مقهى رام الله يشبه رواده.. له نكهة ثقافتهم وشكل حواراتهم

شعبي ونخبوي ومحايد.. ولا يلتفت للفروقات الاجتماعية أو الطبقية

جورج خليفي (يمين) وحسن البطل  -  واجهة مقهى رام الله  -  مهيب البرغوثي
جورج خليفي (يمين) وحسن البطل - واجهة مقهى رام الله - مهيب البرغوثي
TT

مقهى رام الله يشبه رواده.. له نكهة ثقافتهم وشكل حواراتهم

جورج خليفي (يمين) وحسن البطل  -  واجهة مقهى رام الله  -  مهيب البرغوثي
جورج خليفي (يمين) وحسن البطل - واجهة مقهى رام الله - مهيب البرغوثي

قبل 12 عاما، قرر أبو إلياس (شوقي دحو)، افتتاح مقهى رام الله، في الشارع الرئيسي للمدينة، الشهير شعبيا باسم «شارع ركب»، نسبة إلى محل البوظة (الآيس كريم) الشهير فيه، إلا أنه، ولفرط ولعه بالقراءة والثقافة عموما، قرر أن ينقل أكثر من 500 كتاب من مكتبته الخاصة إلى المقهى، ما شجع الكثير من أصدقائه والمتحمسين لفكرة المقهى، رفده بمزيد من الكتب، وهذا ما فعلته لاحقا مؤسسات رسمية وأهلية فلسطينية ذات علاقة.
المتجول داخل المقهى الصغير المكون من طابقين، يلاحظ صورا على جدرانه، للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، ولصاحب «المتشائل» إيميل حبيبي، وللأديب والشاعر والمفكر حسين البرغوثي، والمسرحي يعقوب إسماعيل، الذي كان من رواد المقهى، وغيرهم من الراحلين.
يستعيد أبو إلياس، صاحب المقهى، ذكرياته الأولى يقول: «حين أسست مقهى رام الله، كنت أفكر في أن يتحول إلى منتدى ثقافي، خصوصا أنني قارئ نهم، على الرغم من أني لم أكمل تعليمي الثانوي. لكن المقهى لم يتحول إلى منتدى، بل إلى عنوان للكثير من المثقفين والفنانين الفلسطينيين، حتى بات منزلا حميما يجمع الإخوة والأصدقاء. المقهى لا يهدف إلى الربح الكبير، بل الاستمرارية، وهذا ينعكس في تعاملنا مع رواده، حتى من المثقفين العرب والأجانب الذين يأتون في زيارات إلى فلسطين».

* شعبي ونخبوي
أما حسن البطل، وهو أحد رواد المقهى الدائمين، فأشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن أهم ما يميز مقهى رام الله عن غيره من المقاهي، هو أنه مقهى شعبي بأجواء نخبوية في آنٍ.
ويقول البطل، صاحب عمود «أطراف النهار» الشهير في جريدة «الأيام» الفلسطينية: «في أي مقهى أنت تبحث عن الأصدقاء، وفي مقهى رام الله أجد أكبر عدد منهم، ومن الوجوه المألوفة بالنسبة لي، وبينها المثقفون، والفنانون، وكذلك شخصيات أكاديمية، وأخرى ذات مناصب رسمية.. والأجمل أنك لا تشعر بأن ثمة فروقات بين هذا وذاك، ممن ينتمون لديانات، أو طبقات اجتماعية أو خلفيات فكرية، وحتى أحزاب سياسية مختلفة.. وجدت في هذا المقهى جوي الخاص.. المقهى الذي كان نجيب محفوظ من رواده كان متواضعا، على عكس المقاهي النخبوية المنتشرة في كل مكان، وأرى في مقهى رام الله مقهى شعبيا قياسا بمقاهي المدينة باهظة الثمن، وقد يصر بعض أصحابها أو العاملين فيها على أن تشرب أكثر من مرة خلال ساعات إقامتك المؤقتة، والتي قد تطول في المقهى، وهو ما لا يحدث في مقهى رام الله».
ويضيف البطل: «رواد مقهى رام الله هم مثقفون (قاعديون)، وليسوا (نخبويين)، وبالتالي فهم في الغالب مثقفون فاعلون في المسرح، والسينما، والشعر، وغيرها من حقول الثقافة والفنون.. معظم الحديث حول الثقافة والسياسة، وقليلا ما يكون حول الأمور الشخصية».

* أغنياء بالثقافة
بدوره، أضاف المخرج جورج خليفي: «في رأيي، مقهى رام الله ليس مقهى مثقفين بما تحمله الكلمة من معنى، فكي يكون كذلك، يجب أن يشهد نقاشات، وقد يحتضن أمسيات ترتبها الإدارة، ولكن يمكن القول إنه مقهى يرتاده كثير من المثقفين.. أجواء مقهى رام الله خاصة وحميمة ودافئة.. هو مقهى مفتوح للجميع وعلى الجميع، ورواده من الأغنياء بالثقافة وليس بالمال، فالأسعار في مقهى رام الله معتدلة وتلائم الرواد، إضافة إلى ميله، عبر صاحبه، إلى الثقافة بشكل أو بآخر».
ويأمل خليفي ألا تنزح إدارة المقهى نحو إقامة فعاليات أو أمسيات ثقافية وفنية.. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نبحث عن مقهى مريح وهادئ، ورواده متقاربون في المشارب والأهواء، وهذا ما وجدناه في مقهى رام الله، وبإقامة فعاليات أو أمسيات لن يعود هو المكان الذي نفرغ فيه مع الأصدقاء تعب يوم كامل، أو نفتتح فيه صباحاتنا.. جو المقهى جذاب، ونأمل أن يبقى كذلك».

* بعيدا عن الصراخ
ويرفض الشاعر عامر بدران، تسمية مقهى رام الله أو أي مقهى آخر بـ«مقهى المثقفين»، مختصرا حديثه بالقول: «هو مقهى في موقع جغرافي متميز، ويتميز بالهدوء بعيدا عن صراخ لاعبي الورق (الشدة، أو الكوتشينة).. برأيي هو مكان مريح يلتقي فيه أصدقاء متقاربون في الاهتمامات، وعدد منهم يعملون في حقول ثقافية وفنية عدة».
ويضيف بدران: «أسوأ ما في المثقف إذا ما كان المستهدفون بالنسبة له هم من المثقفين أو من أصدقائه المثقفين، فمن يريد تقديم رؤيته منهم يجب أن يقدمها للجمهور.. مشكلة المثقفين في بلادنا، أنهم يتحدثون للمثقفين من أصدقائهم، وأتمنى ألا يتكرس ذلك».

* علامة فارقة
ويعتبر الشاعر والصحافي مهيب البرغوثي، علامة بارزة في مقهى رام الله، بل بات يستقطب الكثير من زوار فلسطين العرب والأجانب إليه، وكان أول من كسر فكرة ذكورية المقهى. وبالفعل بتنا نشاهد إناثا منفردات أو مجتمعات، أو برفقة أقارب لهن أو أصدقاء يرتدن المقهى، ولو بين فترات متباعدة، ولأوقات ليست طويلة.. يقول البرغوثي لـ«الشرق الأوسط»: «ما ميز المقهى عن غيره أنه تحول بفضل صاحبه إلى ما يشبه المنتدى الثقافي غير التقليدي، من خلال النقاشات التي يخوضها رواده من المثقفين والفنانين كل مجموعة على طاولتها، أو حتى ما بين الطاولات المتقاربة.. هناك الكثير من المقاهي الشعبية في رام الله، ولكن المختلف في مقهى رام الله، أن العلاقة بين صاحب المحل والعاملين فيه من جهة، ورواده من جهة أخرى، ليست هي العلاقة السائدة بين تاجر وزبون، ومع الوقت بات علامة فارقة، حيث يرتاده المثقفون والفنانون والصحافيون والأكاديميون وبعض الساسة، إنه، وإن اختلف بالشكل والسعة والعمر الزمني، البديل الفلسطيني لمقهى الرشيد في بغداد، أو مقهى أم حسن في بيروت، أو مقهى الروضة ومقهى هافانا في دمشق، أو مقهى السنترال في عمان، وشبيهاتها في العواصم العربية».
ولكسر الصورة النمطية في أذهان سكان رام الله وزوارها، بأن المقهى ذكوريا، اصطحب البرغوثي، بعد أشهر من تأسيسه، ووسط ذهول الكثيرين، ولكن بعد نقاشات مع صاحب المحل والعاملين فيه، شقيقته، كأول أنثى تدخل المقهى، ومن هنا «تم كسر حاجز ذكورية المقهى»، وخاصة أن الشخصيات تتجرد في المقهى، وتلغي الفوارق الثقافية والاجتماعية، فحين يحضر وزير أو تأتي وزيرة إلى المقهى، يتم التعامل معه أو معها كـ«ابن البلد»، وليس «معالي الوزير»، وهذا حدث ويحدث في مقهى رام الله.
من الجدير بالذكر، أن باب المقهى الخارجي يعتبر لوحة إعلانات للكثير من الفعاليات الثقافية والفنية في رام الله على وجه الخصوص، وأن المقهى استضاف الكثير من الأنشطة المتفرقة، من بينها تأبين الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم، والممثل المخرج المسرحي يعقوب إسماعيل، والكاتب والصحافي الفلسطيني عايد عمرو، والأخيران كانا من رواد المقهى.



قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
TT

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

أشعلت كتيبة من الشعراء، تقاطروا من كل أرجاء العالم العربي، لياليّ الكويت الباردة بالدفء والمشاعر الصاخبة، في توليفة من العشق والغزل والحنين والافتجاع، حيث أوقد 27 شاعراً وشاعرة عربية جمر الكلمات لتنساب قصائدهم كألسنة نار تسكب حرارة العاطفة في قوالب موسيقية تجتذب القلوب التواقة إلى الدفء والجمال.

عبر ثلاث أمسيات شعرية، توزع الشعراء الـ27 ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أقيمت الأمسيات الثلاث في مكتبة البابطين في العاصمة الكويت، الأمسية الأولى جمعت تسعة شعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، وأدارها الدكتور مشعل الحربي (الكويت). وشارك فيها كلٌ من: أوس الأفتيحات (العراق)، وجاسم الصحيّح (السعودية)، وجمانة الطراونة (الأردن)، وحنين عمر (الجزائر)، وخالد بودريف (المغرب)، ومحمد طه العثمان (سوريا)، ومحمد عرب صالح (مصر)، وموضي رحال (الكويت)، ووليد الصراف (العراق).

الأمسية الثانية جمعت أيضاً تسعة من الشعراء، وأدارها الدكتور عبد الله السرحان (الكويت) وشارك فيها كلٌ من: أحمد شلبي (مصر)، وجاسر البزور (الأردن)، وخالد الحسن (العراق)، وروضة الحاج (السودان)، وسمية محنش (الجزائر)، وفالح بن طفلة (الكويت)، ومحمد الجلواح (السعودية)، نبيلة حماني (المغرب)، وهبة الفقي (مصر).

وضمّت الأمسية الثالثة، تسعة شعراء آخرين، وأدارها الدكتور أحمد الفرج (الكويت)، وشارك فيها كلٌ من: إباء الخطيب (سوريا)، وأحمد بلبولة (مصر)، وإياد هاشه (العراق)، وحسام شديفات (الأردن) ودلال البارود (الكويت)، وشقراء مدخلي (السعودية) وعبد الله الفيلكاوي (الكويت)، وفارس حرّام (العراق)، ومحمد البريكي (الأمارات).

الشاعر السعودي جاسم الصحيّح (الشرق الأوسط)

جاسم الصحيّح

شارك في الأمسية الأولى الشاعر السعودي جاسم الصحيّح، الذي سبق أن فاز بجائزة أفضل ديوان شعري في مسابقة البابطين للإبداع الشعري 2012 عن ديوانه «ما وراء حنجرة المغني»، كما حاز جائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح 2018، وأخيراً جائزة المركز الأول في برنامج «المعلقة» من وزارة الثقافة السعودية في عام 2024.

