«تراثيات بلدنا»... إطلالة على إبداع الحرف اليدوية المصرية

وسط جدرانه الأثرية المميزة في قلب العاصمة المصرية القاهرة، يستضيف قصر الأمير محمد علي، معرضاً مؤقتاً للحرف والفنون التراثية واليدوية بعنوان «تراثيات بلدنا»، يشارك فيه نحو 25 فناناً أو عارضاً، لإبراز منتجاتهم التراثية في أروقة القصر الواسع.
ويأتي المعرض بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ145 لميلاد الأمير محمد علي توفيق، حسب ولاء بدوي، مدير عام قصر المنيل، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأمير محمد علي توفيق كان محباً للتراث، عاشقاً للفنون الإسلامية، مغرماً بالعمارة العربية، وعُرف عنه أنه كان يعشق جمع التحف والآثار والمقتنيات الثمينة، لعرضها في قصره، ومن هنا جاءت فكرة المعرض، الذي يستضيفه القصر لتأكيد دور المتحف في خدمة المجتمع ثقافياً وأثرياً».
وبين جنبات القصر التاريخي الذي تم إنشاؤه عام 1903، اصطف مجموعة من الفنانين من مختلف المحافظات المصرية لعرض منتجاتهم من الحرف التراثية والفنون اليدوية، مصطحبين زوار القصر في جولة فنية بصرية على التاريخ الفني المصري، الذي يضيف إليه القصر الأثري مزيداً من السحر ويجعلك تشعر بأنك عدت بالزمن أكثر من 50 عاماً إلى الوراء، وأنك دخلت سوقاً قديمة تبيع منتجات فنية مختلفة من زجاج معشّق، وخيامية، ونحاس وأرابيسك، ومنحوتات خشبية، حرص منتجوها على تطويعها للاستخدام في العصر الحديث، مضيفين لمسة فنية تاريخية على أدوات نستخدمها في حياتنا اليومية مثل إبريق الشاي، وصواني التقديم، والأكواب، ومفارش الأسرّة، والنجف.
ويهدف المعرض لإحياء الفنون التراثية القديمة، من خلال عرضها للجمهور، حسب بدوي الذي أشار إلى أن «الحرف التراثية ليست مجرد تحف فنية للاقتناء، بل هي أدوات يمكن استخدامها في حياتنا اليومية، تحمل بين طياتها عناصر فنية وجمالية، حيث يضم المعرض حِرفاً متنوعة من بينها النحاس المكفّت، والنجارة العربية، والزجاج المعشّق، والصدف، والعاج، والأرابيسك العربي، والخزف، والجلود، والحليّ النوبية والملابس الفرعونية والخديوية، فهو يجمع مختلف الفنون التراثية المصرية عبر العصور، وينقلك معه من حقبة تاريخية إلى أخرى.
أيمن برويز، فنان الزجاج المعشّق ومنسّق المعرض الذي اعتاد خلال السنوات الماضية زيارة قصر الأمير محمد علي بالمنيل، لعشق الأخير للتراث، جاءته فكرة تنظيم معرض «تراثيات بلدنا» بالقصر، ويقول برويز لـ«الشرق الأوسط» إنه «تواصل مع مسؤولي القصر ومع زملائه من أصحاب الحرف التراثية لتنظيم المعرض احتفالاً بمرور 145 عاماً على ميلاد الأمير محمد علي»، مشيراً إلى أنه «مراعاةً للطابع التاريخي للمكان قرر ارتداء أزياء تاريخية تقليدية في أيام المعرض فارتدى زي الخديو مرة، ومرة أخرى زي الأفندي».
وورث برويز حرفة تصنيع الزجاج من عائلته، التي تمتلك ورشة قديمة لتصنيع الزجاج، ويقول إن «حرفة تصنيع الزجاج المعشّق آخذة في الانقراض، حيث لا يوجد جيل جديد ولا ورش تعمل في هذا المجال، شأنها شأن باقي الحرف التراثية مثل النحاس المسبّك والخيامية، ومن هنا تأتي أهمية مثل هذه المعارض لدعم أصحاب الحرف التراثية».
ويعود تاريخ الزجاج المعشّق إلى نحو ألف عام، وهو عبارة عن زجاج ملون يتم تصميمه بأشكال فنية متداخله، وكان يستخدم قديماً في صناعة النوافذ وفي المساجد والكنائس القديمة.
وارتبطت الخيامية بشهر رمضان المبارك، حيث كانت تُصنع منها الخيام الرمضانية، وهي فن التطريز على القماش السميك باستخدام ألوان زاهية، ويتم استخدام هذه الأقمشة المطرزة اليوم في صناعة الحقائب والوسائد.
وتبنت الحكومة المصرية أخيراً عدداً من المبادرات لدعم الحرف التراثية، وحمايتها من الاندثار، تضمنت تنظيم معارض ومهرجانات للحرف التراثية، والفنون التقليدية، ودعم أصحاب الحرف من خلال مبادرات مثل «صنايعية مصر» التي تتبناها وزارة الثقافة.
ويأتي معرض «تراثيات بلدنا» في سياق دعم الحرف التراثية وأصحابها، حسب بدوي الذي يشير إلى أن هذه «الحرف جزء مهم من تاريخ وهوية مصر، ولا بد من دعمها وحمايتها من الاندثار، خصوصاً أنها فنون مميزة وجاذبة للأجانب والمصريين، لكنها تحتاج إلى من يسوّقها ويلقي الضوء عليها».