القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

ما زلنا ننتظر أن يتحقق حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب الكبير

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي
TT
20

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

ليست التكتلات الاقتصادية والعسكرية هي وحدها التي تحمي المناطق والمصالح، بل الثقافة والفنون هي الأخرى تحتاج إلى مثل هذا التجمع. فإذا كان أهل المال والأعمال والتجارة والبترول والعسكر لا يتوقفون عن الاجتهاد في البحث عن سبل لتقاسم العالم، وذلك بتقسيمه إلى قطع يسهل الدفاع عن بعضها، وتهميش بعضها الآخر، وابتلاع بعضها الثالث، فإن أهل الثقافة والفنون، إبداعاً وإنتاجاً وتوزيعاً، هم الآخرون مطالبون بالتفكير في استراتيجية جهوية لحماية مكتسبات معينة، وكذا تكريس حضور نوعي، وتجميع قوى إنتاجية متفرقة مفككة في وحدة واحدة، قصد مقاومة الابتلاع الذي يهددها من الآخر. الآخر المتعاظم في زمن الهمجية الرأسمالية التي لا تترك مجالاً لعيش التنوع، بل تروم تنميط كل شيء، من العمارة إلى الموسيقى إلى الأدب إلى اللباس إلى المأكل. ولا يمكن تصور تكتل اقتصادي أو عسكري في صالح الإنسانية، في غياب تكتل ثقافي موازٍ قادرٍ على أن يحمي القيم، ويدافع عن التنوع الإنساني والطبيعي والحيواني.
درس التاريخ يؤكد باستمرار أن الثقافة هي ما يبقى مشتركاً وضرورياً مثل الخبز، يجمع ما بين الشعوب. الثقافة تشكل رأسمالاً من القيم الإنسانية الكبرى، المتجسدة في الموسيقى والأدب والسينما والمسرح...إلخ. وتظل الثقافة صامدة حين تخفق السياسة، أو تهب ريح الحروب، أو ترتفع أسوار القطائع المؤقتة.
تعالوا نحلم قليلاً... ما دام الحلم جريمة لا يعاقب عليها القانون الجائر بعد.
ماذا لو أن البلدان المغاربية انخرطت في مشروع ثقافي موحد كبير، كما حَلمَت نُخَبُها، في الكتاب والسينما والمسرح والموسيقى؟
ماذا لو أن هذا المشروع الثقافي-الحلم كان قد انطلق منذ فجر الاستقلالات الوطنية المغاربية؟ كيف كان سيغدو حالنا اليوم على المستوى الثقافي والفكري؟!
كنا حتماً سنحظى بسوق واسعة للكتاب، مساحة العرض فيها شاسعة، والطلب أكبر. سيقرأ الجزائري الكتاب التونسي، ويقرأ المغربي الكتاب الجزائري، ويطلع الليبي على ما يكتبه الموريتاني. ستكون السوق رابحة ثقافياً واقتصادياً، وسيصبح الاستثمار في الكتاب قوة اقتصادية كبيرة، والأدب في صحة جيدة. سيتبادل الناشرون الخبرات، والكتّاب التجارب النصية، وحتماً ستنتعش فكرة إطلاق مجلات قوية، العامة منها والمتخصصة في الأدب والنقد والفلسفة وعلم الاجتماع والفنون التشكيلية والسينمائية والمسرحية والموسيقية...إلخ. وحتماً ستنظم جوائز مغاربية كبيرة قارة في صنوف الإبداع، رهاناً من أجل الأجود والأجمل، والمنافسة عليها ستكون ذات بعدٍ عالٍ.
ستفتح مكتبات كثيرة، بواجهات متفائلة، وسيفرح القارئ بتنوع ما تعرضه هذه الفضاءات بلغات الكتابة الثلاث: العربية والأمازيغية والفرنسية.لو أن هذا المشروع المغاربي الثقافي انطلق، لكان عمر الحلم الآن نصف قرن، ولكان المسرح المغاربي على حال آخر، ولكان أبناء قسنطيني وبشطارزي وعلالو وولد عبد الرحمان كاكي وعلولة والطيب لعلج والطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد وعز الدين المدني...إلخ، يصنعون فرجة أخرى موازية لفرجة المشرق وفرجة الشمال... فرجة بطعم مغاربي، وعبقرية لها توابلها وطُعمها وعطرها. ولأضحت خشبات المسارح من نواكشوط إلى برقة، مروراً بمراكش والدار البيضاء والرباط وطنجة ووجدة وتلمسان ووهران ومستغانم وآلجي وتيزي وزو وبجاية وقسنطينة وعنابة وتونس وقفصة والقيروان وطرابلس وبنغازي، ركحاً واحداً بأصوات متعددة متجددة مبدعة، دون فقر أو ضنك أو ملل.لو كان المشروع الثقافي المغاربي قد انطلق، لكانت صناعة السينما في صحة جيدة، وهي الأكثر تعقيداً، ولكنا صنعنا مئات النجوم، نساءً ورجالاً، ولكنا حولنا الشباك شاهداً على الجودة وعلى الطلب، ولزرعنا الثقة في الممثلين والمخرجين، ولكانت صالات العرض في البلدان المغاربية، وكم هي كثيرة، جميعها تتنافس لاستقبال الأفلام، فلا حاجز لغوي ولا لهجة غريبة ولا مفارقات كبيرة قد تجعل هذا البلد أو ذاك يتردد في الإقبال على الشيء الجميل الجيد.
كلما فكرت في هذا المشروع الثقافي المغاربي الذي ضيعناه، أفكر في ذلك الحلم الذي لطالما سكن وجدان كل من الروائي الجزائري الكبير مولود معمري، والفيلسوف الشاعر المغربي محمد عزيز الحبابي، منذ الخمسينات، حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب الكبير. لكن مولود معمري رحل، ورحل الحبابي أيضاً، وظل الحلم معلقاً، ربما في شكل نجمة تلمع فوق رؤوسنا كل مساء.
ضاقت سماؤنا على حلمنا بتأسيس معرض للكتاب المغاربي في بلداننا المغاربية، فتحقق في باريس. تأسس في المنفى خلف البحر، فجمعت فرنسا كتابنا المغاربيين، بينما أخفقنا نحن في جمعهم، وإعطائهم فضاء للحوار والنقاش والتعارف.
في المشروع-الحلم، الثقافي المغاربي، المأمول-المؤجل، تتراءى لنا أيضاً اللغة الأمازيغية، المشتركة بيننا، فقد أصبحت بعد نضالات مغاربية طويلة لغة رسمية وطنية في كل من الجزائر والمغرب. وتظهر الأمازيغية في المشهد الثقافي والإبداعي لتزيد الدول المغاربية ثقة في وحدتها، ولتذكرهم بتاريخهم المشترك وبماضيهم الواحد، وأيضاً لتقول لهم إن مستقبلَهم واحدٌ في تنوعه. الحلم بمشروع ثقافي مغاربي لا يصادر بقية المشاريع المحلية في تنوعها، بل على العكس من ذلك، ستصبح محمية داخل فضاء واسع، يسمح لها بالتطور والانفتاح، فلم يحدث أن وقف المشروع الموحد عقبة في سيران أنهار التنوع، بل التجارب المحلية تتوسع آفاقها لتصبح جهوية وإقليمية.
ماذا لو... لنحلم. فالحلم رديف الإبداع وطاقته الكبرى، لنحلم ما دام الحلم جريمة لا يعاقب عليها القانون بعد!
* كاتبة جزائرية



أكثر من نصف مليون شخص زاروا معرض مسقط للكتاب في أسبوعه الأول

الفعاليات المخصصة للطلاب والشباب تلقى إقبالاً ملحوظاً في معرض مسقط الدولي للكتاب (الشرق الأوسط)
الفعاليات المخصصة للطلاب والشباب تلقى إقبالاً ملحوظاً في معرض مسقط الدولي للكتاب (الشرق الأوسط)
TT
20

أكثر من نصف مليون شخص زاروا معرض مسقط للكتاب في أسبوعه الأول

الفعاليات المخصصة للطلاب والشباب تلقى إقبالاً ملحوظاً في معرض مسقط الدولي للكتاب (الشرق الأوسط)
الفعاليات المخصصة للطلاب والشباب تلقى إقبالاً ملحوظاً في معرض مسقط الدولي للكتاب (الشرق الأوسط)

يمنحُ حضور طلاب وطالبات المدارس العمانية معرض مسقط الدولي للكتاب زخماً كبيراً للمعرض الذي يمتلئ بالزوار الذين قُدِّر عددهم بنحو نصف مليون زائر مع انتهاء الأسبوع الأول من المعرض.

وتجتذب الفعاليات المخصصة للطلاب والتي تزيد على 155 فعالية، منها العروض التفاعلية والترفيهية والمبادرات الشبابية والمجتمعية، آلاف الطلاب الذين يتوافدون للمعرض. وتنظم المدارس رحلات يومية لتعويد طلابها على أجواء الثقافة التي يحتضنها المعرض.

وبالإضافة إلى الطلاب، هناك الشباب، وهم الفئة الأكثر حضوراً في معرض الكتاب، حيث يتوزعون في أروقة المعرض حاملين مجموعات من الكتب بين أيديهم.

ويقول أحد العارضين: «الشباب هم الشريحة الأكثر بحثاً عن الجديد... يأتون إلينا يبحثون عن الأعمال الأدبية، بعضهم يحمل قائمة محددة بأسماء روايات، وآخرون يستطلعون الجديد».

الشباب هم الأكثر حضوراً في معرض مسقط الدولي للكتاب (الشرق الأوسط)
الشباب هم الأكثر حضوراً في معرض مسقط الدولي للكتاب (الشرق الأوسط)

وفي حين تسجل الروايات الأدبية نسبة الإقبال الكبرى في المعرض، يُقْبل العُمانيون على الكتب الفكرية والدراسات النقدية، وتسجل كتب التراث أيضاً نسبة يُعتد بها في هذا المعرض.

ويقول ناشر مصري: «يأتي طلاب الجامعات بحثاً عن الكتب المنهجية أو المعاجم، أو تلك التي تساعدهم في فهم المقررات الدراسية ككتب القانون والإدارة والاقتصاد».

وبنحو عام، يبدو الارتياح على دور النشر المشاركة في المعرض، فمع ازدحام تنظيم معارض الكتب في وقت واحد (الرباط، وأبوظبي، ومسقط)، برز معرض مسقط من حيث تسجيل حجم إقبال وشراء مرتفع نسبياً، وهو ما يوفر فرصة للناشرين لتعزيز مكاسبهم في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج، إلا أن المتسوقين شكواً أيضاً من المبالغة في الأسعار، قياساً للأعوام السابقة.

ويشارك في معرض مسقط الدولي للكتاب 674 دار نشر تمثل 35 دولة، ويتميز المعرض بالتنوع الكبير في دور النشر من مختلف البلدان العربية، مع حضور لافت لدور النشر العراقية والسورية واللبنانية.

وتتصدر مصر الدول المشاركة بالمعرض بـ119 دار نشر، تليها سلطنة عمان بـ98، ولبنان بـ73، وسوريا بـ69، إضافة إلى مشاركة عدد من دور النشر العربية والأجنبية.

ندوة في أكاديمية المرأة العمانية في معرض مسقط للكتاب (الشرق الأوسط)
ندوة في أكاديمية المرأة العمانية في معرض مسقط للكتاب (الشرق الأوسط)

ويبلغ عدد العناوين والإصدارات المدرجة في المعرض نحو 681041 عنواناً منها 467413 إصداراً عربياً و213610 إصدارات أجنبية، وتنقسم دور النشر المشاركة في المعرض ما بين 640 بصورة مباشرة، و34 بصورة غير مباشرة، وتتوزع على 1141 جناحاً.

بينما بلغ عدد المجموعة العُمانية 27464 كتاباً، وعدد الإصدارات الحديثة التي طُبعت بين 2024 و2025 نحو 52205 كتب.

أما الفعاليات الثقافية التي تتوزع داخل أروقة المعرض أو في القاعات الرئيسية، فتسجل فرصة للشباب لخوض تجارب في الحوار الثقافي. ويشهد المعرض إقامة 211 فعالية ثقافية وبرنامجاً متنوعاً تتوزع ما بين مسابقات ترفيهية ومبادرات علمية وعروض مسرحية وجلسات ثقافية في عدد من الأجنحة التي تشهد مشاركة الجهات ذات العلاقة بصناعة ونشر الكتاب، وحضور مؤلفين للتوقيع على إصداراتهم.

كما يشهد تقديم فقرات «حكايات شعبية عمانية» بمشاركة عدد من «الحكواتيين»، إلى جانب تنظيم برامج للفنون التشكيلية ومسابقات الإلقاء وكتابة القصة والشعر.