بعد عطلة عيد الشكر الأميركي، يعود المشرعون إلى العمل في أروقة الكونغرس وفي جعبتهم لائحة طويلة من الملفات العالقة التي يجب أن تحل قبل نهاية العام الحالي. ويسلم الكونغرس الجديد رسمياً أعماله في الثالث من يناير (كانون الثاني) المقبل.
ويسابق أعضاء الكونغرس الزمن في مجموعة من المسائل المطروحة أمامهم، ففترة البطة العرجاء التي عادة ما تكون هادئة تعج بالاضطرابات والتجاذبات، مع استمرار الرئيس دونالد ترمب بإصراره على الفوز بالانتخابات، وسط ادعاءات الغش وتدهور الوضع الاقتصادي بسبب فيروس «كورونا». وقد وضعت مواقف ترمب الجمهوريين في موقع دفاعي، والديمقراطيين في موقع الهجوم، وهم كانوا بغنى عن هذه المواجهة في فترة حساسة تتطلب تعاوناً بين الحزبين.
ومن ضمن المسائل التي تحتاج إلى حل شبه فوري ملف التمويل الفيدرالي. ففي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة على تمويل المرافق الحكومية، ستغلق هذه المرافق أبوابها في الثاني عشر من شهر ديسمبر (كانون الأول). وقد بدأ الطرفان الديمقراطي والجمهوري مساعي حثيثة للتفاوض والتوصل إلى اتفاق سريعاً لتجنب الإغلاق الحكومي الذي في حال حصل سيكون الثالث في عهد ترمب، وسيزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد في ظل فيروس كورونا.
ومع تفاقم أزمة الفيروس، وتحذيرات الخبراء الطبيين من زيادة عدد الإصابات بعد عطلة عيد الشكر، يزداد الضغط على المشرعين للتوصل إلى اتفاق إنعاش اقتصادي جديد لتقديم المساعدات للأميركيين والشركات الصغيرة، وإعادة التوازن إلى الاقتصاد. فمع إعادة فرض بعض الولايات لقيود تهدف إلى الحد من انتشار الفيروس، تتزايد الحاجة إلى حزمة إنعاش جديدة، في وقت لا تزال هناك اختلافات جذرية بين الديمقراطيين والجمهوريين في هذا الإطار. ففي حين يسعى الجمهوريون إلى تمرير حزمة بقيمة 500 مليار دولار، يصر الديمقراطيون على حزمة أكبر بمبلغ تريليوني دولار. وهذا فارق شاسع يصعب من المفاوضات بشكل كبير. لهذا يأمل بعضهم في أن يضغط الرئيس المنتخب جو بايدن على رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي للقبول بمبلغ أقل، بهدف تمرير المشروع قبل نهاية العام.
ويواجه هذا التمويل عقبة كبيرة، فقد توعد الرئيس الأميركي باستعمال حق الفيتو ضد أي مشروع تمويل يتضمن بنداً لتغيير أسماء القواعد العسكرية التي تحمل أسماء كونفدرالية. وهذا البند موجود حالياً في المشروع المطروح أمام الكونغرس. ومع إصرار أغلبية المشرعين على عدم شطب البند المذكور، بدأ البيت الأبيض مساعي لمقايضة الإبقاء على البند مقابل تعديل الكونغرس لمشروع حماية شركات التواصل الاجتماعي، وهو أمر بدأ ترمب بترويجه والدعوة إليه مؤخراً.
وكأن الملفات الداخلية لم تكن كافية لشغل بال المشرعين، فجاء موضوع صفقة بيع طائرات الـ«إف-35» للإمارات ليثير موجة من الانتقادات في صفوفهم. ويسعى بعض منهم إلى عرقلة الصفقة عبر طرح مشاريع قوانين لصدها في مجلس الشيوخ، إذ طرح كل من السيناتور الديمقراطي بوب مننديز وزميله كريس مرفي، إضافة إلى الجمهوري راند بول، أربعة مشاريع قوانين معارضة للصفقة، بهدف التصويت عليها في فترة الثلاثين يوماً، بعد إبلاغ الكونغرس رسمياً بها، وهو ما جرى في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني). كما يسعى المشرعون إلى التوصل إلى اتفاق لتمرير مشروع الحصانة السيادية للسودان للإفراج عن أموال التعويضات لضحايا العمليات الإرهابية.
ورغم أن مصير الأغلبية في المجلس لن يتحدد قبل حسم السباق في ولاية جورجيا في الخامس من يناير (كانون الثاني) المقبل، فإن الجمهوريين خسروا صوتاً واحداً في المجلس في دورته الحالية، إذ إن السيناتور المنتخب مارك كيلي عن ولاية أريزونا سيكون عضو الكونغرس الوحيد الذي سيتسلم منصبه هذا الأسبوع من دون انتظار دورة الكونغرس الجديدة، فقد فاز في السباق في انتخابات استثنائية لشغر مقعد السيناتور الراحل جون مكاين، الأمر الذي يمكنه من تسلم منصبه قبل غيره. وبهذا يتغير التوازن، ويخسر الجمهوريون مقعداً لمصلحة الديمقراطيين: 52 - 48، ما سيعقد من جهود زعيم الأغلبية الجمهورية ميتش مكونيل في المصادقة على التعيينات الرئاسية، خاصة القضائية منها.
ويصب مكونيل اهتمامه بشكل كبير على ولاية جورجيا التي ستقرر مصير الجمهوريين. ويتخوف هؤلاء من أن يؤدي تشكيك ترمب بنزاهة الانتخابات إلى خسارتهم في هذه الولاية، حيث أعرب كثير من الناخبين الجمهوريين عن نيتهم عدم التوجه إلى صناديق الاقتراع لأن النتيجة محسومة، بحسب قولهم، بسبب وجود غش في الانتخابات.
لهذا، تحرص القيادات الجمهورية على عدم تكرار ادعاءات ترمب بوجود غش، لكن من دون الاعتراف علنياً بفوز بايدن، وهو توازن حذر قد يكلفهم مقعدي ولاية جورجيا. وقد بدا هذا الموقف واضحاً خلال مقابلة للسيناتور الجمهوري روي بلانت الذي قال إن فريق ترمب من المحامين فشل في تقديم أدلة على وجود غش، لكنه رفض في الوقت نفسه الحديث عن بايدن بصفة الرئيس المنتخب، معتبراً أنه سينتظر نتيجة تصويت المجمع الانتخابي في الرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول).
هذا وقد أوفد الجمهوريون مجموعة كبيرة من الممثلين عنهم إلى ولاية جورجيا لتحفيز الناخب الأميركي للتصويت للمرشحين كيلي لوفر ودايفيد بردو. وفي حال فشل المرشحين في الحفاظ على مقعديهما في المجلس، فهذا يعني أن الديمقراطيين سيسيطرون على مجلسي الشيوخ والنواب، والبيت الأبيض، وهو سيناريو كابوسي للحزب الجمهوري.
عودة شبح الإغلاق الحكومي في أميركا إلى الواجهة
عودة شبح الإغلاق الحكومي في أميركا إلى الواجهة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة