عباس إلى عمان والقاهرة في أول جولة منذ أشهر

يلتقي عبد الله الثاني اليوم والسيسي غداً لـ«تنسيق المواقف» قبل بدء عهد بايدن

TT

عباس إلى عمان والقاهرة في أول جولة منذ أشهر

يبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم، جولة تشمل الأردن ومصر، يلتقي خلالها بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أول جولة له منذ وقت طويل، وتأتي بعد أيام على استعادة التنسيق الفلسطيني الإسرائيلي.
وأعلنت الرئاسة الفلسطينية أن عباس «سيجتمع الأحد، بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، والاثنين بنظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي». وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، إن عباس سيتوجه الأحد إلى المملكة الأردنية الهاشمية، للاجتماع مع العاهل الأردني، وذلك لإطلاعه على مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية، والتشاور في جملة من القضايا ذات الأهمية، وذلك في إطار التنسيق والتشاور المتواصلين بين القيادتين. وأضاف: «الرئيس سيجتمع كذلك مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، في القاهرة، وذلك لإطلاعه على مجمل التطورات على الساحة الفلسطينية، وذلك في إطار التنسيق والتشاور المتواصلين بين القيادتين».
وهذه أول مرة يخرج فيها عباس خارج الضفة الغربية منذ أشهر طويلة، بعد أن اجتاح فيروس كورونا العالم، وبسبب وقف التنسيق الأمني والمدني مع إسرائيل لاحقاً. وأعادت السلطة الاتصالات مع إسرائيل قبل أكثر من أسبوع بعد 6 أشهر على وقفها، وشمل ذلك إعادة التنسيق الأمني والمدني في هذه المرحلة، وقد يعني العودة إلى المفاوضات السياسية في مرحلة مقبلة.
وكانت السلطة، أعلنت في 19 مايو (أيار) الماضي، وقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل، بما فيها التنسيق الأمني، إثر إعلان إسرائيل نيتها ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. ويحتاج عباس إلى تنسيق من أجل سفره إلى خارج الأراضي الفلسطينية، وهو تنسيق سريع وعالي المستوى.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن عباس يريد تنسيق المواقف العربية قبل وصول الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى الحكم في الولايات المتحدة. وأضافت: «الرئيس يريد توحيد المواقف عبر حوار عربي عربي، وتقليل الخلافات مع المحيط لدعم عملية سياسية جديدة في المنطقة».
وقال سفير فلسطين في القاهرة ذياب اللوح، «الرئيس محمود عباس سيبحث مع نظيره المصري التعاون المستمر، لا سيّما وأننا على أعتاب مرحلة سياسية جديدة من العمل السياسي التي تتطلب تعميق التعاون والتشاور سياسياً ودولياً».
وأضاف للإذاعة الرسمية: «إن مبادرة الرئيس للسلام فتحت آفاقاً جديدة أمام العمل الدولي، وترتيب الوضع في المنطقة برمتها، وأعطت إشارة واضحة بأن يد شعبنا ممدودة من أجل بناء السلام العادل والشامل على أساس المبادرة العربية للسلام والقوانين والتشريعات الدولية، وفرصة للخروج من الصراع الذي يمر فيه الشرق الأوسط».
وتسعى السلطة لإطلاق عملية سياسية جديدة في المنطقة بعد تغيير الإدارة الأميركية، ومن أجل ذلك كثفت اتصالاتها بالرباعية الدولية، وأجرت اتصالات مع فريق بايدن. وأكد وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي، تصريحات سابقة لنائب رئيس حركة «فتح» محمود العالول، أن السلطة الفلسطينية عقدت تفاهمات مع فريق بايدن.
وقال المالكي إن السلطة أبلغت بشكل غير مباشر الإدارة الجديدة للرئيس بايدن باستعدادها للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل على أساس قرارات القانون الدولي. وأوضح: «في الوقت الحالي، نرسل رسائل واضحة، ليس فقط إلى الإسرائيليين وإدارة بايدن، بل وأيضاً إلى الأوروبيين والعديد، مفادها أن الفلسطينيين مستعدون لإعادة الانخراط بشكل كامل مع إسرائيل في استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، طالما أن هذا يستند إلى مرجعيات معترف بها - بمعنى قرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية والقانون الدولي».
وأضاف: «نأمل أن نتمكن من الانخراط مرة أخرى مع الإدارة الجديدة في واشنطن في 20 يناير (كانون الثاني)». وكان العالول، أعلن سابقاً أن السلطة الفلسطينية توصلت إلى عدد من التفاهمات مع الفريق الانتقالي للإدارة المقبلة بدون أن يعطي أي تفاصيل، قائلاً إنه لا يريد التسرع في الأمور. ويدور الحديث حول اتصالات من أجل فتح صفحة جديدة، والعودة إلى مسار العلاقات السابقة تمهيداً لاستئناف عملية السلام.
وتحدثت تقارير إسرائيلية، في وقت سابق، حول أن عباس أرسل عدة رسائل إلى فريق الرئيس الأميركي المنتخب، معلناً استعداده للالتزام بثلاثة شروط تسمح بفتح قناة حوار بينه وبين الإدارة الجديدة في واشنطن. وقالت التقارير إن عباس طلب من مسؤولين غربيين نقل رسائل إلى فريق بايدن، مفادها أنه مستعد لوقف أي انضمام فلسطيني إلى منظمات دولية، ومراجعة مناهج التعليم الفلسطيني استجابة لاتهامات أنه يوجد «تحريض»، وإصلاح نظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والجرحى والمقاتلين.
ومقابل ذلك تتوقع السلطة من إدارة بايدن إعادة فتح ممثلية منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف تقديم الدعم المالي للسلطة وأجهزتها الأمنية، والتراجع عن قرار إدارة ترمب التوقف عن الإسهام في موازنة وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (أونروا)، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، والسماح بعودة وكالة التنمية الأميركية بتنفيذ مشاريع في المناطق الفلسطينية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.