ب)
لاجئون في معسكر أم راكوبة بالسودان (أ.ف.ب)
TT

أديس أبابا تعلن الشروع في إعادة اللاجئين بتنسيق مع الخرطوم... والسودان ينفي

لاجئون في معسكر أم راكوبة بالسودان (أ.ف.ب)
لاجئون في معسكر أم راكوبة بالسودان (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة الإثيوبية عزمها على إعادة مواطنيها الذين فروا إلى السودان، هرباً من المواجهات العسكرية في إقليم تيغراي، بالاتفاق مع السودان، لكن مسؤولاً سودانياً عن الملف نفى وجود ترتيبات مشتركة لإعادة اللاجئين، وقال إن العودة ستكون طوعية، بحسب رغبة اللاجئ، حال إقرارها.
وتضاربت التقارير حول الأعداد الفعلية للاجئين الذين فروا من القتال بين القوات الحكومية الإثيوبية الاتحادية وقوات «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، ففيما قدرتهم وكالة الأمم المتحدة للاجئين بنحو 41 ألفاً، ذكرت تقارير ميدانية أن العدد في حدود 45 ألف لاجئ. وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، في تصريحات صحافية أمس، إن الخرطوم وأديس أبابا اتفقتا على إعادة فورية للاجئين الإثيوبيين إلى بلادهم، وإن الحكومة الإثيوبية شرعت في تفاصيل عودة النازحين المتوقع بدؤها في وقت قريب.
لكن معتمد اللاجئين في ولاية كسلا الحدودية بين السودان وإثيوبيا، السر خالد، نفى أي نقاش بين الحكومتين لإعادة اللاجئين، وقال: «إعادة اللاجئين من منطقة حدودية غير مقبول لأن للعودة شروطها وترتيباتها. وحتى الآن، نحن نقوم بترحيل لاجئين جدد لمعسكر أم راكوبة».
وأضاف: «صحيح أنه يمكن فتح النقاش حول عودة اللاجئين في وقت ما، وهي ليست قسرية، بل طوعاً، يحدد القرار بشأنها اللاجئ نفسه، ونحن لا نقسره أو نفرض عليه أي قوة ليعود»، مشدداً على أنه «الآن، لا يوجد نقاش، وهذا الكلام ليست له أي درجة من الصحة».
ونقلت تقارير صحافية أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، لمح في جلسة برلمانية لاحتمال أن «الشباب» الذين فروا من القتال في منطقة «مايكادرا» متورطون في أعمال عنف، بعد رؤيتهم لتقدم الجيش الإثيوبي.
ونسبت التقارير إلى لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية أن منطقة «مايكادرا»، في غرب تيغراي، شهدت مذبحة أدت لمقتل 600 مدني خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ومن جهتها، وجهت وزيرة السلام الإثيوبية، مفرحات كامل، اتهامات لقادة «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» بشن حرب بالوكالة في أجزاء مختلفة من البلاد طوال العامين والنصف الماضيين.
وقالت الوزيرة، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية (أينا)، في أثناء تقديم تقرير أداء وزراتها إلى مجلس النواب أمس، إن النزاعات كانت تدور في إجزاء مختلفة من البلاد طوال العامين والنصف المنصرمين. وأوضحت مفرحات أن الحرب التي شنتها قوات «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» أدت إلى حدوث وفيات وإصابات جسدية لكثير من المواطنين الأبرياء، وأضافت: «تعمل الحكومة على حل القضايا الهيكلية، بالإضافة لبذل الجهود لتحقيق السلام المستدام».
وقطعت بأن القبض على من أطلقت عليهم «أعضاء الجماعة المدمرة» في «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، وتقديمهم للعدالة، سيجعل إثيوبيا «بلا شك تشهد أوقاتاً أفضل»، وأن العمل جارٍ لإعادة تأهيل المواطنين بعد الانتهاء من عملية تطبيق القانون.
