إعلاميون أجانب في القاهرة : المصريون يفضلون الجيش على «الإخوان»

فولكهارد فيندفورد عميد المراسلين الأجانب
فولكهارد فيندفورد عميد المراسلين الأجانب
TT

إعلاميون أجانب في القاهرة : المصريون يفضلون الجيش على «الإخوان»

فولكهارد فيندفورد عميد المراسلين الأجانب
فولكهارد فيندفورد عميد المراسلين الأجانب

مباراة ساخنة في تغطية الأحداث ومحاولات كشف الحقائق كانت هي السمة المميزة في أداء الإعلاميين الموجودين على أرض مصر خلال الأحداث المشتعلة التي يشهدها الشارع المصري على مدار الأسابيع الأخيرة منذ أحداث 30 يونيو (حزيران) الماضي وما تبعها من تطورات سريعة بداية من عزل الرئيس مرسي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين من مناصبهم الرفيعة التي سيطروا عليها، ومرورا بأحداث رابعة العدوية وما أعقبها من تفجر للعنف الدموي في مختلف أرجاء مصر، نهاية بالقبض على كوادر «الإخوان» وقياداتهم وعلى رأسهم مرشدهم محمد بديع. وفى خضم ذلك، برز الإعلام عنصرا حيويا وفعالا في المشهد السياسي المصري، وهو ما دفع ثمنه غاليا كثير من الإعلاميين كما حدث مع عميد المراسلين الأجانب ومدير مكتب جريدة «دير شبيغل» الألمانية بالقاهرة فولكهارد فيندفورد عندما كاد يفقد حياته يوم أحداث رمسيس الساخنة.
رغم خطورة الموقف الأمني بمصر، فإن الساحة المصرية شهدت وجودا إعلاميا مكثفا من المراسلين الأجانب، كما شهدت الفترة الأخيرة وصول عدد كبير ممن أرسلتهم مؤسسات إعلامية كبرى خصيصا لتغطية الأحداث بمصر ومتابعتها؛ منهم إعلاميون من التلفزيون الياباني والتلفزيون الكوري ووكالة الأنباء الروسية و«وول ستريت» و«فوكس نيوز جورنال» الأميركية، هذا بالإضافة إلى مراسلين من سويسرا وتركيا والصين واليابان وإسبانيا وغيرهم من الجنسيات المعنية بالتغطية الإعلامية.
وبحكم خلفياتهم ومرجعياتهم الثقافية والسياسية المختلفة ووجودهم في قلب الحدث بصفتهم مراسلين لبلادهم في مصر، فإن آراءهم ومواقفهم وتقييمهم للمشهد في الشارع المصري يكون أيضا مختلفا وغير متحيز لعدم انتمائهم لأي من الطرفين المتنازعين. ومن هذا المنطلق، قامت «الشرق الأوسط» بجولة صحافية تواصلت خلالها مع بعض الإعلاميين الأجانب بمصر لاستطلاع آرائهم ووجهة نظرهم المحايدة بعيدا عن أي تحيز أو تعاطف.
وكان المثير في الأمر أنه على تباين رؤاهم ومواقفهم من الأحداث بمصر، فإنهم جميعا كانوا يتحدثون بلهجة تتسم بالحذر والتحفظ على الرغم من أن عملهم هو الكلام وتبادل النقاش وتوجيه الأسئلة بجرأة بحثا عن الحقيقة من أجل المعرفة. فعندما سألتهم «الشرق الأوسط» بدا أن كثيرا منهم لا يحب الانخراط في الحديث عن السياسة ولا إبداء الرأي أو التحليل للصحافة!! وكان الغريب أيضا أن الإعلاميين الغربيين كانوا الأكثر حذرا في الحديث، وبعضهم بادر بالاعتذار عن تكملة الحوار تخوفا من حساسية مواقفهم - على حد تعبيرهم - بينما بدا المراسلون الشرقيون سواء من الصين أو اليابان أو روسيا أكثر مرونة في الحديث عن آرائهم، ولكن اللافت للنظر أيضا أن هناك حالة مشتركة بينهم جميعا من الغموض وعدم وضوح الرؤية وفهم ما يدور على الأرض.
الأميركية ليلى مكاوي مراسلة «وول ستريت جورنال» الأميركية قالت: «إنني في مصر منذ الثلاثين من يونيو، وخلال تلك الفترة عايشت أحداثا كثيرة ساخنة، وقد نصحونا أن نكون حذرين قدر الإمكان بسبب حجم المخاطر الموجودة التي نواجهها في عملنا وسط الأحداث الساخنة، وأحيانا يطلبون منا البقاء بالمكتب وعدم الخروج أثناء المواجهات الساخنة. وعلى الرغم من كوننا نعمل في جريدة اقتصادية، فإننا غير منقطعين عن السياسة لارتباطها ارتباطا قويا بالاقتصاد، ومن ثم فالتغطية السياسية مطلوبة، وهو ما يجعلنا قريبين من الأحداث، لكننا لا نستطيع الحكم على ما يجري في مصر لأننا ينقصنا كثير من المعلومات الضرورية للتحليل السليم والموضوعي. لقد قمنا بمتابعة أحداث حرق الكنائس في المنيا، وكذلك أحداث مذبحة قسم شرطة كرداسة التي قتل فيها عدد من الضباط، هذا بالإضافة إلى متابعة الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر بسبب عدم الاستقرار السياسي».
وحول إذا ما كانت ترى مسؤولية لـ«الإخوان» عما يحدث من تصعيد للعنف لدرجة الإرهاب، تقول مكاوي: «رغم كل هذا العنف، فإنني لا أستطيع أن أربط بسهولة بين (الإخوان) فقط وما يحدث من عنف وتطرف، وهذا ما سنحاول اكتشافه خلال الفترة المقبلة، لأن الحقيقة لم تظهر بعد، وهناك معلومات كثيرة منقوصة». وتضيف: «إنني جئت لمصر مع تولي الرئيس مرسي الرئاسة في العام الماضي، وشهدت أحداثا ساخنة كثيرة وعنفا ومظاهرات غضب، لكنها لم تكن بهذا الشكل الخطير بما فيها مظاهرات وأحداث العنف إبان موضوع الاستفتاء على الدستور». وحول انعكاس ما يحدث بمصر على علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية والغرب بشكل عام، تقول مكاوي: «لا شك أن مصر بثقلها وموقعها المتوسط من العالم تؤثر أحداثها على المحيط الإقليمي والدولي، وبطبيعة الحال، فإن حالة عدم الاستقرار بمصر سينعكس على علاقاتها الدولية». وعن توقعها لمستقبل العلاقات المصرية – الأميركية، قالت: «أتمنى أن تكون جيدة دائما، ولا بد من النظر للأمر بموضوعية، ونتعامل مع الموقف بنضج وليس بأسلوب رد الفعل، وأن نأخذ في الاعتبار أن قرارات الحاضر تؤثر على أجيال المستقبل».
شينيشي آكي ياما، مدير مكتب الشرق الأوسط لجريدة «ماينتشي» اليابانية بالقاهرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يمارس عمله الإعلامي بمصر منذ يناير (كانون الثاني) الماضي وإنه استطاع خلال تلك الأشهر أن يفهم كثيرا من الحقائق حول الشعب المصري، وقال إن ما يجده اليابانيون صعبا على الفهم هو: «لماذا يدعم الناس في مصر الجيش والقوات المسلحة بهذا الشكل؟ فقد عانينا نحن الشعب الياباني طويلا من الحكم العسكري أثناء الحرب مع الصين وما زلنا نذكر الذكريات السيئة والمريرة التي لم تمح من الذاكرة رغم مرور ما يقرب من سبعين سنة على تلك الأحداث، فاليابانيون لا يحبون الجيش ولا يدركون طبيعة الأحداث المختلفة في مصر، وهم يتناقشون كثيرا حول هذا الأمر. ولكنى بصفتي إعلاميا ربما أستطيع تفهم الأمر في مصر، فالناس يفضلون الجيش على (الإخوان)، ويلجأون له بعد غضبهم من حكم مرسي». ويتابع آكي ياما قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لقد ذهبت إلى رابعة العدوية والنهضة ورمسيس، وحقيقة لم أر أي شيء يدل على الإرهاب؛ بل رأيت أناسا عاديين ومسالمين جدا ولا يحملون أسلحة حسب ما شاهدته، ولكن ربما قياداتهم هم الذين يميلون أكثر للعنف ويتحدثون بلهجة متشددة عن الجهاد وخلافه، ولكنهم قليلون بالمقارنة بالأغلبية السلمية الموجودة، فلا شك أن هناك من ينتهجون نهجا أكثر تطرفا، لكن لا نستطيع وصفهم بالإرهابيين، وعلى الرغم من أن بعضهم يحمل سلاحا، فإننا نحتاج لمزيد من الأدلة حتى نستطيع الجزم بأنهم إرهابيون».
وحول مقارنته ما يعايشه حاليا في مصر من أحداث مع مشاهداته في الدول الأخرى التي عمل فيها مراسلا أجنبيا، يقول آكى ياما: «لقد عملت في مختلف المناطق الساخنة منها في سوريا والجزائر ولبنان، وأخيرا مصر، وأعتقد أن الوضع في مصر خطير جدا». وعن مدى شعوره بالخوف في ظل تلك الأحداث، قال: «إنني عرفت الشعب المصري خلال تلك الشهور التي عشتها معهم، ولمست كرمهم وكونهم شعبا مضيافا ومسالما وطيبا، لكن ما أخشاه هو تزايد الأحداث سوءا، فهناك مواجهات كبرى تستمر خلال الفترة المقبلة، ولا يمكن التنبؤ بها على المدى القصير لسرعة تواتر الأحداث، وأعتقد أن جماعة (الإخوان) التي كافحت لسنوات طويلة وعانت كثيرا خلال تلك السنوات، لن تختفي من المشهد ولن تتوقف عن النشاط، أما الجيش فهو الذي على الساحة الآن، والناس تؤيد ذلك، وأعتقد أن الفريق السيسي سيتولى الحكم رسميا للبلاد، وهو ما يتماشى مع رغبات كثير من المصريين بعد الصراع الكبير مع (الإخوان)».
أما كين هايشي مصور وكالة أنباء الصين الرسمية بالقاهرة «شينخوا»، قال لـ«الشرق الأوسط»: «بحكم عملي مصورا صحفيا، فقد ذهبت لمختلف الأماكن الساخنة في مصر، وعشت لحظات صعبة وقت فض اعتصام رابعة العدوية، وشاهدت المسجد محترقا، وصورت الموتى، وذهبت أيضا في رمسيس للتصوير، وكان الوضع غاية في الخطورة.. لقد كان الرصاص كثيفا، لكني لا أستطيع تحديد مصدره، فكانت الاشتباكات عنيفة وخطيرة.. والوضع غريب وصعب الحكم عليه ولا يمكن التأكيد على وجود إرهاب من عدمه، لكن الأمر المؤكد أن ما يحدث هو صراع سياسي محتدم بين (الإخوان) وكل المجتمع المصري بما فيه الجيش وأطراف كثيرة من المصريين، وذلك من واقع مشاهداتي، وهو ما يراه العالم كله، ولا يمكن الإجابة عن أية أسئلة تتعلق بملامح المستقبل لصعوبة الأمر، فالوضع غاية في التعقيد، ولكن ما ألحظه بصفتي مصورا عايش أحداث الثورة المصرية عام 2011 وصولا لأحداث 30 يونيو (حزيران) وتوابعها، أن الفرحة والسعادة التي غطت الوجوه عام 2011 لم تعد موجودة، وأرى مسحات من الحزن تكسو الوجوه الآن بسبب خطورة الموقف».
وحول المواقف التي يتعرض لها بصفته مصورا صحفيا في بؤر الصراع الساخنة بمصر، يقول كين هايشي: «إنني أعاني كثيرا حتى أؤدي عملي، كما أنني أتعرض أحيانا لمن يمنعني من التصوير رغم حصولي على كارنيه صحفي؛ ففي رابعة العدوية لم يسمح لي بتصوير بعض ضباط الشرطة والجيش، رغم أنهم لم يكونوا يفعلون شيئا، ولكني أعتقد أنهم يحاولون عدم الظهور لشعورهم بالحرج مما يحدث. وأنا أتمنى أن تنتهي كل هذه الأحداث الخطيرة في أسرع وقت، خاصة أن هناك خسائر كبيرة، ولكني لن أغادر مصر، فأنا أحب المصريين وكل الصينيين يحبونهم أيضا ويريدون عودة الأمور لطبيعتها حتى يستطيعوا زيارة مصر للسياحة كما كانوا يفعلون، وهناك اهتمام كبير من الشعب الصيني بما يحدث في مصر ويتمنون لها ولشعبها السلامة».
