ليبيا تترقب مصير البرلمان بين بنغازي وغدامس

حكومة «الوفاق» تبرم اتفاقاً مع إيطاليا... وتركيا تواصل تهديد الهدنة مع «الجيش الوطني»

سوق للخضراوات بمدينة مصراتة شرق طرابلس في بداية الشهر الجاري (رويترز)
سوق للخضراوات بمدينة مصراتة شرق طرابلس في بداية الشهر الجاري (رويترز)
TT

ليبيا تترقب مصير البرلمان بين بنغازي وغدامس

سوق للخضراوات بمدينة مصراتة شرق طرابلس في بداية الشهر الجاري (رويترز)
سوق للخضراوات بمدينة مصراتة شرق طرابلس في بداية الشهر الجاري (رويترز)

يترقب الليبيون «إعلان بعثة الأمم المتحدة رسمياً عن نتائج التصويت على آلية اختيار مناصب السلطة التنفيذية الجديدة». وبينما ظل مصير جلسة حاسمة لمجلس النواب معلقاً ما بين مقره الدستوري في بنغازي بشرق البلاد وبين غدامس بجنوب غربها، أبرمت حكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، اتفاقاً عسكرياً جديداً مع إيطاليا، قد يقوض التفاهمات العسكرية التي تم التوصل إليها مع الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقالت مصادر ليبية إن «غالبية أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي صوَّتوا عبر الهاتف (أمس) لصالح ثاني المقترحات التسعة التي يناقشونها، والذي ينص على أن تتم تسمية الرئيس الجديد للحكومة عن طريق الأعضاء وليس المجمعات الانتخابية، عبر جولتين أمام الجلسة العامة للجنة الحوار التي ستعقد لاحقاً».
واعتبر مراقبون ووسائل إعلام محلية أن «ذلك من شأنه قطع الطريق على مساعي فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة السراج، لرئاستها خلفاً له».
بدوره، استبق رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، جلسة كانت مقررة لأعضائه في غدامس، بنفي ما نسب له من تصريحات بشأن رفضه التفاوض في المدينة وعدم مشاركته في تلك المحادثات، وتوقعه استمرار الخلافات بشأنها.
واعتبر عبد الله بليحق، المتحدث باسم المجلس، في بيان له مساء أول من أمس، أن «هذه التصريحات عارية عن الصحة». كما دان «نشر مثل هذه الأخبار التي لا تمثل أخلاق صالح وأسلوبه في تعاطيه مع مجريات الأحداث وتعامله مع الآخرين».
وقالت وكالة الأنباء الليبية الموالية لحكومة الوفاق، إن حوالي 100 نائب وصلوا إلى مدينة غدامس، قادمين من طنجة المغربية عقب اختتام اجتماعهم التشاوري، وانضم إليهم حوالي 40 نائباً من داخل ليبيا؛ حيث عقدوا مشاورات حول جلسة مقررة لمجلس النواب في غدامس.
وعلى الرغم من أن صالح دعا النواب لاجتماع بمقرهم الدستوري في مدينة بنغازي بشرق البلاد؛ فإن أعضاء في المجلس قالوا في المقابل إنهم «يخططون لعقد الجلسة في غدامس».
ولاحظت وكالة الصحافة الفرنسية أن «خلافات عميقة لا تزال تعيق مسار الحوار في ليبيا الذي يفترض أن يقود إلى تشكيل حكومة انتقالية تشرف على انتخابات مقررة في ختام العام المقبل، وذلك رغم أن انفراجات عدة على صعيد وقف التصعيد العسكري شهدتها الأزمة في الأسابيع الأخيرة.
وفي تطور لافت قد يقوض هدنة وقف إطلاق النار مع الجيش الوطني والتفاهمات التي تم التوصل إليها برعاية بعثة الأمم المتحدة، أبرمت حكومة الوفاق اتفاقاً عسكرياً جديداً مع إيطاليا؛ حيث أعلن وزير دفاع «الوفاق»، صلاح النمروش الذي بدأ أمس زيارة مفاجئة إلى العاصمة الإيطالية روما، التوقيع على اتفاقية التعاون العسكري الفني المشترك، تشمل إلى جانب التدريب والمعلومات الفنية، المشاركة في التدريبات العسكرية والمناورات المشتركة، وإجراء تدريبات قصيرة المدى، والقيام بزيارات للمطارات والموانئ لأجل الدعم والتعاون في هيكلة وتنظيم المؤسسات العسكرية والمدنية، وبناء وتجهيز الوحدات العسكرية والمدنية.
وقال النمروش إنه ناقش مع وزير الدفاع الإيطالي، لورينزو قويريني: «تفعيل التعاون بمختلف صنوف وقطاعات المؤسسة العسكرية البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي وحرس الحدود». كما تم الاتفاق على «إنشاء لجنة مشتركة للتعاون العسكري في مختلف مجالات الدفاع»، موضحاً أنه بحث مع وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، آخر المستجدات حول الأوضاع الحالية في ليبيا، كذلك «أهمية تفعيل التعاون البناء والمثمر لما له من أهمية في دعم أمن واستقرار البلدين».
وبهذا الاتفاق، تصبح إيطاليا ثالث دولة على التوالي بعد تركيا وقطر التي تعقد معها حكومة الوفاق اتفاقيات عسكرية وأمنية مثيرة للجدل، بحسب ما قال مراقبون.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش الوطني الذي رفض في السابق تفاهمات «الوفاق» مع أنقرة والدوحة، واعتبرها تقويضاً لما تم التوصل إليه من تفاهمات في إطار محادثات اللجنة العسكرية المشتركة المعروفة باسم (5+5) في داخل البلاد وخارجها، برعاية بعثة الأمم المتحدة.
بدورها، واصلت تركيا تحدي الاتفاق المبرم بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق، بالإعلان عن استمرارها في تدريب عناصر «الوفاق» ميدانياً، بينما حطت ثلاث طائرات شحن عسكرية تركية في قاعدة الوطية الجوية التابعة لقوات «الوفاق» في غرب ليبيا.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن «قواتها المسلحة قدمت لأفراد من الجيش الليبي تدريباً ميدانياً على استخدام راجمة صواريخ، في إطار اتفاقية التدريب العسكري والتعاون والاستشارات» التي أبرمها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي رئيس حكومة الوفاق فايز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم