واشنطن تبحث عن «أرضية مشتركة» بين لبنان وإسرائيل لاستئناف مفاوضات الترسيم

تأجيل الجلسة الخامسة واستبدالها بلقاءات أميركية ـ لبنانية

قائد قوات اليونيفيل العام اللواء ستيفانو ديل كول مترئساً أحد الاجتماعات الثلاثية الشهر الماضي (تويتر)
قائد قوات اليونيفيل العام اللواء ستيفانو ديل كول مترئساً أحد الاجتماعات الثلاثية الشهر الماضي (تويتر)
TT

واشنطن تبحث عن «أرضية مشتركة» بين لبنان وإسرائيل لاستئناف مفاوضات الترسيم

قائد قوات اليونيفيل العام اللواء ستيفانو ديل كول مترئساً أحد الاجتماعات الثلاثية الشهر الماضي (تويتر)
قائد قوات اليونيفيل العام اللواء ستيفانو ديل كول مترئساً أحد الاجتماعات الثلاثية الشهر الماضي (تويتر)

تبحث الولايات المتحدة الأميركية عن أرضية مشتركة بين لبنان وإسرائيل تُستأنف من خلالها مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، التي وصلت، بعد أربع جلسات عقدت في مقر الأمم المتحدة في رأس الناقورة في أقصى جنوب غربي لبنان، إلى حائط مسدود إثر رفع الطرفين سقوف شروطهما.
وطالبت واشنطن التي تضطلع بدور الوسيط والمسهل، بتأجيل الجلسة الخامسة التي كان مقرراً انعقادها غداً (الأربعاء)، واستبدال اجتماع ثنائي يعقده الدبلوماسي الأميركي جون ديروشر، الذي يضطلع بدور المسهّل في الجلسات، بها، في الموعد نفسه مع الجانب اللبناني في بيروت، ضمن جولة محادثات ثنائية مكوكية، يلتقي بعدها بالمسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب، بهدف إيجاد «مساحة مشتركة بين الطرفين» تُستأنف على أساسها المفاوضات.
ووصلت المحادثات بعد أربع جلسات إلى حائط مسدود، على خلفية رفع الطرفين سقوف الشروط. فقد طالب لبنان خلال جلسات التفاوض بمساحة إضافية تبلغ 1430 كيلومتراً مربعاً تشمل جزءاً من حقل «كاريش» الذي تعمل فيه شركة انرجيان اليونانية، تُضاف إلى الـ860 كيلومتراً بحرياً التي كان الخلاف على أساسها منذ عام 2010، ما يعني أن لبنان يطالب بـ2290 كيلومتراً بحرياً ضمن الخرائط التي قدمها في جلسات التفاوض، في مقابل الخرائط الإسرائيلية.
وفي الجلسة الرابعة، رفع الوفد الإسرائيلي سقف شروطه، مطالباً بمساحة أكبر تقضم مساحات إضافية في البلوكات البحرية 8 و9 للتنقيب عن النفط في المياه الاقتصادية اللبنانية، ما يعني أنها طالبت بمئات الكيلومترات الإضافية، وهو ما ضاعف التعقيدات ووضع العراقيل أمام استمرار المباحثات التي هددتها بالتوقف وإعادتها إلى المربع الأول الذي كانت عليه قبل عشر سنوات.
إزاء هذه الوقائع، تبلغ لبنان أمس (الاثنين)، رسمياً بإرجاء الجلسة الخامسة واستبدال جلسات ثنائية بين الموفد الأميركي والمسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملف الأربعاء، بها، كما قالت مصادر عسكرية، فيما قالت مصادر رسمية لبنانية أخرى معنية بالملف لـ«الشرق الأوسط»، إن «لبنان لم يتفاجأ بالتأجيل، وهو على علم به منذ الخميس الماضي، أي قبل اغتيال العالم النووي الإيراني في طهران (محسن فخري زاده)، ما ينفي أي علاقة للحدث الأمني الإيراني بمسار التفاوض بين لبنان وإسرائيل».
وقالت المصادر إن «الطرف الأميركي استنتج بعد أربع جلسات، ألا تقدم بارزاً حصل، وتراوح الأمور مكانها، علماً بأنهم دخلوا وسطاء في ملف يجزمون بأنه سيؤدي إلى تسوية». وأضافت: «لكن التقييم للجلسات السابقة أفضى إلى أن لبنان ذهب بعيداً في شروطه، ما أدى إلى تعقيدات طرأت على الملف، فطلب الجانب الأميركي فرصة لعلهم يتمكنون من خلال مفاوضات مكوكية إخراجها من دوامة المراوحة التي تأخذ الأمور إلى طريق مسدودة». وقالت إن «الفرصة التي يعمل من ضمنها الجانب الأميركي تتيح له إجراء مفاوضات مكوكية على الجانبين اللبناني والإسرائيلي عبر محادثات ثنائية كل على حدة، والاستماع إلى الطرفين، لاختبار فرصة التوصل إلى أرضية مشتركة تعيد تفعيل المفاوضات».
وإذ جزمت المصادر بأن تأجيل الجلسة «لا يعني بتاتاً تعليق المفاوضات»، شددت على أن الجانب الأميركي «لا يزال على موقفه بأن التوصل إلى تسوية ممكن»، لافتة إلى أن «واشنطن مصرة على الوساطة»، مستطردة أنه «في ضوء تقييم الجلسات السابقة، باتت هناك ضرورة لإحداث خرق بهدف إخراج المفاوضات من المراوحة وتشجيع الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات بسقوف معقولة لاستئنافها برعاية الأمم المتحدة».
ولفتت المصادر إلى أن الجانب الأميركي «يسعى لخفض السقوف التي رفعها الطرفان، بهدف التوصل إلى إطار عام للتفاوض منعاً للعودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل عشر سنوات، ويحاول فتح ثغرة في الجمود الذي حصل»، مشيرة إلى أن الجانب الأميركي «ملتزم بدور الوسيط تحت رعاية الأمم المتحدة، ويعتبر أن اللقاءات الثنائية يمكن أن تساعد في تحقيق هذا الخرق».
وجاء الإعلان اللبناني عن تأجيل الجلسة بعد اتهام وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس قبل عشرة أيام لبنان، بأنّه «غيّر موقفه بشأن حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات»، محذراً من احتمال أن تصل المحادثات إلى «طريق مسدودة». ونفت الرئاسة اللبنانية الاتهام الإسرائيلي، مؤكدة أنّ موقف بيروت «ثابت» من مسألة الترسيم. ووقّع لبنان في 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين من مياهه الإقليمية تقع إحداها، وتعرف بالبلوك رقم 9، في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل. وبالتالي، ما من خيار أمام لبنان للعمل في هذه الرقعة إلا بعد ترسيم الحدود. واتفق لبنان وإسرائيل على بدء المفاوضات بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية التي قادتها واشنطن. وعقدت أول جولة من المحادثات التي يصر لبنان على طابعها التقني، وأنها غير مباشرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».