تصنيف الحوثيين وتصعيدهم... عندما تتداخل الصورة «الأكبر» للصراع مع التفاصيل

تجمع حوثي في صنعاء (رويترز)
تجمع حوثي في صنعاء (رويترز)
TT

تصنيف الحوثيين وتصعيدهم... عندما تتداخل الصورة «الأكبر» للصراع مع التفاصيل

تجمع حوثي في صنعاء (رويترز)
تجمع حوثي في صنعاء (رويترز)

تراقب عواصم العالم عن كثب مرحلة المخاض التي دخلها النظام الدولي، في أعقاب الانتخابات الأميركية.
اليمن كغيره من البلدان يدرس المشهد العام ليرسم ما يجدر اتخاذه من أجندة خلال التعامل مع الإدارة الأميركية المقبلة.
الصراع الذي بدأ في البلاد منذ سبتمبر (أيلول) 2014، نهش آمال الشعب اليمني الذي لم يرَ «أسوأ» من كابوس الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران منذ نشأة الجمهورية عام 1964، والاستقلال جنوباً من الاستعمار البريطاني عام 1967.
خلال هذا العام، شهد اليمن منعطفات مهمة تصاعدت خلال الشهرين الماضيين، وحتى عند الباحثين، يبدو أن الصورة «الأكبر» للصراع بدأت تتداخل مع التفاصيل، سيما في مسألة تصنيف واشنطن الحوثيين جماعة إرهابية.
من الرياض، سألت «الشرق الأوسط» الدكتور هشام الغنام، وهو متخصص سعودي في السياسة والعلاقات الدولية، ويعمل كبيراً للباحثين بمركز الخليج للأبحاث عن مسألة التصعيد الأخيرة، فقال: «من أهم الأسباب برأيي هو أن ضربة أميركية تجاه المنشآت النووية الإيرانية ما زالت على الطاولة، رغم الأخبار التي تتردد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تلقى تحذيراً من أن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية يمكن أن يتحول بسرعة إلى صراع أوسع نطاقاً يؤجج معظم أنحاء الشرق الأوسط، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد تنفيذ ضربة خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية من أجل قتل الاتفاق النووي تماماً، وحتى يصعب إحياؤه أو إرجاعه مرة أخرى. وفي حالة أي رد إيراني، يمكن لإدارة ترمب أيضاً أن تتدخل عسكرياً حماية لإسرائيل. لذلك بالنسبة للإيرانيين فالتصعيد في هذه المرحلة، وحتى قدوم إدارة بايدن يبدو خياراً منطقياً، لكن هذا لا يعني أنه سيكون خياراً ناجحاً أو سيمنع إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة من استهداف المنشآت النووية الإيرانية بطريقة أو أخرى».
في واشنطن، نشرت وسائل إعلام أميركية عن نقاشات إذا أراد المتأمل أن يسميها بلطف، حول تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية. وإذا كان المتأمل أكثر واقعية، فقد يقرأها على أنها «جدل بين الموظفين في الخارجية وأولئك الذين يأتون ويذهبون مع تغير الإدارة»، وفق دبلوماسي سابق فضل عدم الإشارة إلى اسمه. النقاش بحد ذاته أو الجدل في الخارجية الأميركية وأي جهاز حكومي ذي صلة في الولايات المتحدة حول تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية يشي بأن الاستراتيجية السابقة التي كانت تركز على خلق عناصر جذب لبعض الحوثيين للتخلي عن إيران أصبحت فكرة تقع بين مرحلتي «السذاجة» و«المستحيل»، وفقاً للدبلوماسي نفسه.
- لماذا الآن؟
في صنعاء، يقيم عبد الرضا شهلائي مساعد قاسم سليماني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من اللحاق به في الليلة نفسها التي قتل فيها بضربة أميركية ببغداد مطلع العام الحالي، وهو عضو في الحرس الثوري، المنظمة الإيرانية المصنفة إرهابية في واشنطن، وجاء ظهور «السفير» الإيراني المزعوم حسن إيرلو وهو عضو في الحرس الإيراني أيضاً مفسراً لليمنيين أسباب تصعيد عسكري غير مبرر من الحوثيين، من ناحية الإصرار على استهداف مناطق مدنية سعودية وأخرى يمنية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة من دون طيار، فضلاً عن شن هجمات بزوارق مفخخة على ناقلات في البحر الأحمر وزرع مزيد من الألغام البحرية، إلى جانب المحاولات العبثية لتحقيق نتائج على الأرض في جبهات مأرب والجوف.
من عمّان، يقرأ محمود شحرة وهو الملحق الإعلامي لليمن بسفارة اليمن في الأردن تصعيد الحوثيين الأخير على أنه «اعتقاد إيراني بأن التحالف سيفقد دعم الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة جو بايدن»، واعتبر شحرة هذه القراءة غير دقيقة على الإطلاق، معللاً بأن «إدارة بايدن لا تختلف عن مثيلاتها، فهي ما زالت تعتبر النظام الإيراني نظاماً يهدد الأمن والسلم الدوليين».
ويقول الملحق الإعلامي اليمني في الأردن: «من الصعب أن يبدأ بايدن بخطوات جريئة للتقارب مع إيران، فالنخب الأميركية ما زالت تعتقد أن إيران دولة متطرفة، وفي القانون الأميركي والتشريعات الرسمية الحرس الثوري مصنف منظمة إرهابية».
