الأغراض المستعملة تتصدّر عمليات الشراء والبيع لدى اللبنانيين

في ظلّ الإقفال التام وأزمة اقتصادية حادة يعيشونها

أغراض مستعملة تعرض للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي
أغراض مستعملة تعرض للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي
TT

الأغراض المستعملة تتصدّر عمليات الشراء والبيع لدى اللبنانيين

أغراض مستعملة تعرض للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي
أغراض مستعملة تعرض للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي

تغيّرت أحوال اللبنانيين منذ تفاقم الأزمة الاقتصادية في بلادهم، وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي. وجاءت جائحة «كورونا» لتزيد الأمر سوءاً في ظل قرار الإقفال التام الذي يطبق في لبنان بين فترة وأخرى. ويحتار اللبنانيون المفروض عليهم أسلوب حياة مغاير كيف يتعاملون مع الأوضاع الجديدة التي يواجهونها. ومع تفاقم حالة الشلل التي تصيب البلاد وتوقف عدد من الأشغال، حوّل اللبنانيون اهتمامهم نحو التجارة، ورأوا في بيع وشراء الأغراض المستعملة أفضل وسيلة لتأمين رزق إضافي لهم، ونوعاً من التسالي بعيداً عن أيام رتيبة يعيشونها.
وبين ليلة وضحاها ازدهرت صفحات البيع والشراء على حسابي «إنستغرام» و«فيسبوك» لأغراض قديمة وجديدة يحتفظ بها اللبنانيون. فأنشأها أصحابها لتكون بمثابة محلات تجارية افتراضية.
راحت ربّات المنازل يبحثن في علّيات منازلهن وخزائنهن وجواريرهن عن أغراض لم يعدن بحاجتها. فأخرجن أواني مطبخ وزجاجيات ومنافض وكتبا وأغراض ديكور وثيابا قديمة وجديدة وغيرها للاستفادة من ثمنها. أما جيل الشباب من متزوجين وعزاب، فرأوا في هذه الظاهرة أفضل عنوان للتخلّص من أدوات إلكترونية وألعاب لأطفالهم وأخرى لهم يحتفظون بها من دون جدوى.
عناوين جذابة اتبعها أصحاب هذه المحلات لشد انتباه زبائنهم على وسائل التواصل الاجتماعي. «دقّة قلب» و«أحبّ مرتين» و«كل شيء من أي مكان» و«سكند هاند» وغيرها من الأسماء. فشكّلت عامل استقطاب للناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذا ما تصفحّت هذه المواقع ستجد هنا محلّاً افتراضياً خصّصه صاحبه لأزياء الأطفال، وآخر أدرج عليه لائحة أثاث منزل. فيما حضرت أغراض وأدوات أخرى تتعلق بالمطبخ والموسيقى وهواية الرياضة لتؤلّف محتوى لوائح من نوع آخر.
وتقول مايا صاحبة صفحة «كل شيء من كل مكان» (de tout et partout) إنها رأت في أسلوب البيع والشراء هذا مهنة جديدة تمارسها هي المتخصصة بإدارة الأعمال والتسويق وتعاني حاليا من البطالة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت الفكرة معي عندما رحت أعرض بعض أغراض منزلي للبيع أثناء فترة الإقفال التام في أبريل (نيسان) الفائت. ومن ثم كرّت السبحة بعدما أوكلتني صديقة ببيع أثاث منزلها إثر هجرتها بيروت إلى لندن».
«بلاك فرايداي» و«سايبر منداي» تطلقها أيضاً مايا في مواسمها وتقول: «لقد لمست إقبالا كبيرا من قبل متابعي صفحتي عندما أعلنت عبرها في تاريخ 11 الجاري عن تخفيضات في الأسعار تصل إلى 50 في المائة. فبلغت نسبة المبيعات زيادة ملحوظة تجاوزت الـ40 في المائة. وأنوي إعادة الكرّة في آخر يوم جمعة من هذا الشهر موعد إطلاق «بلاك فرايداي» العالمي. وفي الاثنين الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول) أفكر في الإعلان عن «سايبر منداي» الذي يتخلله أيضا تخفيضات كبيرة بالأسعار.
أفكار تتعلّق بهدايا أعياد الميلاد ورأس السنة استحدثها أصحاب هذه المحلات الرقمية لاجتذاب الزبائن. وتخصصّ مايا في هذا الموضوع صناديق ملونة أو مرسوم عليها باليد لجذب زبائنها وتعلّق: «أسلوب التسويق للغرض جديدا كان أو قديما يسهم في جذب الزبون وهو ما أعتمده حاليا في منشوراتي لأغراض العيد».
الرغبة في البيع تقابلها أخرى للشراء. فأحياناً الشخص نفسه الذي يتصل لبيع غرض ما تلفته قطعة إلكترونية أو خاصة بالإضاءة فيشتريها بدوره من على الصفحة نفسها. وتقول باميلا معوّض ربة منزل وأم لطفلين وتواكب باستمرار إعلانات البيع في هذه الأسواق المحلية الرقمية: «أنا بطبعي لا أحب الاحتفاظ بأشياء قديمة وكنت في كل مرة أفتح خزانتي أسأل نفسي كيف يمكنني التخلّص من أغراض لا أستعملها». وتضيف باميلا في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «حالياً صرت مدمنة على عمليات الشراء والبيع الافتراضية. وكلما صادفت غرضاً لا أحتاجه في بيتي أعرضه للبيع شرط أن يكون بحالة جيّدة. وفي المقابل أطلّ باستمرار على هذا النوع من الصفحات علّني أجد عبرها ما أحتاجه وبأسعار معقولة».
من ناحيتها، تشير فاتن وهي صاحبة صفحة إلكترونية تحمل عنوان «أحبّه مرتين»، إلى أنها لجأت إلى هذه الفكرة بسبب أوضاعها المادية التي تردّت بفعل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان. وتقول: «قررت وزوجي أن نتساعد في مصاريف المنزل ونضيف إليها مدخولاً إضافيا سيما وأن عندي ولدين». وتعبّر فاتن عن سعادتها في مهنتها الجديدة: «إنها مهنة جميلة تولّد علاقات عامة كثيرة بيني وبين الناس. الصعوبة الوحيدة التي تواجهني فيها هي ضرورة التفرّغ لها. فتصوير الغرض ونشره ومن ثم تلقي اتصالات الزبائن تتطلب مني وقتا طويلا».
وترى نتالي وهي هاوية شراء كتب مستعملة أن عمليات البيع هذه فتحت أمامها فرصاً كثيرة لشراء كتب تحبّها. وتتابع في سياق حديثها: «أحياناً أصادف كتباً مستعملة وبحالة جيدة جداً فلا أتردد في شرائها حتى لو تطلّب مني الأمر زيادة في ميزانيتي الشهرية لهذا الموضوع. ومؤخرا اشتريت 3 كتب للأطفال أضفتها إلى سلسلة يملكها أطفالي. فسعر الكتاب الواحد منها في المكاتب اليوم يفوق الـ100 ألف ليرة بعد ارتفاع سعر اليورو والدولار مقابل الليرة. ولكني كنت محظوظة بشراء الكتب الثلاثة بمبلغ 50 ألف ليرة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».