«الأقلام» العراقية... حلة جديدة وحوار بمثابة كتاب مع أدونيس

«الأقلام» العراقية... حلة جديدة وحوار بمثابة كتاب مع أدونيس
TT

«الأقلام» العراقية... حلة جديدة وحوار بمثابة كتاب مع أدونيس

«الأقلام» العراقية... حلة جديدة وحوار بمثابة كتاب مع أدونيس

صدر عدد جديد من مجلة «الأقلام» الثقافية العراقية بحلة وإدارة جديدتين، بعدما استلم رئاسة تحريرها الشاعر عارف الساعدي خلفاً للروائي عبد الستار البيضاني، لتواصل مكانتها التي تعثرت طويلاً ارتباطاً بالظروف التي مر بها البلد، منذ صدور عددها الأول 1964.
واحتفى العدد الجديد بتسعينية الشاعر أدونيس بشكل مختلف أيضاً، فقد استعانت المجلة بعشرة من أهم النقاد العراقيين، لمحاورة الشاعر من خلال الرسائل، التي طرحت فيها أسئلة عديدة عن تجربة الشاعر، ومشروعه الفكري والشعري والحداثي. وكان الحوار بمثابة ندوة أرادت المجلة أن تكون «كتاباً مستقلاً تنفرد به، ليكون جزءاً من (كتاب الأقلام) الذي تطمح في استعادته تحت إدارتها الجديدة».
واشترك في هذا الحوار النقاد: عبد الله إبراهيم، فاضل ثامر، ياسين النصير، جعفر العلاق، حاتم الصكر، بشرى صالح موسى، سعيد الغانمي، حسن ناظم، باقر جاسم، وعارف الساعدي.
في مفتتح العدد الجديد، يتساءل الشاعر عارف الساعدي في كلمته الافتتاحية: «هل ممكن أن نجعل من كل عدد من (الأقلام) مناسبة ثقافية تضاف لحقل الذاكرة؟»، ويجيب: «المهمة إذن صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، وأظن أن بإمكاننا صناعة ذلك».
بالإضافة للحوار مع أدونيس، الذي أخذ مساحة مكانية كبيرة من حجم المجلة، نشرت بحوث ودراسات لكتاب عرب وعراقيين، فضلاً عن مشاركة لشعراء عراقيين «يضيئون صفحاتها، بعد مدة طويلة من الانقطاع أو الغياب الطوعي من قبلهم».
في باب الدراسات نشرت مقالة عن مفهوم «العقل... في الثقافة الإسلامية وفي الفلسفة الغربية» للناقد السعودي عبد الله الغذامي، ناقش فيها مقام الذكاء الصناعي أو العقلانية الجديدة في سلم المفاهيم الجديدة. وفي الباب نفسه كتب فاضل ثامر عن «الرواية بوصفها رؤيا ونبوءة»، وهي قراءة تأويلية في رواية «أحمر حانة» للروائي الراحل حميد الربيعي.
وقدم الشاعر التونسي منصف الوهايبي «مشروع قراءة» في «نظرية الشعر بين القديم والمحدث» بدأه بسؤال: «لمَّ لم يفطن القدامى إلى التحول الشعري إلا مع أبي تمام، حتى أنهم أنصاراً وخصوماً، خصوه بمذهب، لم يخصوا به غيره؟».
فيما اختار د. ضياء خضير نموذجاً من الأدب الوجودي في القصة العراقية عبر قراءة في قصة «الأرنب» للقاص موسى كريدي، وكتب لؤي حمزة عباس عن «المدن التي تحدثنا»، وعلي حاكم عن رواية «الطبول من بعيد».
ومن الشعراء المشاركين في العدد، مالك المطلبي، آدم فتحي، عبد الرزاق الربيعي، عدنان الصائغ، نامق عبد ذيب، عماد جبار، آية منصور، وإيهاب البشبيشي.
أما في باب مقالات، فقد كتب كاظم الحجاج عن «زمان المهرجان»، فيما ساهم عبد القادر الحصيني بـ«بين مهرجانين للشعر»، وكتب على النجار موضوعاً تشكيلياً بعنوان «هل ينقذ الفن العالم؟».
وفي باب شهادات، كتب نجم والي «فيما يخص الكتابة ومشاغل الوقت الحر»، أما علي محمود خضير فكتب انطباعاً عن نوبل 2020 للآداب بعنوان «عودة الاعتبار إلى الشعر».
ومن القصاصين المشاركين: أحمد خلف، حسن حميد، أحمد سعداوي، ساطع راجي، ضياء الخالدي، ونعيم شريف.
واستحدثت المجلة، إلى جانب أبوابها الثابتة، باب «مكاشفات» الذي «يتيح مساحة واسعة للتطبيقات التي يكتبها النقاد والباحثون عن الإنتاج الثقافي والعربي»، وضمت مجموعة من المقالات، منها مقالة الباحث د. إبراهيم خليل العلاف «مجلة الأقلام من 1964 - 2014».
واختتم العدد مواده بموضوع شيق هو «المخطوطة والبئر»، وهي قصائد غير منشورة للشاعر الراحل يوسف الصائغ، كتب مقدمة لها علي وجيه، الذي تساءل: «ما الذي يتبقى من يوسف الصائغ... الشاعر وذو المواهب المتفرعة لدرجة أنها لا تحصى؟ وتحديداً ماذا يتبقى منه شعرياً، في هذه الحقبة؟».



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.