حسابات الفترة القلقة عراقياً... بين ترمب الراحل وبايدن القادم

ليست مؤجلة بل دائمة الاستحقاق بين واشنطن وطهران

TT

حسابات الفترة القلقة عراقياً... بين ترمب الراحل وبايدن القادم

بدأ العد التنازلي لتبادل الإدارة، لا السلطة، في البيت الأبيض بالولايات المتحدة الأميركية. ففي هذا البلد، بعكس غالبية بلداننا، تتغير الإدارة كل أربع، وأحياناً كل ثمان سنوات، لكن تبقى ثوابت السلطة على مدى عقود طويلة من الزمن. وكلما اقترب هذا العد التنازلي مع عدم وجود اعتراف رسمي من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، الذي ينتظر مصادقة المحكمة العليا، تزداد في العراق المنقسم بين نصف مؤيد لأميركا ومعاد لإيران، وبالعكس المخاوف من تبعات خسارة ترمب وفوز بايدن.
إيرانياً، الأمر اختلف كثيراً إثر اغتيال مهندس مشروعها النووي محسن فخري زاده. ففي الوقت الذي لم تتمكن بعد من استيعاب صدمة مقتل مهندس مشروعها الاستراتيجي في المنطقة الجنرال قاسم سليماني، جاءت صدمة فخري زاده لتزيد من ثقل جراحها التي زادتها تصريحات بايدن الأخيرة لصحيفة «نيويورك تايمز»، حين وضع حداً للمزيد من التكهنات بشأن علاقته المستقبلية مع طهران. فبايدن يريد العودة إلى الاتفاق النووي، لكن ضمن شروط أميركا، وهو ما كان يتحدث عنه ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو. الأهم أن بايدن وضع فقرة جديدة شكلت صدمة إضافة لطهران، وهي إشراك حلفاء واشنطن في المنطقة، في مقدمتهم السعودية والإمارات، ضمن مباحثات الملف النووي، بينما طهران تصنف كلا البلدين في خانة الخصوم، إن لم يكن الأعداء.
لكل ذلك انعكاسات مباشرة على العراق، الذي لا يملك سوى أن يتفرج على ما يجري، لكن من داخل الساحة التي يمكن أن تكون الميدان المناسب لتصفية حسابات ليست مؤجلة، بل دائمة الاستحقاق بين واشنطن وطهران. ففي العراق، حيث تحاول الدولة ممثلة بالحكومة الابتعاد عن سياسة المحاور، أو تصفية الحسابات، فإن الأطراف الصديقة لإيران داخل البرلمان، في مقدمتها كتلتا «الفتح» بزعامة هادي العامري و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، أو الأطراف الموالية لإيران، وهي الفصائل المسلحة، تسعى إلى استثمار الفترة القلقة بين رحيل ترمب ومجيء بايدن، إما بأقل الخسائر، أو بمحاولة ملء الفراغ الذي يمكن أن يترتب على إدارة تشعر بالهزيمة، بحيث تحولت هزيمتها إلى شماتة من قبل أصدقاء إيران، وأخرى تعيش زهو الانتصار، التي تحاول إعادة ترتيب أولوية علاقات واشنطن مع الحلفاء والأصدقاء، حتى الأعداء، في مقدمتهم إيران التي تعيش هي الأخرى تناقضاً حاداً بين المتشددين والإصلاحيين.
في سياق هذا الجدل والترقب بين إدارتين لديهما رؤى متباينة حيال العديد من الملفات، لكنهما محكومان بسلطة لا تسمح بالمزيد من هوامش الاختلاف، يأتي الحديث القلق هو الآخر بشأن تخفيض الوجود الدبلوماسي الأميركي في العراق من الآن حتى استلام بايدن. ففيما طمأن السفير الأميركي ماثيو تولر، من سماهم بأصدقائه، ومنهم عراقيون، بأنه باق في السفارة لمزاولة عمله، فإن هذه ربما مفاجأة أخرى للمقربين من طهران بأن الشخصية الأهم في السفارة باق في وقت يجري الحديث عن مخاوف أميركية من عدم تكرار سيناريو بنغازي كجزء من آلية الانتقام لسليماني في الذكرى الأولى لاغتياله، أو فخري زاده في الذكرى الأربعين (يوماً) لاغتياله.
وفي هذا السياق، يرى فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الشهرين المقبلين سيكونان حاسمين، وقد يشهدان حراكاً دبلوماسياً أو عسكرياً غير مسبوق». ويضيف أن «هناك من يقول بأن إسرائيل تريد توجيه ضربة استباقية لإيران قبل رحيل ترمب، وأنها بحاجة لحماية أميركا بعد هذه الضربة، وعليه قد نشهد أحداثاً في غضون الأسبوعين المقبلين». ويضيف أن «هناك من يتحدث عن عدم حصول شيء، لأن ترمب منشغل تماماً بموضوع متابعة الانتخابات، وليس مهتماً بما يجري خارج أميركا». وحول موضوع سحب الدبلوماسيين الأميركان من سفارة بلادهم في العراق، يقول علاء الدين، إن «هذا في تقديري إجراء احترازي لما قد يحصل في ذكرى ضربة المطار والفكرة الأساسية بأن السفارة تكون جاهزة للإخلاء بسهولة أكثر إذا ما لم يتواجد عدد كبير من الموظفين، ولن يكون بحاجة إلى عملية عسكرية كبيرة مثلما تكون الحال عند وجود أعداد كبيرة».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.