ومن جهتها، جددت الأمم المتحدة قلقها من استمرار المعارك في عدة أجزاء من إقليم تيغراي، ما يعوق إرسال المساعدات الإنسانية إلى سكان الإقليم، وذلك على الرغم من الانتصار الذي أعلنته الحكومة الإثيوبية السبت الماضي.
ونقلت «الصحافة الفرنسية» عن المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية، سافيانو أبرو، أن استمرار القتال يعقد عمليات نقل المساعدات الإنسانية للإقليم، وأنه: «لدينا معلومات تفيد بأن المعارك مستمرة في أجزاء عدة من تيغراي؛ إنه وضع مقلق معقد بالنسبة لنا».
وجاءت تصريحات أبرو على خلفية توقيع الحكومة الإثيوبية والأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، على فتح الممرات الإنسانية لنقل المساعدات الإنسانية لإقليم تيغراي «من دون قيود»، لتجنب احتمال حدوث كارثة إنسانية في الإقليم.
والسبت الماضي، أعلنت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية استعادة السيطرة على إقليم تيغراي، بدخولها لعاصمته ميكلي، ووقف العمليات القتالية هناك، بعد قتال استمر منذ بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. بيد أن أديس أبابا أكدت استمرار مطاردة قوات الشرطة لمن تطلق عليهم «مجرمي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» حتى القبض عليهم وإخضاعهم للعدالة، فيما تناقلت تقارير صحافية أن قادة المتمردين، بقيادة ديبرصيون قبرامايكل، يخوضون حرب عصابات ضد القوات الحكومية.
وقال زعيم قوات المتمردين، أمس (الجمعة)، إن احتجاجات اندلعت في عاصمة الإقليم التي سيطرت عليها القوات الاتحادية. لكن التلفزيون الرسمي عرض صوراً لأناس يتسوقون أو جالسين على مقاعد مستديرة في مدينة ميكلي، فيما قال الرئيس التنفيذي الجديد للإقليم الذي عينته الحكومة إن السلام يعود إلى المنطقة. ويستحيل التحقق من مزاعم الأطراف كافة، نظراً لانقطاع معظم الاتصالات، وصعوبة دخول الإقليم بالنسبة لوسائل الإعلام.
وفر زعماء الجبهة الشعبية الذين ظلوا يتمتعون بدعم شعبي قوي على مدى سنوات في الإقليم إلى الجبال المحيطة، فيما يبدو أنهم بدأوا مقاومة تستخدم أسلوب حرب العصابات، حسب تقرير «رويترز». وقال ديبرصيون قبرامايكل، زعيم «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، لـ«رويترز»، في رسالة نصية أمس (الجمعة)، إن هناك احتجاجات شعبية في ميكلي التي يقطنها 500 ألف نسمة بسبب عمليات نهب يقوم بها جنود إريتريون. وأضاف: «الجنود الإريتريون في كل مكان»، متهماً مجدداً الرئيس الإريتري آسياس أفورقي بإرسال جنود عبر الحدود لدعم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مواجهة «الجبهة الشعبية». لكن إثيوبيا وإرتيريا نفتا ذلك.
وتابع ديبرصيون: «يحتج السكان في المدينة بسبب تعرضهم للنهب؛ لدينا أسرى، لكننا سنجمع أدلة أكثر وضوحاً»، دون أن يقدم أي أدلة على النهب أو وجود إريتريين.
وقالت بيليني سيوم، المتحدثة باسم آبي، إنها لا تعلق على رسائل نصية لا يمكن التحقق منها. وسبق أن وصفت مثل هذه الرسائل بأنها «ضلالات زمرة إجرامية».
وفي الولايات المتحدة، عبر سياسيون، خلال جلسة للكونغرس حول إثيوبيا، عقدت عبر الإنترنت في وقت متأخر الخميس، عن قلقهم بشأن عدم الاستقرار، سواء لدى حليف مهم أو في منطقة شرق أفريقيا ككل. وقال كريس سميث، عضو مجلس النواب الجمهوري: «هناك قلق... من أن سقوط العاصمة لا يعني بالضرورة نهاية الصراع المسلح؛ نشعر بقلق بالغ من حرب أهلية ممتدة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