وأضاف شحرة أن «العلاقات والتنسيق التاريخي الكبير بين السعودية والولايات المتحدة واسع على كل المستويات فيما يتعلق بالوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في المنطقة».
- «كرة سياسية»؟
في عدن، احتشد 15 ألف شخص، ليس للتظاهر أو الاحتجاج، بل لحضور مباراة كرة قدم فاز فيها فريق «الوحدة» على نظيره «التلال» بهدف واحد، بمناسبة ذكرى الاستقلال «30 نوفمبر».
يقول الدكتور حمزة الكمالي وكيل وزارة الشباب والرياضة اليمني: «الفائز الحقيقي هو تلك الجماهير الكبيرة التي احتشدت بملعب (الشهيد الحبيشي)... المباراة أعادتنا إلى الزمن الماضي الجميل».
ولكن ما دخل الكرة بالمشهد السياسي؟ سألت «الشرق الأوسط»، فأجاب الوكيل: «إنه استئناف لتطبيع الحياة بعدن، وللتأكيد على رسالة السلام والاستقرار في العاصمة المؤقتة، والمضي في تنفيذ أجندة الحكومة المتمثلة في الاستقرار والخدمات وعودة الحياة الطبيعية في عدن».
وبسؤاله عن التصعيد الحوثي الإيراني في هذا التوقيت، يقول الكمالي الذي شارك كعضو بالفريق الإعلامي للحكومة اليمنية في مشاورات السويد: «في تصوري؛ يعد التصعيد تأكيداً للسيطرة الإيرانية الكاملة على القرار السياسي والعسكري داخل صنعاء، وما يفعله الإيرانيون في المرحلة الانتقالية مع صعود جو بايدن، ويبدو أن النظام الإيراني يريد استخدام الحوثيين أداة أو ورقة لإرسال رسالة لواشنطن مفادها (نحن هنا) فتعالوا لنتفاوض، وهذا يخرج الحوثيين من القرار السيادي الذي يدّعونه».
ويعرج الوكيل على فرضية انفصال الحوثيين عن إيران، ويقول: «هذا يضع التحليل السابق الذي كان يذهب إليه البريطانيون والأميركان بأن الحوثيين من الممكن أن ينفصلوا عن إيران في موضع شك، فهم يوماً بعد يوم يثبتون مساعيهم في تحويل اليمن إلى قاعدة إيرانية خالصة في خاصرة العالم العربي».
- الخطاب يترجم التباينات
يظهر لمراقبي المشهد اليمني تبايناً في الخطاب الذي تحرص الأطراف الفاعلة والمنخرطة على تقديمها، فالخطاب الذي يترجم أفعالاً تذهب إلى التسوية يختلف عن ذلك الذي ينشر التزييف والحض على الموت.
ومن دون العودة إلى المراجع والمصادر، يكفي انطباعياً قراءة خطاب الحكومة اليمنية الذي يصب دوماً نحو التسوية ودعم المبعوث الأممي إلى اليمن ومساره للتسوية، ودعوات للحد من «كارثة صافر» المحيقة بالبيئة والاقتصاد، فضلاً عن انخراط إيجابي في اتفاق الرياض ومكافحة «كورونا».
أمام ذلك، يركز الخطاب الحوثي على خلق انتصارات وهمية في الجبهات خصوصاً مأرب والجوف، وإعلانات إطلاق هجمات ضد مناطق سعودية ومنشآت حيوية (أحبط التحالف أكثر من 99 في المائة منها)، مقابل تشييع مئات القتلى، ما يكشف تشوش الصورة التي لدى أتباع الجماعة، فضلاً عن مراوغات سياسية حيال ملفات الأسرى والمعتقلين، وعرقلة الوصول إلى «صافر»، فضلاً عن إيجاد الصعوبات تلو الأخرى أمام الإعلان المشترك.
ولعل هذه القراءة لم تركز على جرائم سرقة المال العام والطعام والبنك المركزي اليمني من قبل الحوثيين، فضلاً عن حالات انتهاك حقوق الإنسان بشكل عام وزرع الألغام وتجنيد الأطفال، وهي سلوكيات لم تكن جديدة منذ مطلع العام، فهي وفق التقارير اليمنية منهج حوثي منذ بدء الانقلاب.
أما خطاب التحالف، فيجد المتابع أنها جهود تدفع إلى السلام والتوافق والتسوية. فمنذ مطلع العام، أعلن هدنة أحادية استمرت 6 أسابيع ووجدت ترحيباً واسعاً من المجتمع الدولي، وكانت استجابة لإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بوقف صراعات العالم، ووجد ذلك ترحيباً دولياً وتهرباً حوثياً. كما برز دعم التحالف اتفاق الرياض ومساعدة الأطراف اليمنية على التوافق بآلية تسريع لتنفيذ الالتزامات.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية العمليات العسكرية التي ينفذها التحالف كانت دفاعية ضد الهجمات الحوثية على الجبهات، أو لتحييد القدرات النوعية التي حصل عليها الحوثيون بمساعدة إيران، فضلاً عن إحباط 166 لغماً بحرياً زرعتها الميليشيات بشكل عشوائي في جنوب البحر ومضيق باب المندب ونحو 54 عملية صد لهجمات بزوارق حوثية مفخخة.
إضافة إلى ذلك، ركزت السعودية على جملة مشاريع تنمية وإعمار وصلت إلى 193 مشروعاً في 14 محافظة، بحسب «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن»، الذي نفذ 25 مشروعاً للطاقة، و33 مشروعاً للمياه، بينما كان نصيب النقل 35 مشروعاً، والصحة 23 مشروعاً. كما نفذ البرنامج السعودي 14 مشروعاً لتشييد وتأهيل 14 مبنى حكومياً، إضافة إلى 40 مشروعاً للتعليم، و16 مشروعاً للزراعة والثروة السمكية، و8 برامج تنموية أخرى.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة... نصفهم من النساء وثلثهم تحت 15 عاماً

عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
TT

سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة... نصفهم من النساء وثلثهم تحت 15 عاماً

عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)

يزيد عدد سكان العراق على 45 مليون نسمة، نحو نصفهم من النساء، وثلثهم تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وفق ما أعلن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، اليوم (الاثنين)، حسب الأرقام غير النهائية لتعداد شامل هو الأول منذ عقود.

وأجرى العراق الأسبوع الماضي تعداداً شاملاً للسكان والمساكن على كامل أراضيه لأول مرة منذ 1987، بعدما حالت دون ذلك حروب وخلافات سياسية شهدها البلد متعدد العرقيات والطوائف.

وقال السوداني، في مؤتمر صحافي: «بلغ عدد سكان العراق 45 مليوناً و407 آلاف و895 نسمة؛ من ضمنهم الأجانب واللاجئون».

ونوّه بأن «الأسر التي ترأسها النساء تشكّل 11.33 في المائة» بالبلد المحافظ، حيث بلغ «عدد الإناث 22 مليوناً و623 ألفاً و833 بنسبة 49.8 في المائة» وفق النتائج الأولية للتعداد.

ووفق تعداد عام 1987، كان عدد سكان العراق يناهز 18 مليون نسمة.

وشمل تعداد السنة الحالية المحافظات العراقية الـ18، بعدما استثنى تعداد أُجري في 1997، المحافظات الثلاث التي تشكل إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي منذ 1991.

وأعلن الإقليم من جهته الاثنين أن عدد سكانه تخطى 6.3 مليون نسمة؛ من بينهم الأجانب، طبقاً للنتائج الأولية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأرجئ التعداد السكاني مرات عدة بسبب خلافات سياسية في العراق الذي شهد نزاعات وحروباً؛ بينها حرب ما بعد الغزو الأميركي في 2003، وسيطرة تنظيم «داعش» في 2014 على أجزاء واسعة منه.

ولفت السوداني إلى أن نسبة السكان «في سنّ العمل» الذين تتراوح أعمارهم بين «15 و64 سنة بلغت 60.2 في المائة»، مؤكداً «دخول العراق مرحلة الهبّة الديموغرافية».

وأشار إلى أن نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً تبلغ 36.1 في المائة، فيما يبلغ «متوسط حجم الأسرة في العراق 5.3 فرد».

وأكّد السوداني أن «هذه النتائج أولية، وسوف تكون هناك نتائج نهائية بعد إكمال باقي عمليات» التعداد والإحصاء النوعي لخصائص السكان.

وأظهرت نتائج التعداد أن معدّل النمو السنوي السكاني يبلغ حالياً 2.3 في المائة؛ وذلك «نتيجة لتغيّر أنماط الخصوبة في العراق»، وفق ما قال مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، مهدي العلاق، خلال المؤتمر الصحافي.