هل يمكن لترمب إصدار عفو لنفسه أو لأسرته؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتوسط زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتوسط زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أرشيفية - رويترز)
TT

هل يمكن لترمب إصدار عفو لنفسه أو لأسرته؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتوسط زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتوسط زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أرشيفية - رويترز)

أثار العفو الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مستشاره السابق مايكل فلين تكهنات بشأن ما إذا كان بإمكان الرئيس العفو عن مساعدين آخرين وحتى أفراد عائلته خلال الأسابيع الأخيرة له في منصبه، وفقا لوكالة «رويترز» للأنباء.
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الثلاثاء، نقلا عن شخصين تم اطلاعهما على الأمر أن ترمب تحدث مع محاميه الشخصي رودي جولياني بشأن العفو عنه خلال الأسبوع الماضي. وقالت الصحيفة أيضا إن ترمب سأل مستشارين عن إمكان العفو «الاستباقي» عن أبنائه الثلاثة الكبار.
وفي عام 2018، قال ترمب إن لديه «الحق المطلق» في العفو عن نفسه، وهو ادعاء يعارضه العديد من خبراء القانون الدستوري.
هنا نظرة عامة على سلطة العفو التي يتمتع بها ترمب، والتي تعتبر واسعة لكنها ليست مطلقة:

* هل يمكن أن يكون العفو استباقيا؟
- بينما يُمنح العفو عادة للأشخاص الذين حوكموا، فإنه يمكن أن يشمل السلوك الذي لم تستتبعه إجراءات قانونية، ولا يمكن تطبيق العفو على السلوك الذي لم يحدث بعد.
وأوضحت المحكمة العليا الأميركية ذلك في قضية حصلت عام 1866، قائلة إن سلطة العفو «تمتد إلى كل جريمة يحددها القانون، ويمكن استخدام تلك السلطة في أي وقت بعد ارتكابها، إما قبل اتخاذ الإجراءات القانونية أو أثناء فترة سريانها أو بعد الإدانة والحكم».
وتصدر معظم قرارات العفو للأشخاص الذين حوكموا وصدرت بحقهم أحكام. لكن عام 1977، أصدر الرئيس جيمي كارتر عفوا عن مئات الآلاف من «المتهربين من الخدمة العسكرية» الذين تملصوا من الخدمة في الجيش التي جعلتها الحكومة إلزامية خلال حرب فيتنام.

* هل هناك حدود لسلطة العفو الممنوحة للرئيس؟
- سلطة العفو، المستمدة من دستور الولايات المتحدة، هي واحدة من أوسع السلطات المتاحة للرئيس. ورأى الآباء المؤسسون فيها أداة لإظهار الرحمة وخدمة الصالح العام.
لا يمكن مراجعة العفو من فروع الحكومة الأخرى ولا يتعين على الرئيس إبداء سبب لإصداره، لكن سلطة العفو ليست مطلقة لا ينطبق العفو إلا على الجرائم الاتحادية.

* هل يمكن أن يعفو ترمب عن أبنائه والمقربين منه؟
- نعم عفو ترمب عن المقربين منه بمن في ذلك أفراد عائلته إجراء قانوني.
وفي عام 2001، أصدر الرئيس السابق بيل كلينتون عفوا عن شقيقه روجر، الذي أدين بحيازة الكوكايين في أركنسو.
وأصدر كلينتون عفوا عن 450 شخصا بينهم مارك ريتش، أحد المتبرعين للحزب الديمقراطي، الذين فروا من البلاد بسبب تهم التهرب الضريبي.

* إلى أي مدى يمكن أن يكون العفو شاملا؟
- هذا غير واضح، كان العفو الذي ناله الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون من خلفه جيرالد فورد شاملا، إذ أعفي نيكسون من جميع الجرائم الجنائية التي ارتكبها أو ربما شارك فيها خلال فترة رئاسته.
لكن المحكمة العليا الأميركية لم تصدر حكما بشأن ما إذا كان هذا العفو الشامل قانونيا.
وجادل بعض فقهاء القانون بأن الآباء المؤسسين أرادوا أن يكون العفو محددا، وبأن هناك حدا ضمنيا لنطاقه.

* لأي سبب قد يعفو ترمب عن أبنائه أو جولياني؟
- لم يُتهم أبناء ترمب بأي مخالفات جنائية، وليس من الواضح لأي سبب قد يعفو عنهم ترمب.
ويُجري المدعي العام لمنطقة مانهاتن سايروس فانس، الذي ينفذ قوانين ولاية نيويورك، تحقيقا جنائيا بشأن ترمب وشركته العائلية التي تحمل اسم منظمة ترمب.
وأشار فانس، وهو ديمقراطي، في ملفات المحكمة إلى أن تحقيقه يمكن أن يركز على الاحتيال المصرفي والضريبي والتأميني، فضلا عن تزوير السجلات التجارية.
ولم يتضح ما هي المرحلة التي وصل إليها التحقيق. ولم توجه اتهامات لأي شخص بارتكاب مخالفات.
ومن ناحية أخرى، فتحت المدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس تحقيقا في تهم التحايل الضريبي بحق ترمب ومنظمته.
وبدأ التحقيق الذي أجرته جيمس، وهي ديمقراطية، بعد أن أبلغ المحامي السابق لترمب مايكل كوهين الكونجرس بأن الرئيس قام بتضخيم قيم الأصول بغية الحصول على القروض والتأمين وخفض قيمتها لخفض الضرائب العقارية.
وعُزل إريك ترمب، نجل ترمب ونائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة، في أكتوبر (تشرين الأول) بسبب ما وصفته المدعية العامة بمشاركته في واحدة أو أكثر من المعاملات قيد المراجعة.
ووصف الجمهوري ترمب تحقيقات فانس وجيمس بأنها مضايقات ذات دوافع سياسية.
ولن ينطبق العفو الرئاسي، الذي لا يمكن منحه إلا عن الجرائم الاتحادية، على أي من هذه التحقيقات الحكومية.
وليس من الواضح إن كان لجولياني سجل جنائي ويحقق المدعون الاتحاديون في مانهاتن في تعاملاته التجارية في أوكرانيا.
ونفى جولياني ارتكاب أي مخالفات كما نفى أنه تحدث إلى ترمب بشأن العفو. وقال على موقع «تويتر» في الأول من ديسمبر (كانون الأول): «لم يجرِ قط النقاش الذي ينسبونه زورا إلى مصدر مجهول».

* هل يستطيع ترمب العفو عن نفسه؟
- لا توجد إجابة محددة لهذا السؤال، إذ لم يسبق أن حوكم رئيس أميركي، لذا لم تدل المحاكم بدلوها في الأمر.
وقال بريان كالت، أستاذ القانون الدستوري في جامعة ولاية ميشيغان: "عندما يسألني الناس عما إذا كان بإمكان الرئيس أن يعفو عن نفسه، فإن جوابي دائما هو، حسنا يمكنه المحاولة، الدستور لا يقدم إجابة واضحة عن ذلك».
وذكر العديد من الخبراء القانونيين أن العفو الذاتي سيكون غير دستوري لأنه ينتهك المبدأ الأساسي القائل إنه لا ينبغي لأحد أن يكون القاضي في قضيته.
وقد يحاول ترمب العفو عن نفسه بشكل استباقي لتفادي إمكانية مقاضاته بعد تركه منصبه.
وأوضح كالت أنه لكي تحكم المحكمة في صلاحية العفو، يتعين على المدعي الاتحادي توجيه اتهام إلى ترمب بارتكاب جريمة، وسيتعين على ترمب عندئذ طرح هذا العفو كدفاع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