«بيروت مدينة الحياة»... مبادرة لإعادة النبض إلى قلبها

تتضمن معارض وورش عمل وحفلات موسيقية ونشاطات فنية

أحد مقاهي الجميزة بعدسة فاديا أحمد المشاركة في المعرض الفوتوغرافي للمبادرة
أحد مقاهي الجميزة بعدسة فاديا أحمد المشاركة في المعرض الفوتوغرافي للمبادرة
TT

«بيروت مدينة الحياة»... مبادرة لإعادة النبض إلى قلبها

أحد مقاهي الجميزة بعدسة فاديا أحمد المشاركة في المعرض الفوتوغرافي للمبادرة
أحد مقاهي الجميزة بعدسة فاديا أحمد المشاركة في المعرض الفوتوغرافي للمبادرة

حالة من الشلل التام أصابت منطقتي مار مخايل والجميزة إثر انفجار بيروت في 4 أغسطس (آب) الفائت. يومها وبلحظات قليلة تحولت العاصمة إلى مدينة منكوبة. توقف قلبها عن النبض، وتجمدّت حركة شوارعها ومقاهيها وأحيائها وأحبط أهلها.
مدينة تعرّضت لثالث أكبر انفجار في العالم، غلب عليها مشهد الحطام والدمار والركام. فقدت وعيها وعاشت أياماً بين الحياة والموت بعد أن أصيبت بالصدمة.
هذه المشهدية الموجعة التي خيّمت على قلب بيروت لفترة، تأتي اليوم مبادرة «بيروت مدينة الحياة» لتمحوها وتنعشها. فتنتشلها من بين الركام وتبثّ فيها ألوان الحياة من خلال نشاطات فنية وثقافية. ابتداء من 7 ديسمبر (كانون الأول) الجاري ستعيش مار مخايل والجميزة بفضل عشاقها نقلة من الظلمة إلى النور يترجمها على الأرض مهنيون وفنانون يتمسكون بالأمل ويرفضون الاستسلام. وتقول فاتن العطّار المديرة التنفيذية لشركة التسويق «ستروبيري» المشرفة على هذه المبادرة: «لقد أدركنا أنّ الأمر يتوقف علينا وعلى سواعد أبنائنا وشبابنا. ولذلك انبثقت هذه المبادرة لتكون القوة الدافعة وراء إعادة النبض إلى بيروت. وبالتعاون مع نقابة أصحاب المطاعم والملاهي وهيئات وشركات متعددة في الجميزة ومار مخايل قررنا إقامة هذه النشاطات ليستعيد قلب بيروت حيويته». وتتابع العطار في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقبل بأن نستمر بالحزن والبكاء على الأطلال. انتصبنا من جديد، وأخذنا على عاتقنا تقديم تحية لمدينتنا على طريقتنا وكذلك لكل من حاول إنقاذ حياة الناس فيها إثر الانفجار. تجمعنا كمتطوعين من مختلف الميادين، وانطلقنا في رحلة إعادة الحياة لمعالم مدينة أدّى الانفجار إلى فقدان الحركة فيها».
40 في المائة من أصل 90 مطعماً ومقهى وحانة في الجميزة، و158 مثلها في مار مخايل قررت المشاركة في المبادرة، بعد أن تمكنت من لملمة جراحها وإعادة بناء ممتلكاتها. فيما نسبة أخرى من تجار وأصحاب مطاعم تشعر بالإحباط رفضت المشاركة، بعد أن فقدت الأمل بالمسؤولين في بلدها. في المقابل تكاتفت مجموعات كبرى، وعزمت على المضي في مشوارها، مقدمة كل إمكانياتها المادية والمعنوية لإنجاح المبادرة.
وتعلّق العطار في سياق حديثها: «لم نتلق أي دعم من جهات رسمية أو خارجية، وكل ما ستشهده هذه المنطقة من نشاطات منوعة، هي نتاج جهود يبذلها عشاق بيروت وسكانها».
تتضمن المبادرة ورش عمل ومعارض وحفلات موسيقية وأسواق الميلاد وحسومات في المطاعم وفي الفنادق والشقق السكنية المعروضة للإيجار. كما تخصص مساحات خاصة بالأطفال ومسابقات ترفيهية تشمل فنون الطبخ والرسم وتحضير المشروبات والعصائر. ويتخللها أيضاً حلقات حوار وأيام بيئية بحيث ستخلو شوارع المنطقة من السيارات وينحصر التنقل فيها سيرا على الأقدام.
في الأسبوع الأول من برنامج المبادرة الذي يمتد من 7 ديسمبر (كانون الأول) لغاية 13، تشهد منطقتا مار مخايل والجميزة نشاطات مختلفة. فمطاعمها تقدّم لروادها حسومات تصل إلى 50 في المائة، ومحطة القطار فيها ستكون بمثابة منصة حوارية ومركزا تبث منه عروض حية خاصة بالأطفال.
وتشهد ليلة الافتتاح الرسمية للمبادرة في 12 ديسمبر (كانون الأول) الجاري حفلا موسيقيا تحييه مجموعة من الفنانين الشباب وسط المنطقة. يستهل بنشيد المبادرة «بيروت أمي» وهي أغنية لحنها وأنتجها الموسيقي جان ماري رياشي مهداة إلى بيروت. فيعزفون ويغنون لتغدو الموسيقى لغة الحوار، والموحدة بين المجتمعين حولها. وفي هذه الأمسية ستقدم المبادرة لفتات تكريمية للمحاربين الذين تصدروا الصفوف الأمامية أثناء الكارثة من أطباء ومسعفين وعناصر الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني. وفي 13 ديسمبر (كانون الأول) يقام معرض حرفي ولوحات مباشرة على الأرض لفنون الرسم والكاريكاتير ومسابقات في ألعاب تثقيفية. كما سيتخلله معرض «كاراج سوق» لبيع وشراء أغراض مستعملة وأخرى جديدة. ويُنظَم فيه أيضاً نشاط بيئي يُمنع فيه سير السيارات لتستبدل بالدراجات الهوائية والسير على الأقدام.
ويشهد الأسبوع الثاني من هذه المبادرة بين 14 و20 الجاري معارض لوحات رسم وصور فوتوغرافية تتوزع على مختلف الغاليريهات الواقعة في المنطقة. كما ستقام نشاطات مباشرة على الأرض، تتألف من عرض تصاميم غرافيكية تحت عنوان «بوب أب اكزبيشين». ومساء 20 ديسمبر (كانون الأول) يحيي صاحب الصوت الأوبرالي ونجم برنامج «ذا فويس» في نسخته الفرنسية اللبناني ماتيو خضر حفلا غنائيا يواكبه مسابقات ترفيهية في الوقت نفسه.
ومن 18 ديسمبر (كانون الأول) لغاية 3 يناير (كانون الثاني) المقبل يقام في مدرسة الفرير في الجميزة معرض الميلاد طيلة الأسبوع يتخلله توزيع هدايا العيد على الأطفال في كنيسة مار أنطونيوس الواقعة في المنطقة نفسها. ودائماً وفي الأسبوع الأخير من المبادرة تقام عروض حية مع طباخين لبنانيين مشهورين. وتحت عنوان «خذ عائلتك بنزهة إلى الخارج» تفتح جميع المطاعم والمراكز الترفيهية في الشارعين المذكورين أبوابها أمام روّادها مقدمة لهم حسومات وتخفيضات في الأسعار.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.