القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

ما زلنا ننتظر أن يتحقق حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب الكبير

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي
TT

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

القوة الناعمة في فلسفة التكتل الثقافي المغاربي

ليست التكتلات الاقتصادية والعسكرية هي وحدها التي تحمي المناطق والمصالح، بل الثقافة والفنون هي الأخرى تحتاج إلى مثل هذا التجمع. فإذا كان أهل المال والأعمال والتجارة والبترول والعسكر لا يتوقفون عن الاجتهاد في البحث عن سبل لتقاسم العالم، وذلك بتقسيمه إلى قطع يسهل الدفاع عن بعضها، وتهميش بعضها الآخر، وابتلاع بعضها الثالث، فإن أهل الثقافة والفنون، إبداعاً وإنتاجاً وتوزيعاً، هم الآخرون مطالبون بالتفكير في استراتيجية جهوية لحماية مكتسبات معينة، وكذا تكريس حضور نوعي، وتجميع قوى إنتاجية متفرقة مفككة في وحدة واحدة، قصد مقاومة الابتلاع الذي يهددها من الآخر. الآخر المتعاظم في زمن الهمجية الرأسمالية التي لا تترك مجالاً لعيش التنوع، بل تروم تنميط كل شيء، من العمارة إلى الموسيقى إلى الأدب إلى اللباس إلى المأكل. ولا يمكن تصور تكتل اقتصادي أو عسكري في صالح الإنسانية، في غياب تكتل ثقافي موازٍ قادرٍ على أن يحمي القيم، ويدافع عن التنوع الإنساني والطبيعي والحيواني.
درس التاريخ يؤكد باستمرار أن الثقافة هي ما يبقى مشتركاً وضرورياً مثل الخبز، يجمع ما بين الشعوب. الثقافة تشكل رأسمالاً من القيم الإنسانية الكبرى، المتجسدة في الموسيقى والأدب والسينما والمسرح...إلخ. وتظل الثقافة صامدة حين تخفق السياسة، أو تهب ريح الحروب، أو ترتفع أسوار القطائع المؤقتة.
تعالوا نحلم قليلاً... ما دام الحلم جريمة لا يعاقب عليها القانون الجائر بعد.
ماذا لو أن البلدان المغاربية انخرطت في مشروع ثقافي موحد كبير، كما حَلمَت نُخَبُها، في الكتاب والسينما والمسرح والموسيقى؟
ماذا لو أن هذا المشروع الثقافي-الحلم كان قد انطلق منذ فجر الاستقلالات الوطنية المغاربية؟ كيف كان سيغدو حالنا اليوم على المستوى الثقافي والفكري؟!
كنا حتماً سنحظى بسوق واسعة للكتاب، مساحة العرض فيها شاسعة، والطلب أكبر. سيقرأ الجزائري الكتاب التونسي، ويقرأ المغربي الكتاب الجزائري، ويطلع الليبي على ما يكتبه الموريتاني. ستكون السوق رابحة ثقافياً واقتصادياً، وسيصبح الاستثمار في الكتاب قوة اقتصادية كبيرة، والأدب في صحة جيدة. سيتبادل الناشرون الخبرات، والكتّاب التجارب النصية، وحتماً ستنتعش فكرة إطلاق مجلات قوية، العامة منها والمتخصصة في الأدب والنقد والفلسفة وعلم الاجتماع والفنون التشكيلية والسينمائية والمسرحية والموسيقية...إلخ. وحتماً ستنظم جوائز مغاربية كبيرة قارة في صنوف الإبداع، رهاناً من أجل الأجود والأجمل، والمنافسة عليها ستكون ذات بعدٍ عالٍ.
ستفتح مكتبات كثيرة، بواجهات متفائلة، وسيفرح القارئ بتنوع ما تعرضه هذه الفضاءات بلغات الكتابة الثلاث: العربية والأمازيغية والفرنسية.لو أن هذا المشروع المغاربي الثقافي انطلق، لكان عمر الحلم الآن نصف قرن، ولكان المسرح المغاربي على حال آخر، ولكان أبناء قسنطيني وبشطارزي وعلالو وولد عبد الرحمان كاكي وعلولة والطيب لعلج والطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد وعز الدين المدني...إلخ، يصنعون فرجة أخرى موازية لفرجة المشرق وفرجة الشمال... فرجة بطعم مغاربي، وعبقرية لها توابلها وطُعمها وعطرها. ولأضحت خشبات المسارح من نواكشوط إلى برقة، مروراً بمراكش والدار البيضاء والرباط وطنجة ووجدة وتلمسان ووهران ومستغانم وآلجي وتيزي وزو وبجاية وقسنطينة وعنابة وتونس وقفصة والقيروان وطرابلس وبنغازي، ركحاً واحداً بأصوات متعددة متجددة مبدعة، دون فقر أو ضنك أو ملل.لو كان المشروع الثقافي المغاربي قد انطلق، لكانت صناعة السينما في صحة جيدة، وهي الأكثر تعقيداً، ولكنا صنعنا مئات النجوم، نساءً ورجالاً، ولكنا حولنا الشباك شاهداً على الجودة وعلى الطلب، ولزرعنا الثقة في الممثلين والمخرجين، ولكانت صالات العرض في البلدان المغاربية، وكم هي كثيرة، جميعها تتنافس لاستقبال الأفلام، فلا حاجز لغوي ولا لهجة غريبة ولا مفارقات كبيرة قد تجعل هذا البلد أو ذاك يتردد في الإقبال على الشيء الجميل الجيد.
كلما فكرت في هذا المشروع الثقافي المغاربي الذي ضيعناه، أفكر في ذلك الحلم الذي لطالما سكن وجدان كل من الروائي الجزائري الكبير مولود معمري، والفيلسوف الشاعر المغربي محمد عزيز الحبابي، منذ الخمسينات، حلم تأسيس اتحاد كتاب المغرب الكبير. لكن مولود معمري رحل، ورحل الحبابي أيضاً، وظل الحلم معلقاً، ربما في شكل نجمة تلمع فوق رؤوسنا كل مساء.
ضاقت سماؤنا على حلمنا بتأسيس معرض للكتاب المغاربي في بلداننا المغاربية، فتحقق في باريس. تأسس في المنفى خلف البحر، فجمعت فرنسا كتابنا المغاربيين، بينما أخفقنا نحن في جمعهم، وإعطائهم فضاء للحوار والنقاش والتعارف.
في المشروع-الحلم، الثقافي المغاربي، المأمول-المؤجل، تتراءى لنا أيضاً اللغة الأمازيغية، المشتركة بيننا، فقد أصبحت بعد نضالات مغاربية طويلة لغة رسمية وطنية في كل من الجزائر والمغرب. وتظهر الأمازيغية في المشهد الثقافي والإبداعي لتزيد الدول المغاربية ثقة في وحدتها، ولتذكرهم بتاريخهم المشترك وبماضيهم الواحد، وأيضاً لتقول لهم إن مستقبلَهم واحدٌ في تنوعه. الحلم بمشروع ثقافي مغاربي لا يصادر بقية المشاريع المحلية في تنوعها، بل على العكس من ذلك، ستصبح محمية داخل فضاء واسع، يسمح لها بالتطور والانفتاح، فلم يحدث أن وقف المشروع الموحد عقبة في سيران أنهار التنوع، بل التجارب المحلية تتوسع آفاقها لتصبح جهوية وإقليمية.
ماذا لو... لنحلم. فالحلم رديف الإبداع وطاقته الكبرى، لنحلم ما دام الحلم جريمة لا يعاقب عليها القانون بعد!
* كاتبة جزائرية



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.