وألقى الصحيّح بعضاً من نصوصه، جاء في قصيدته «لعابر في التآويل»:

نبيٌّ ولكنْ عابرٌ للشرائعِ

حدودُ سماواتي حدودُ أصابعي

إذا سال ظِلِّي بَلَّلَتْنِي غمامةٌ

من الوحيِ، تندَى بالمعاني الجوامعِ

رَعَيتُ ولكنْ في مراعي هواجسي!

تَأَمَّلتُ لكنْ في (حِرَاءِ) الشَّوَارِعِ!

يُجَلِّلُني مجدُ القصائدِ حينما

أشمُّ أريجَ الله بين (المَطالعِ)

حروفي نجومٌ أَفْلَتَتْ من مدارِها

إليَّ، وعَقَّتْ ما لها من مواقعِ!

فما حِكمتي إلا الجَمالُ، وحُجَّتي

شعوري بأنَّ الكونَ إحدى ودائعي

تَلَمَّستُ ديني داخلي فاعْتَنَقْتُهُ

وشَيَّدتُ في كلِّ الخلايا صوامعي

يسيلُ بيَ التأويلُ في كلِّ جُملةٍ

كأنِّي (مجازٌ مُرسَلٌ) للمنابعِ

بسَبعَةِ أختامٍ أُشَمِّعُ فكرتي

وأرسلُها للخلقِ دون طوابعِ

سـيَشكُونِـيَ الوُعَّاظُ مِلءَ نقيقِهِمْ

فمُستنقعُ الشكوَى كثيرُ الضفادعِ

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

روضة الحاج

شاركت الشاعرة السودانية روضة الحاج في الأمسية الثانية، وسبق أن حازت لقب «شاعر سوق عكاظ» لعام 2005، وشاركت في برنامج «أمير الشعراء» بنسخته الأولى، وحازت المركز الرابع... الشاعرة روضة الحاج، حملت أحزان بلدها السودان الذي تكويه نار الحرب، ومعاناة الناس وعذاباتهم، فألقت من لهيب الحزن قصيدتها «الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة!»، جاء فيها:

وأنا ومصرُ

غريبةٌ لاذت بحزنِ غريبةٍ

بينا تسيرُ القاطرة

كلُّ المحطاتِ التي مرَّت بنا

متشابهاتٌ كلُّهنَّ

فليس من بيتٍ

لكي نأوي له

والساعة العجلى تشير إلى تمام العاشرة!

لا أهلَ

لا مستقبلينَ هناك

لا معنًى أُطاردُه

فيتبعُني ويُتعِبني

فقط

وجعٌ عظيمٌ لانهمارِ الذاكرة!

الآن تُمطر في جنوبِ القاهرة

وأنا يُعاودُني شجاي المرُّ

تعبثُ بي حميَّاي القديمةُ

كلما

بكتِ السماءُ وأبرقت

فكأنَّما روحي السماءُ الماطرة

وجعٌ عتيقٌ

يستبدُّ بهذه الروحِ المطيرةِ

كلما

لمعتٌ بروقٌ كنتُ أعرفُهنَّ

هبَّ عليّ عطرُ الأرضِ

أيقظَ كلَّ ما هدهدتُه لينامَ

أوقدَ ليلي الساجي

وسافرَ بي هناك

وهل أنا

مذ جئتُ هذي الأرضَ

إلا ضيفةٌ ومسافرة!

مطرٌ

وصوتُ (حليم)

شايٌ أحمرٌ

كتبٌ مبعثرةٌ

وشوقٌ

لست أدري ما الذي أشتاقُه

ومن الذي أشتاقُه

لكنَّني أدري تلوُّي القلبِ

كالملدوغِ

حين تُحيط بي أشجانُه

أدري بسكِّينِ الحنينِ

يشقُّ هذي الخاصرة!

الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة

أبكي

لأرضٍ لم تغادرني وإن غادرتُها

لأحبةٍ سأظلُّ أحملهُم معي

حتى الحياةِ الآخرة!

