«تتبع بيانات المستخدمين» على مواقع التواصل... صراع الهيمنة والخصوصية

«تتبع بيانات المستخدمين» على مواقع التواصل... صراع الهيمنة والخصوصية
TT

«تتبع بيانات المستخدمين» على مواقع التواصل... صراع الهيمنة والخصوصية

«تتبع بيانات المستخدمين» على مواقع التواصل... صراع الهيمنة والخصوصية

كثيرون يتساءلون عن السر وراء ظهور إعلانات لمنتجات معينة بصفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ظهور إعلانات مرتبطة بمواقع معينة فور دخول الشخص للحيّز الجغرافي للمنطقة محل الإعلان!
هذا يحصل عبر خاصية/ خاصيات (Cookies) تسمح بتتبع بيانات المستخدمين (Users’ Data)، من خلال تطبيقات هواتفهم المحمولة، حتى إن كان الشخص لا يستخدم الهاتف أو هذه التطبيقات.
هذه الخاصية أصبحت الآن محل جدل كبير، ولذا يسعى عدد من مواقع التواصل وشركات التكنولوجيا لاستعادة المصداقية، عبر توفير مزيد من الخصوصية لبيانات المستخدمين، لا سيما أنه وفق خبراء إعلام، فإن «بعض المواقع أتاحت جمع معلومات عن سلوكيات المستخدمين، لاستهدافهم بإعلانات معينة. وهذه المعلومات تباع للمعلنين بشكل مباشر أو غير مباشر». ومن جانبها، أعلنت «مواقع التواصل الاجتماعي عزمها تغيير شروط الخصوصية، بحيث لا يسمح بتتبع بيانات المستخدمين»، لكن الخبراء «لا يتوقعون أن تتخذ شركات التكنولوجيا الاتصالاتية إجراءات جادة لحماية البيانات».
والواقع أنه على مدار الأسابيع القليلة الماضية، انشغل المشرفون على مواقع التواصل، وكذلك المشتغلون في صناعة وتسويق الإعلانات الرقمية، بالتحديثات الجديدة التي تنوي بعض شركات التكنولوجيا إطلاقها، بحجة «حماية خصوصية بيانات المستخدمين»، الأمر الذي يراه الخبراء مهدداً لـ«سوق الإعلانات الرقمية».
فادي رمزي، خبير الإعلام الرقمي في مصر، أوضح لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه أنه «بدأت تفاصيل بيانات المستخدمين في الظهور قبل نحو 4 سنوات... وفي تلك الفترة، بدأت الهواتف المحمولة تسمح للتطبيقات بالعمل في الخلفية، ما يتيح لها تتبع سلوك المستخدمين ومواقعهم».
وأردف أن «هذه الخاصية أتاحت لمواقع التواصل جمع معلومات عن سلوكيات المستخدمين، والأماكن التي يذهبون إليها، لاستهدافهم بإعلانات معينة، تظهر للشخص فور الحديث عن منتج أو شخص أو دخوله منطقة جغرافية محددة. وهذه البيانات تباع للمعلنين بشكل مباشر أو غير مباشر».
وتابع رمزي شارحاً أنه «في ظل أزمة (كوفيد-19)، ومع الضغط المستمر على (فيسبوك) و(تويتر) و(أمازون) و(غوغل) و(آبل)، بدأت الشركات تتخذ إجراءات للحد من خاصية تتبع بيانات المستخدمين، وكان أول من فعل ذلك (فيسبوك) الذي أتاح للمستخدمين إمكانية إغلاق خاصية جمع البيانات من التطبيقات الأخرى. واتخذ (تويتر) خطوات مماثلة، وبدأ بحذف الحسابات غير الصحيحة، فبلغ عدد ما حذفه أكثر من 150 مليون حساب، كذلك وضع علامات تحذيرية على بعض التغريدات، حفاظاً على المصداقية وحماية للبيانات الخاصة. أما (غوغل)، فما زال لم يتخذ خطوات صريحة في هذا الأمر».
يوتام أوفير، أستاذ الإعلام بجامعة ولاية نيويورك الأميركية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «قضية خصوصية بيانات المستخدمين أثيرت من قبل في أعقاب فضيحة (كمبريدج أناليتيكا). وقد أصدرت شبكة (نتفليكس) فيلماً وثائقياً يشرح كيف تم بيع وتسريب بيانات المستخدمين. وفي الفترة الأخيرة، أصدرت فيلماً آخر حول التلاعب بمستخدمي مواقع التواصل، واستغلال بياناتهم، وبيعها للمعلنين؛ لكن هذا لم يغير من سلوكيات الأفراد على مواقع التواصل، رغم التحذيرات بشأن الخصوصية».
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أطلقت منصة «نتفليكس» فيلماً وثائقياً حول مواقع التواصل، حمل اسم «معضلة التواصل الاجتماعي»، تحدثت فيه عن «التلاعب بالمستخدمين، بصفتهم السلعة الرئيسية التي تبيعها هذه المواقع للمعلنين، من خلال استهدافهم بالإعلانات، بناء على المعلومات التي يصار إلى جمعها عنهم عبر التطبيقات المختلفة»، في حين شرعت مواقع التواصل في الإعلان عن عزمها تغيير شروط الخصوصية، بحيث لا يسمح بتتبع بيانات المستخدمين، واستخدامها لأغراض إعلانية، من دون موافقتهم. لكن أوفير لا يتوقع أن تتخذ شركات التكنولوجيا إجراءات حقيقية جادة لحماية بيانات المستخدمين، لأنها السلعة الرئيسية التي تعتمد عليها هذه الشركات، من خلال بيعها للمعلنين، حتى إن أعلنت عن تطبيقات جديدة لهذا الغرض، أو غيرت من شروط الخصوصية.
رمزي، من جهته، يرى أن «خاصية السماح للمستخدمين بالموافقة على تتبع بياناتهم أو الرفض، رغم أنها تبدو جيدة للوهلة الأولى، وتخلي مسؤولية شركات التكنولوجيا أخلاقياً عن بيانات المستخدمين، فإن الواقع مختلف. فعادة ما تكتب هذه الشروط بطريقة يصعب قراءاتها وفهمها للمستخدم العادي الذي عادة ما يضغط زر الموافقة، دون قراءة»، ثم أشار إلى أن «هذا كان أحد الأسئلة التي وجهت لرؤساء (آبل) و(فيسبوك) و(غوغل) و(أمازون) في جلسة الاستماع أمام الكونغرس الأميركي أخيراً، وقيل إن هناك تعمداً في كتابة شروط الاستخدام بهذه الطريقة».
وفي السياق ذاته، أعلنت «آبل»، خلال يوليو (تموز) الماضي، اعتزامها توفير ميزة خصوصية تحمل اسم «إيه تي تي» (أي: شفافية تتبع التطبيقات)، من خلالها يتعذر على التطبيقات تتبع بيانات المستخدمين من دون إذنهم، ما يجعل من الصعب على المعلنين تتبع المستخدم، واستهدافه بإعلانات على المواقع التي يتصفحها. وقد دفع هذا «فيسبوك» للهجوم على «آبل»، بحجة أن هذا سيعيق بعض الخدمات الإعلانية التي تقدمها. وقالت الشركة حينها إن «هذا سيؤدي إلى تراجع عائدات الإعلانات الرقمية بنسبة 50 في المائة».
ومع أن «آبل» أجلت تنفيذ هذا التعديل إلى العام المقبل «لمنح المطورين مزيداً من الوقت للتكيف مع التحديث الجديد»، وفقاً لتصريحات رسمية، فإن الصراع بين الشركتين العملاقتين ما زال مستمراً، إذ أصدرت «فيسبوك» أخيراً بياناً اتهمت فيه «آبل» بـ«التظاهر بحماية خصوصية العملاء، بينما هي تبحث في الحقيقة عن مزيد من الأرباح من خلال إغلاق منتجات إعلانية خاصة بهم».
وأضاف بيان «فيسبوك» أن «شركة (آبل) تراقب وتتتبع بيانات المستخدمين من دون علمهم، ولديها تاريخ في هذا المجال. وما تفعله حالياً هو نوع من تشتيت الانتباه عن انتهاك خصوصية ملايين المستخدمين لخدمة (فيس تايم)».
وعلى صعيد ذي صلة، يصف أليكس هيث، الصحافي الأميركي المتخصص في أخبار التكنولوجيا، في تغريدة له، الجدل الدائر بين «فيسبوك» و«آبل» بأنه «الأسوأ في الصراعات المتعارف عليها بينهما على مدار العقود الماضية، لكون الشركتين العملاقتين في مجال التكنولوجيا تدخلان صراعاً مشوقاً على بيانات المستخدمين!».
وعودة إلى فادي رمزي، فإنه يقول إنه «غير مفهوم حتى الآن لماذا أجلت شركة (آبل) تنفيذ هذا التحديث. لكن في كل الأحوال، ستؤثر هذه التغييرات على الإعلانات الرقمية بشكل سلبي»، مضيفاً أن «أرباح المعلنين تأثرت فعلاً بـ(كوفيد-19)، وستتأثر أكثر بتغيير شروط تتبع بيانات المستخدمين، وبيعها للمعلنين».

وتابع قائلاً: «هناك صراع من أجل الهيمنة على البيانات في العالم، تظهر ملامحه في الجدل الدائر حول تطبيق (تيك توك). ومكمن الأزمة أن أميركا كانت حتى وقت قصير هي المهيمنة على بيانات المستخدمين، إلا أن الصين دخلت اليوم منافساً قوياً على السيطرة على بيانات المستخدمين... والمتوقع أن يستمر الصراع مستقبلاً لأن هذه البيانات تشكل مصدر قوة اقتصادية».
ويتوقع أوفير، من جهته، أن «يستمر الصراع على بيانات المستخدمين... لأنها السلعة الرئيسية في العصر الحديث، وبالتأكيد ستتأثر سوق الإعلانات بهذا الصراع».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.