بعد طرد تنظيم «داعش» من مدينة دير الزور شرقي سوريا في مارس (آذار) 2019؛ باتت المحافظة تحت سلطات أطراف عسكرية محلية ودولية متعددة، تتوزع على الفرقة الرابعة وميليشيات النظام والميليشيات الإيرانية من جهة، كما يخضع جزء منها لقوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، إضافة لجيوب هنا وهناك لا تزال تخضع لسيطرة «داعش». وقد انعكس تعدد قوى النفوذ على الحركة التجارية التي باتت تخضع لنظام جمركي (إتاوات)، وفقاً لكل سلطة على الأرض.
في منتصف الشهر الحالي وعندما كان «نواف» يعمل في متجره الكائن ببلدة البصيرة الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة دير الزور؛ دخل عليه رجلان ملثمان يحملان أسلحة رشاشة وطلبا منه دفع مبلغ يعادل 5 آلاف دولار أميركي، تحت مسمى جباية الأموال لصالح تنظيم «داعش». وتنشط الخلايا الموالية للتنظيم في مناطق ريف دير الزور الشرقي والتي كانت آخر معاقلها قبل القضاء على سيطرة التنظيم الجغرافية والعسكرية في مارس 2019، لكنها تظهر كلما سنحت لها الظروف. ونقل سكان وأصحاب محال تجارية في بلدة البصيرة أن رجلين ملثمين يستقلان دراجة نارية قاما، مؤخراً، بدعوة سكان المنطقة بصياح عالٍ، إلى دفع الضرائب والأموال لصندوق التنظيم، وإلى تقيُّد النساء باللباس الشرعي، مهددين كل من يخالف الأوامر بالقتل.
وأكد نواف (40 عاماً) في اتصال عبر «واتساب»، أنه رفض طلب الغرباء، لكن حادثة كانت تنتظره أدخلت الرعب والخوف إلى قلبه، «في اليوم التالي انفجرت قنبلة صوتية أمام محلي، كانت رسالة تهديد لإرغامي على الدفع. من يومها التزمت منزلي وأبحث عن وسائل حماية للحفاظ على سلامتي الشخصية».
وعلى الرغم من الحملات الأمنية التي نفّذتها قوات التحالف الدولي و«قوات سوريا الديمقراطية»، تزايدت حالات التهديد والاغتيال إضافةً إلى العمليات الإرهابية في المناطق الخاضعة لنفوذها في القسم الشرقي من دير الزور وبادية الجزيرة مترامية الأطراف شرقي سوريا، والتي تنتشر فيها مجموعات وخلايا نشطة موالية للتنظيم. تقول «حسناء»، وهي سيدة في منتصف عقدها الثالث، إنها شاهدت مسلحي «داعش» يتجولون في السوق المركزية لبلدة البصيرة بداية الشهر الماضي «حاملين أسلحتهم الفردية ينادون بعدم خروج النساء من المنازل من دون محرم، ودفع الأموال، مستخدمين لغة التهديد والوعيد لكل من يخالف أوامرهم».
بعيداً عن «داعش» تخضع الجهة الجنوبية من دير الزور وجزء من جهة الشرق، لقوات النظام، تدعمها القوات الروسية بتغطية من طيرانها الحربي، إلى جانب انتشار كثيف لميليشيات إيرانية وحرسها الثوري، مثل «فاطميون» و«لواء العباس» و«حزب الله» العراقي في ريفها المحاذي للحدود العراقية، وجيوب صغيرة منعزلة خاضعة لمسلحي «داعش». أما الجزء الآخر من جهتها الشرقية باتجاه الشمال والغرب، فتسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
وشهد مركز مدينة دير الزور وريفها الخاضع لقوات النظام، في الفترة الماضية، خلافات مستمرة بين الميليشيات العسكرية الموالية، حول أحقية جمع الأموال وفرض الضرائب، وسعي كل جهة للحصول على أكبر قدر من الأموال. بينما تجبي قوات قسد والإدارة الذاتية شرق الفرات الرسوم المالية على البضائع القادمة من المناطق الخاضعة للقوات الحكومية.