أو ربما أبكي مكابدتي

لأبدو مثلما أبدو

وفي روحي تمورُ عوالمٌ شتى

وكونٌ كاملٌ يغلي

وأسئلةٌ

وما من مهربٍ إلا إلى هذي القصيدةِ

وهي تُمعنُ في مراوغةٍ

أنا أدرى بها

يا للعنودِ الماكرة!

ولربما أبكي

صدوعاً كلما رممّتها

وظننتُها التأمت

أعادتها قصيدةُ شاعرٍ

أو شاعرة!

أبكي

وتنهمرُ السماءُ

وتُجهش الدنيا معي

والشوقُ يهطِلُ

والحنينُ الآنَ

يهمي من سماءِ القاهرة!

الشاعرة الجزائرية سمية محنش (الشرق الأوسط)

سمية محنّش

الشاعرة الجزائرية سمية محنّش، قرأت مجموعة من النصوص من بينها «أسئلة في العشـــقْ»، جاء فيه:

لماذا...

وفي كُلِّ حُبٍ تُعَادُ الحَكَايَا

نُعيدُ الحَكَايَا...

ونَصْبُو إلى المُسْتَحيل

الذي لا يَرُوحُ

الذي لا يجيءُ

الذي كشهابٍ

يُغِيرُ الحَنَايَا

ونَلْتَذُّ بالآهِ

نلتاعُ بالشَّوْقِ

نَبْنِي قُصُوراً مِنَ الوَهْمِ فوقَ السَّحابِ

عَلَيْها نُقِيمُ الخَطَايَا

ونقلبُ كُنْهَ الأُمُورِ على ضِفَّةٍ لِلْخَيَالِ المُخَدَّرْ

فَذا الوَهْم يغدو عبيراً وسُكَّرْ

وتَغْدُو الكَمَنْجَاتُ

في الرُّوحِ نايَا...

وإنَّا لَنَغْرَقُ في الحُبِّ غَرْقَا

كَمِثْلِ السّكارى...

كَدُوقٍ قَديمٍ...

سنختارُ موتاً بِصَحْنِ النَّبِيذِ

ونَفْرَحُ أنَّا بذا المَوْتِ عِشْنَا

وأنَّا نَدِينُ لهُ كَالرَّعايَا

وإنَّا الرَّعايا.

سَنَكْذِبُ حَتْماً

ومِنْ فَرْطِ صِدقٍ

نُقَدِّسُ كِذْبَتَنَا مُغرَمِينَ...

بِحُسْنِ النَّوَايَا

ونَصْدُقُ طَبْعاً...

إذا أجهشَ الحُبُّ فينَا

وفُرْنَا بِتَنُّورِهِ كالشَّظايا

الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة (الشرق الأوسط)

جمانة الطراونة

الشاعرة الأردنية جمانا الطراونة، تنقلت برشاقة بين بحور القصيدة، وتنوعت مشاربها بين الغزل والحنين، تقول:

عشقتُكَ مرتينِ وما أكتفيتُ

كأنّي مِنْ نهايتِكَ أبتديتُ

لِتُصْبِحَ عالَمي غادرتُ ذاتي

إليكَ وبي على نفسي انطويتُ

«أحبّكَ» لم تَعُدْ تُشفي غليلي

كما كانتْ فعفوكَ إن بكيتُ

أحاولُ بالقصيدةِ أنْ أُوكنّي

فلا يخلوْ من التصريحِ بيتُ

على قلبي استويتَ وأنتَ أهلٌ

لتملِكَهُ فلو أنّي استويتُ

رأيتُكَ قبلَ هذا ملءَ عيني

متى قلْ لي وأين بكَ التقيتُ؟!

تآلفتِ القلوبُ وفزتُ كوني

بنارِ النظرةِ الأولى أكتويتُ

أُقيمُكَ كالصلاةِ فأنتَ فرضٌ

ونافلةٌ وأعني ما نويتُ

بوجهِكَ في المرايا يا ابنَ روحي

إذا طالعتُها دوني أحتفيتُ

يراكَ الناظرون إليّ حتّى

ظننتُ بأنّني فيكَ اختفيتُ

رميتُكَ إذْ رميتُ فدارَ سهمي

عليّ فما رميتُكَ إذْ رميتُ

لأبعدِ نَجْمةٍ سأمدُّ كفي

وأقطِفُها فبالحبِّ ارتقيتُ

ومن عينيكَ أشربُ ألفَ كأسٍ

من الشعرِ الزلالِ وما ارتويتُ

تُؤَرِقُني وموجُ الشوقِ عاتٍ

حبيبي هل بدأتُ أم انتهيتُ ؟!

أُخيفُكَ أم أخافُكَ لستُ أدري

وكيف عليّ مِنْكَ بكَ أحتميتُ؟!

فأنتَ أنا ولستَ هُنا لتأبى

تموتُ معي وتحيا إن حييتُ

الشاعر إياد هاشم يلقي قصيدته خلال الأمسية الثالثة (الشرق الأوسط)

إياد هاشم

الشاعر العراقي، المقيم في النمسا، إياد هاشم، ألقى قصيدتين، خصص الأولى لرثاء الشاعر الراحل عبد العزيز البابطين، جاء فيها:
يا رِمالَ الْكُوَيْتّ
لَوْ يَكِلُّ الْرِّثْاءُ جادَ الْوَفَاءُ
كَيْفَ لِيْ يَوْمَ غابَتِ الْجَوْزاءُ
كَيْفَ ناءَتْ عَنَا صُدُورُ الْقَوافِي
حِينَ حَلَّتْ بِرَحْلِهَا الشُّعَراءُ
كَيْفَ تَأْبَى الأَقْلامُ فِي دَوْحَةِ الْمَجْد،
وَتَأْسى فِي فَقْدِكَ الْعَلْياءُ
مَا تَحَيَّنْتُ فُرْصَةً لِلْمَراثِي
أَوْ دَعَتْنِي لِذِكْرِكَ الأَسْماءُ
بَلْ وَجَدْتُ الأَرْجَاءَ حَزْنِى لِفَقْدٍ
قَبْلَ حُزْنِي وَهَلْ سَيُجْدِي الْبُكَاءُ
يَا بَرِيقَ الْمِدادِ فِي حَضْرَةِ الْكُتْبِ،
تَمَهَّلْ فَلِلْبُدُورِ سَماءُ
حَدَّثَتْنَا الدِّيارُ عَنْ ساكِنِيها
كَصُخُورٍ يَصُفُّهَا الْبَنَّاءُ
كَيْفَ أَبْقَتْ مَعْناكَ فِي كُلِّ رُكْنٍ
فِضْتَ فِيهِ ، كَمَا يَفِيضُ الإِناءُ
ما تَخَبَّتْ بَراعِمُ الشِّعْرِ يَوْمًا
فِي مُحَيَّاكَ أَوْ تَبَدَّى الْحياءُ
أَنْتَ فِي بارِقِ النَّشِيدِ قَصِيدٌ
وَنَشِيدٌ إِذا عَلا الإِقْواءُ
يَا لَيالِيكَ كَمْ تَساهَرْتَ طُرًا
لِتَرَى الْمَجْدَ شادَهُ الأَبْنَاءُ

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَذا (أَبُو سعُودُ)
نَزِيلٌ ، وَيُكْرَمُ النُّزَلاءُ

.....

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَلْ يُسْرَقُ الْجَفْنُ
فَيَأْتِي مِنْ صَحْوَةٍ إِغْماءُ

بِي مِنَ الشَّعْرِ مَا يَحُثُّ الْقَوافِي

مُذْ أَصابَتْكَ طَعْنَةٌ نَجْلاءُ

مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَلُومَ ضُلُوعِي
ذاتَ كَسْرٍ لَمَا يَشُحُّ الذَّواءُ

جِنْتُ أَسْعَىٰ فَقَدْرُ يَوْمِكَ قَدْرٌ
لا تُدانِيهِ غايَةٌ وَ عَطاءُ

يَوْمُ ذِكْرِاكَ لَمْ يَعُدْ يَوْمَ ذِكْرِى
رُبَّ مَوْتىٰ لِكِنَّهُمْ أَحْياءُ