صراع إثبات الوجود بين «القاعدة» وتنظيم داعش

خبير يعتبر الهجوم ضد «شارلي إيبدو» بروباغندا من خلال الفعل

صراع إثبات الوجود بين «القاعدة» وتنظيم داعش
TT

صراع إثبات الوجود بين «القاعدة» وتنظيم داعش

صراع إثبات الوجود بين «القاعدة» وتنظيم داعش

سارع تنظيم القاعدة وتبنى الهجوم ضد مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، وكأنه يريد حسبما يرى خبراء، أن يثبت قدرته على توجيه ضربات في صميم الغرب تعيده إلى الواجهة بعد تراجعه أمام غريمه تنظيم داعش.
واعتبر المحلل لوران بونفوا، المتخصص في شؤون اليمن، أن «الهجوم على (شارلي إيبدو)، يعيد تنظيم القاعدة إلى الساحة في إطار التنافس مع تنظيم داعش».
وبعد زعامة طويلة الأمد لتنظيم القاعدة واحتضانه للتيارات المتطرفة في العالم، شهد عام 2014 تراجعا كبيرا لهذا التنظيم على حساب تقدم «داعش»، خصوصا في سوريا والعراق، وإعلان سيطرته على مساحات واسعة في البلدين.
كما أن المعارك الدامية بين «داعش» ومقاتلي «جبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا»، رجحت الكفة لصالح تنظيم داعش.
ويبقى تنظيم القاعدة في اليمن الذي يتزعمه على المستوى العالمي أيمن الظواهري، منذ مقتل مؤسسه أسامة بن لادن في 2011، الأقوى والأخطر في اليم؛ حيث يقود عمليات مثيرة ودامية ضد قوات الأمن والجيش وضد أهداف أجنبية.
ويمثل تنظيم القاعدة، على الرغم من الضربات المستمرة ضده التي تشنها طائرات أميركية من دون طيار، تحديا قويا لواشنطن. ويشكل مثالا على ذلك إحباط عملية نفذتها قوات أميركية خاصة في ديسمبر (كانون الأول)، لتحرير رهينتين؛ أميركي وجنوب أفريقي. وانتهت العملية بموت الرهينتين.
ويرى الخبراء أن عملية باريس التي قضت على هيئة تحرير الصحيفة الفرنسية الساخرة في 7 يناير (كانون الثاني)، تهدف إلى إعادة تعبئة المقاتلين واستقطاب متطرفين جدد، واستعادة زمام المبادرة على جميع الأصعدة، بما في ذلك في مجال الدعاية.
من جانبه يرى ماتيو غيدير، أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة تولوز، أن تنظيم القاعدة يحاول جاهدا أن «يرد بعمليات شبيهة بتلك التي نفذها بين 2001 و2011»، وذلك للظهور بقوة على الساحة العالمية للمتطرفين، خصوصا بعد الصعود القوي لتنظيم داعش.
كما اعتبر غيدير أن الهجوم على «شارلي إيبدو» ليس أكثر من «بروباغندا من خلال الفعل»، هدفها إعادة جذب بعض المتطرفين الذين تركوا الشبكة وإعادة تعزيزها، لا سيما وأن تنظيم داعش «يشهد تراجعا جراء الضربات الدولية» التي يتلقاها في العراق وسوريا.
ولكن بونفوا يشير إلى أن «الإمكانيات التي يملكها (داعش) أكبر من إمكانيات القاعدة»، وإن كانت «القاعدة لا تزال تشكل تهديدا، خصوصا أن المنافسة مع (داعش) يمكن أن تخلق سباقا بينهما».
أما عن السبب الرئيسي الذي يساعد على وجود القاعدة وبقوة في اليمن، فترجح أبريل لونغلي، الخبيرة في شؤون اليمن العاملة في مجموعة الأزمات الدولية (إنترناشيونال كرايسس غروب)، أنه يعود إلى «ضعف الدولة اليمنية» منذ سيطرة المسلحين الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر (أيلول)، وهو ما «يمنح تنظيم القاعدة فرصا جديدة».
وبدوره رأى الأستاذ جان بيان فيليو، في جامعة العلوم السياسية في باريس، أن الهجمات في باريس وقعت «مع اتساع المنافسة للاستقطاب والجذب داخل الأوساط المتطرفة».
وحسب نظرته وتحليله للأمر يرى فيليو، أن «الرجل المحوري في هذه المؤامرة الكبيرة» هو بوبكر الحكيم، وهو متطرف فرنسي تونسي الأصل كان يقاتل منذ عام 2004 في صفوف «القاعدة» في العراق، وهو «الشخصية المرجعية» بالنسبة للأخوين كواشي اللذين نفذا الهجوم على «شارلي إيبدو»، ولم يتمكنا قط من الانضمام إليه في العراق.
ويذكر أن الأخوين كواشي تدربا في عام 2011 لدى «القاعدة» في اليمن، وتأثرا بالإمام الأميركي اليمني المتطرف أنور العولقي، الذي قتل في السنة نفسها بغارة لطائرة أميركية من دون طيار، حسبما ذكر فيليو.
وأضاف الأستاذ الجامعي: «من الطبيعي إذن أن يعمل تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، على ضم عملهما إلى رصيده، إلا أن بوبكر الحكيم المعروف باسم (المقاتل)، بات في هذه الأثناء «كادرا محوريا في تنظيم داعش»، وتبنى قتل السياسيين التونسيين العلمانيين شكري بلعيد ومحمد براهمي.
وقال فيليو: «نحن نشهد مزايدة بين تنظيم القاعدة التاريخي وتنظيم داعش» الذي قال المهاجم الثالث في باريس، أحمدي كوليبالي، إنه ينتمي إليه. ونفذ كوليبالي عملية احتجاز رهائن دامية داخل متجر للمأكولات اليهودية في اليوم التالي من الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو». في حين لم يتبنَ تنظيم داعش الهجوم الذي نفذه كوليبالي.
أما ريتا كاتز، وهي أحد مؤسسي موقع «سايت» المتخصص في رصد النشاط المتطرف عبر الإنترنت، فترى أن «تبني الهجوم (ضد مجلة شارلي إيبدو)، يمثل تبني أول هجوم ناجح لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في الغرب، بعد عدة محاولات باءت بالفشل» مثل محاولة شاب نيجيري تفجير نفسه على متن طائرة متجهة إلى مدينة ديترويت الأميركية يوم عيد الميلاد في 2009، أو عمليات إرسال طرود مفخخة إلى الولايات المتحدة في 2010.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.