صدمة وحداد في السودان بعد رحيل الصادق المهدي

تنكيس الأعلام ومراسم دفن رسمية وشعبية اليوم في أم درمان

الصادق المهدي
الصادق المهدي
TT

صدمة وحداد في السودان بعد رحيل الصادق المهدي

الصادق المهدي
الصادق المهدي

أحدث رحيل رئيس الوزراء السوداني الأسبق، الصادق المهدي، صدمة في الأوساط السياسية والشعبية السودانية، لأن رحيله في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان، جعل من «فتق السودان» يتسع على «راتقه»، فالراحل تتفق أو تختلف معه، فهو إحدى «ركائز» الديمقراطية والفكر والعلم والسياسة السودانية، وكان ينتظر منه أن يلعب دورا محوريا في التحول الديمقراطي، وإنجاح الانتقال، لكنه رحل في وقت كان الناس في أمس الحاجة لوجوده بينهم.
كان الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب السودان، وإمام طائفة الأنصار (الحاضنة الشعبية للحزب) دائم السفر والنفي والهجرة، لكنه كان يعود محفوفا بترحيب أنصاره في مهرجان ضخم من الفرح، وها هو يعود هذه المرة في صندوق، ليستقبله مهرجان ضخم من الحزب والأسى، ليوارى الثرى الذي أحب ودفع وأجداده من أجله الكثير.
في 27 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، أعلن للناس إصابة الإمام الصادق المهدي بفايروس كورونا المستجد، ونقل حينها إلى مستشفى «علياء التخصصي»، لتلقي العلاج فيه، وظل هناك حتى الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لكن يبدو أن حالته الصحية تدهورت، فأرسلت له طائرة إسعاف جوي لتقله إلى «مدينة الشيخ خليفة الطبية» بمدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتلقي المزيد من العلاج التخصصي. لكنه أسلم الروح هناك. وأعلنت الحكومة السودانية بمجلسيها «السيادي والوزراء» حالة الحداد العام بالبلاد لمدة ثلاثة، أيام اعتبارا من يوم أمس الخميس. ونعاه حزب الأمة القومي في بيان، مشيرا إلى أن وفاته وقعت فجر أمس الخميس، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي لزم فيها سرير المرض حتى توفاه الله. وأعلن الحزب أن جثمان الفقيد سيصل صباح اليوم «الجمعة»، ليوارى الثرى في قبة الإمام المهدي الساعة التاسعة من صباح ذات اليوم، ويقام المأتم ببيت الإمام المهدي، ودعا الجميع لاتباع التحوطات الصحية اللازمة لمواجهة جائحة كورونا.
- قالوا عنه بعد رحيله
رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قال: «كان الإمام الصادق المهدي دالة للديمقراطية، ونموذجًا للقيادة الراشدة، وصفحة من الحلم والاطمئنان في زمان نُحت فيه السخط وتوالت الخيبات على صدر كتاب التاريخ، وبرحيله انطفأ قنديلٌ من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب»، فيما وصفه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بأنه رمز وطني وقائد سياسي، «ساهم في صنع وتشكيل الحياة السياسية في السودان، ظل وفياً طوال عمره لوطنه وشعبه»، فيما قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو «حميدتي» في نعيه للراحل: «انطفأ برحيله سراج الحكمة والوعي الكامل بقضايا وهموم هذا البلد... كنا ندخرك للمواقف الصعبة والظروف السياسية المعقدة التي تعيشها بلادنا... فقدنا اليوم بعض تاريخنا وملامحنا وتسامحنا السوداني الأصيل».
ونعاه تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، ووصفه بالعلم السامق والمفكر الحكيم، والقائد العظيم، واعتبره حزب المؤتمر الشعبي «خسارة كبيرة للسودان».
- سيرة وسريرة
ولد السياسي والمفكر وإمام طائفة الأنصار وآخر رئيس وزراء منتخب، الراحل الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، بحي «العباسية» بالمدينة التي أنشأها أجداده «أم درمان» في 25 ديسمبر (كانون الأول) 1935.
ويتحدر الراحل من أسرة عريقة في تاريخ ووجدان السودانيين الديني والسياسي، فجده الأكبر «محمد أحمد بن عبد الله»، قائد وزعيم ديني سوداني أسس «الدعوة المهدية»، وعرف بين الناس بأنه «الإمام المهدي»، قاد جيوش مؤيديه من «أنصار الله» وخاض بهم الحرب ضد الاحتلال الإنجليزي والمصري التركي، وانتصر عليهم وحرر السودان، فيما عرف في تاريخ البلاد بـ«الثورة المهدية».
- من الخلوة إلى أكسفورد
تلقى الراحل الصادق المهدي تعليمه الديني في «خلوة» لتحفيظ القرآن بحي العباسية الشهير ثم درس الأولية في مدارس الأحفاد بأم درمان، ثم بدأ تعليمه الثانوي في مدارس «كمبوني» التبشيرية، وانتقل إلى كلية «فكتوريا» في الإسكندرية، وتركها، ليدرس الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أكسفورد، وتخرج فيها بمرتبة الشرف، ثم نال من ذات الجامعة درجة «الماجستير».
عمل موظفاً في وزارة المالية السودانية 1957 لمدة عام، ثم استقال عقب انقلاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ليعمل بـ«دائرة المهدي»، وهي الهيئة الاقتصادية لأسرته ولطائفة الأنصار.
لاحقاً انخرط في صفوف المعارضة ضد نظام «عبود»، محترفا السياسة، وجاعلا خدمة الديمقراطية والتنمية والتأصيل هدفا لحياته، وترأس خلال الفترة 1961 - 1964 «الجبهة القومية المتحدة» المعارضة، ثم انتخب رئيساً لحزب الأمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1964. ورئيسا للوزراء الفترة 25 يوليو (تموز) 1966 – مايو (أيار) 1967 في أولى رئاستيه للوزارة في البلاد.
- رئيس وزراء للمرة الثانية
ترأس «الجبهة الوطنية» المعارضة بعد انقلاب جعفر النميري، خلال الفترة بين 1972 - 1977. وبعد سقوطه بالثورة الشعبية في أبريل (نيسان) 1985، انتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية مارس (آذار) 1986. وظل يترأس الوزارة حتى انقلاب الإسلاميين في 30 يونيو (حزيران) 1989.
وبعد سقوط نميري بعام، أجريت انتخابات تشريعية حصل خلالها حزب الأمة بقيادته على الأكثرية، فانتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية، وشكل أكثر من حكومة ائتلافيه برئاسته، حتى دقت الموسيقى العسكرية معلنة «انقلاب البشير – الترابي» 30 يونيو (حزيران) 1989.
بعد أيام من الانقلاب اعتقل قادة الانقلاب المهدي، وظل معتقلا حتى 1990. ونقل عنه وقتها أنه تعرض لما أسماه في كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة «تصفية صورية» وتهديد، ثم وضع في التحفظ المنزلي، ليطلق سراحه في أبريل 1992.
واجه نظام الإسلاميين، بما أطلق عليه «الجهاد المدني»، والرجل بارع في التسميات وإطلاق المصطلحات، وخضع بسبب ذلك لتحقيقات واعتقالات متطاولة بلغت جملتها حتى سقوط النظام نحو 9 سنوات من عمره، وخلالها تعرض للتهديد والملاحقة، وقال وقتها إن النظام يبقيه في السودان «رهينة» فخرج سراً في عملية معقدة 1996 باتجاه دولة إريتريا أطلق عليها «تهتدون».
- أيام التجمع الوطني الديمقراطي
التحق المهدي بالمعارضة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي، وكان ابن عمه مبارك المهدي وقتها يشغل منصب «أمينه العام»، وشن حملة دبلوماسية وسياسية كبيرة ضد نظام الإسلاميين الذي يقوده صهره حسن الترابي.
كان التجمع الوطني الديمقراطي، يعمل على إسقاط نظام البشير عن طريق العمل العسكري، وشارك فيه المهدي بما عرف بـ«جيش الأمة»، لكنه فاجأ الجميع بلقاء الترابي في جنيف 1999 والبشير في جيبوتي ذات العام، وتوقيع اتفاق «نداء الوطن»، والذي عاد بموجبه للبلاد في 2000 في عملية «تفلحون»، وينص على حل سلمي ديمقراطي مع نظام البشير.
وبعد سقوط نظام البشير الذي شارك فيه المهدي وحزبه بفعالية، ظلت مواقفه «متمايزة» عن التحالف الحاكم، فقد كان يدعو لانتخابات مبكرة، ويستنكر طول الفترة الانتقالية، لكنه حافظ على «شعرة معاوية»، وظل يقترب منه ثم يبتعد قليلاً، لكنه ظل يعلن باستمرار حتى قبيل وفاته بأنه داعم للفترة الانتقالية، رغم إعلان حزبه تجميد عضويته في التحالف الحاكم.
يختلف الناس مع الراحل، يخالفونه التوجهات والخطوط السياسية، لكنه استطاع بحنكة فريدة، أن يحتفظ بودهم واحترامهم، وبرحيله تفتقد الساحة السياسية السودانية في وضعها الحرج أحد حكمائها و«ضابط إيقاعها».



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».