ورغم أنه كبير المراسلين الأجانب وعميدهم بالقاهرة، فإن فولكهارد فينفورد مدير مكتب «دير شبيغل» بالقاهرة، كان من أكثر الإعلاميين الأجانب تحفظا في الحديث معنا وبدت عليه حالة نفسية سيئة بعد نجاته مؤخرا من محاولة اغتيال على يد مسلح خلال أحداث رمسيس الدامية في يوم «جمعة الغضب» الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه متعب ومريض وإنه عبر عن موقفه ورؤيته للأحداث التي تشهدها مصر في بيان أصدره عقب محاولة اغتياله، الذي طالب فيه بضرورة الحفاظ على حياة الإعلاميين وتوفير الأمان لهم، وأعرب عن مخاوفه الكبيرة من احتمالات الخطر في ظل تصاعد أحداث العنف. كما عبر فولكهارد عن موقفه من الأحداث الجارية في مصر ورأيه فيها، مشيرا إلى أنه يشعر بالإحباط وخيبة الأمل لما يحدث من اعتداءات على الأشخاص والمؤسسات الدينية والصحافيين من قبل متظاهرين يدعون السلمية. وفي مداخلة تلفزيونية، حيا فولكهارد الفريق السيسي ووصف تغطية بعض القنوات للأحداث بأنها غير متوازنة.
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال إنريكي روبيو، مدير المكتب الإقليمي بوكالة الأنباء الإسبانية لمنطقة الشرق الأوسط: «إنني بحكم عملي صحفيا في وكالة أنباء تهتم بالبحث عن الخبر، لا يجب أن يكون لي رأي وأن أكون محايدا تماما، لأننا خبريون، ولكن يمكن أن أعبر عن انطباعي عما يحدث في مصر من خلال انطباع صديق مصري تحدث لي، فأنا قلق جدا ومنزعج من حدة الانقسام التي تشهدها مصر، والواقع أن هذه الحالة ليست وليدة اللحظة؛ وإنما هي حالة موجودة منذ بداية عهد الرئيس مرسي». وحول علاقة «الإخوان» بما يحدث، قال روبيو بتحفظ شديد: «إنني أعتقد أن الإخوان المسلمين هم السبب في كل ما يحدث الآن بمصر».
وعن مخاطر المهنة، قال: «لقد تعرضت للعديد من العنف والمخاطر، وكلنا بصفتنا إعلاميين في هذا المجال معرضون للخطر بسبب خطورة الأحداث، ولكني على المستوى الشخصي، أعيش بمصر منذ سنوات وأعرف المصريين جيدا وأعرف أنهم شعب طيب وودود ولم أكن أبدا لأشعر وسطهم بعدم الأمان». وعن رؤيته للشخصية المصرية وما أصابها خلال تلك السنة من حكم الرئيس مرسي، قال روبيو: لا شك أن هناك تحولا كبيرا في المزاج المصري، فمن خلال معايشتي له، كنت أجد المصريين محبين للحياة دائما سعداء مرحين حتى في اللحظات الصعبة، ويحبون النكتة والطرفة، أما في الفترة الأخيرة، فلا شك أن هذه السمات قد تغيرت للأسف، ولم أعد أرى تلك الضحكة التي من القلب على وجوههم، وهو ما يشير إلى تغير كبير في المزاج العام للمصريين، وربما يرجع ذلك إلى حالة الخوف والقلق التي أصابتهم في الفترة الأخيرة».
وعن موقف العالم الغربي من أحداث مصر، قال روبيو لـ«الشرق الأوسط» إن «العالم الغربي لا يعرف بدقة ما يحدث في مصر، ويحتاج لمزيد من الصبر والتروي حتى يفهم أبعاد الأحداث، ولا أعتقد أنهم سيتخذون موقفا الآن. كما أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الأحداث المهمة في مصر مما يصعب التكهن به».



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».