يروي خليل الديري، مدير موقع «نهر ميديا»، وهو موقع إخباري يرصد أخبار دير الزور وريفها من خلال شبكة مراسلين ومصادر محلية تعمل داخل المنطقة، كيف قام عناصر الفرقة الرابعة، الصيف الفائت، بإغلاق الطريق السريع الواصل بين مركز المدينة وناحية البوكمال الحدودية مع العراق، نتيجة خلافات مع ميليشيا «سيد الشهداء»، التابعة للحرس الثوري الإيراني، على الأموال القادمة من ضرائب الطرق وعبور الشاحنات التجارية عبر حواجز البوكمال. لكن أُعيد فتح الطريق بعد أسبوعين من إغلاقه وانتهى الخلاف بين الجانبين بتقاسم الحصص ومناطق النفوذ.
وتعد الفرقة الرابعة الموالية لماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، الجهة المسيطرة على أغلب المعابر والحواجز داخل دير الزور وتحصد الحصة الكبرى من العائدات المالية والإتاوات والضرائب التي تفرضها على سكان المنطقة وتجارها المحليين، كما تعطي الأوامر لجهات رديفة مثل الدفاع الوطني وعناصر فرع الأمن العسكري، بجمع الأموال مقابل الحصول على نسبة من المبالغ المحصَّلة. ويحكي يونس الذي يعمل تاجراً يصرف بضاعته بين مناطق النظام ومناطق نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في البوكمال والميادين، كيف يجبر على دفع المال لكل جهة، فحواجز الفرقة الرابعة لها الحصة الكبرى، ثم تفرض عناصر الميليشيات التابعة للنظام والمنتشرة بكثافة على الطرق الرئيسية ومداخل المدن، إتاوات، حسب حجم البضاعة وأصنافها.
يقول خليل الديري إن مكتب أمن الفرقة يحدد قيمة عقد الترسيم الخاص في كل معبر، واستناداً إلى الحركة التجارية للمنطقة يمنح العقد لوسطاء كبار مقرّبين منه، «لديهم باع في عمليات التهريب، نظراً إلى أنهم الأقدر على إدارة هذا النشاط، بفضل شبكة علاقاتهم بمختلف أطراف الصراع، وخبرتهم في إدارة الأعمال التجارية».
وقد تمكّنت الفرقة من تحقيق هذه الهيمنة بفضل نشرها حواجز على الطرق الرئيسية والمعابر الحيوية داخل دير الزور، خصوصاً تلك التي تربطها بمناطق «قوات قسد» وأخرى على مداخل المحافظة الرئيسية، مثل البانوراما وحواجز مدينة معدان من جهة محافظة الرقة، إضافةً لحواجزها المنتشرة في البوكمال وفرض هيمنتها على المنفذ الحدودي مع العراق المجاور.
يُذكر أن المجموعات العسكرية وشبه العسكرية، زاحمت مديرية الجمارك بدير الزور منذ بداية 2013 في ممارسة الترفيق والترسيم وجمع ضرائب العبور والتنقل، «لكن تطور الأمر فيما بعد إلى وجود شركات أمنية خاصة بالترفيق (مرافقة حماية للقوافل التجارية)، ما فتح باب الخلافات ومحاولة كل طرف السيطرة على تلك العملية التي تعد مصدر تمويل كبيراً». وتحدثت صفحات إخبارية عن معلومات بأن القوات الروسية طلبت من قيادة الفرقة الرابعة، الحدّ من الضرائب والرسوم التي تفرضها على حركة المرور وشحن البضائع التجارية في المناطق التي تنتشر فيها حواجز الفرقة ومقراتها.
للتذكير فإن حواجز الفرقة الرابعة تنتشر على الأوتوسترادات الرئيسية الداخلية والدولية، أبرزها طريق دمشق حلب الدولي (m5) وأوتوستراد اللاذقية حلب الدولي (m4) وأوتوستراد دمشق بيروت الدولي (m2)، كما تقيم حواجز على المعابر الحدودية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، ومنها معبر «المصنع - جديدة يابوس» بين سوريا ولبنان، ومعبر «البوكمال - القائم» بين سوريا والعراق، ومعبر «نصيب - جابر» بين سوريا والأردن.
دير الزور ضحية «إتاوات» الميليشيات
يفرضها «داعش» و«الحرس الثوري»... وللفرقة الرابعة «نصيب الأسد»
دير الزور ضحية «إتاوات» الميليشيات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة