«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين

رئيس تحرير مجلة «شارلي إيبدو» وضع على قوائم الاغتيال لتنظيم القاعدة في عام 2013

«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين
TT

«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين

«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين

تظهر العملية الإرهابية التي نفذها الأخوان شريف وسعيد كواشي، المشتبه بهما في الاعتداء الدامي على المجلة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» (التي عُرفت بنقدها اللاذع للأديان الرئيسية في العالم والسياسيين والمشاهير) نوعا من التقارب بين جيل متطرف وآخر، وبين تأثيرات متشددة مختلفة.
يعبّر النائب في البرلمان الفرنسي ألان مارسو في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن ذهوله من العنف المستخدم لتنفيذ هذه الجريمة، وأيضا من الهدف المختار، قائلا: «لقد سبق لي أن نبهت في مجلس النواب إلى أننا سنكون عرضة لهجمات، نتيجة انخراطنا في أفريقيا (في محاربة مختلف المجموعات الإرهابية)، وأيضا انضمامنا إلى التحالف الدولي (في العراق). فحسب تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية، يزيد عدد الفرنسيين المشاركين في القتال في العراق وسوريا عن ألف شخص، ولا نعرف الشيء الكثير عنهم. أضف إليهم مجموعة من المتعصبين المتطرفين الذين لديهم ماضٍ متطرف حافل، مما يزيد الأمور تعقيدا».

تم التعرف سريعا على الأخوين كواشي، مرتكبي مجزرة «شارلي إيبدو»، بعد العثور على بطاقة هوية أحدهما في مسرح الجريمة، وهما معروفان جيدا من أجهزة مكافحة الإرهاب في فرنسا. ففي عام 2008، حوكم شريف كواشي الذي كان ملقبا بـ«أبو حسن» في قضية «الخلية العراقية في الدائرة الـ19 من باريس»، وحُكم عليه في 14 مايو 2008 بالسجن لمدة 3 سنوات. واتهمت هذه الخلية حينها بتحريض مجموعة من الشباب الفرنسيين كلهم ما دون الـ25 عاما، والقاطنين بالدائرة الـ19 في باريس، للسفر للقتال في العراق بين عامي 2003 و2005.
من جهته، يعتبر الباحث كريم إميل بيطار بدوره، في مداخلته مع «الشرق الأوسط» أن نقطة التحول التي أدت إلى تطرف هؤلاء الشباب هي غزو العراق عام 2003: «فهم كانوا متطرفين قبل أن يجري نشر الرسوم الكاريكاتيرية (للنبي محمد)، وحرب العراق هي الدافع المحرك لتطرفهم. أما حادثة (شارلي إيبدو)، فتشير إلى بعدين متداخلين: البعد الأول جيوسياسي، والبعد الثاني له علاقة بحرب ثقافية وبحرية التعبير»، على حد تعبيره.
ضمت «الخلية العراقية في الدائرة 19» 7 متهمين، أبرزهم ثامر بوشناق وشريف كواشي ومحمد عيوني وبوبكر الحكيم، واتهموا حينها «بالتآمر من أجل التحضير لأعمال إرهابية».
وعلى غرار المتهمين الآخرين، تعرف شريف كواشي على «التطرف»، بعد أن راح يتردد في عام 2003 على مسجد «الدعوة» في منطقة ستالينغراد في باريس، حيث التقى الداعية فريد بن ييتو.

* من هو بن ييتو؟
* وُلد بن ييتو في باريس عام 1981. وعاش منذ سن الـ16 مع زوج أخته، يوسف زموري، وهو جزائري أصولي اتهمته الشرطة بانتمائه إلى الجماعة الجزائرية السلفية للدعوة والقتال (GSPC)، واعتُقل وسُجن مع 5 نشطاء آخرين في مايو (أيار) 1998 بعدما قاموا بالإعداد «لهجوم إرهابي» خلال مباريات كأس العالم، متأثرا بالداعية بن ييتو، بدأ المراهق كواشي أولى خطواته في درب التطرف من خلال مشاهدة أشرطة فيديو وتصفح مواقع إسلامية متطرفة. أغضبته صور التعذيب في سجن أبو غريب، كما التدخل الأميركي والبريطاني في مارس (آذار) 2003 في العراق، وفقا لصحيفة «لوموند» الفرنسية.
لم يتمكن ثامر بوشناق وشريف كواشي من تحقيق مخططهما المتطرف في ذلك الوقت، حيث قبضت الشرطة عليهما في باريس في يناير (كانون الثاني) من عام 2005، وهما في طريقهما ليستقلا طائرة إلى دمشق. في حين تمكن باقي أعضاء الخلية، مثل «عيوني» من الوصول إلى العراق، والالتحاق في منطقة الفلوجة الواقعة غرب بغداد بمجموعة «جيش محمد» التابعة لأبو مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في العراق وقتها. أما بوبكر الحكيم، فقد تمكن من دخول العراق والمكوث فيه لفترات متلاحقة قبل أن يدان في قضية «خلية الدائرة 19» في 2008، وتنزل به العقوبات الأشد مقارنة بأعضاء الخلية الباقين.
وخلال السنة ونصف السنة التي قضاها كواشي في سجن فلوري - ميروجيس (إيسون) من يناير (كانون الثاني) 2005 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2006، تعرف على جميل بيغال الذي بات مرشده الجديد. وكان بيغال الذي يطلق على نفسه اسم «أبو حمزة» يقضي عقوبة السجن لمدة 10 سنوات بتهمة تدبير هجوم إرهابي في عام 2001، على السفارة الأميركية في باريس. اعتقل بقال في يوليو (تموز) 2001 أثناء عودته إلى فرنسا من دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن قضى فترة طويلة في باكستان وأفغانستان، حيث توجد معسكرات تدريب تنظيم القاعدة.
عاود شريف كواشي نشاطه الإرهابي، بعد خروجه من السجن. إذ ورد اسمه مع أعضاء آخرين ضمن «خلية الدائرة الـ19»، أو خلية «بوت شومون»، حين حاول تهريب إسماعيل عيط علي بلقاسم من السجن، وهو أحد أبرز المخططين للاعتداء الذي نُفذ عام 1995على محطة ميترو في باريس (موزيه دورساي) وأسفر عن 30 جريحا.
وعليه، أدخل كواشي السجن مجددا في 25 مايو (أيار) 2010، غير أنه سرعان ما أُخلي سبيله في 11 أكتوبر، من العام نفسه، لعدم توافر الأدلة، وفي 26 يوليو (تموز) 2013 أصدرت النيابة العامة في باريس قرارا بحفظ الشكوى. كما استُجوب بيغال في هذا الإطار، فمن مكان إقامته الخاضع للرقابة في «كانتال»، كان جميل بيغال يشرف على التحضيرات لعملية هروب إسماعيل عيط علي بلقاسم من السجن، وفق ما حوت لائحة الاتهام النهائي التي أصدرتها النيابة العامة في 26 يوليو 2003، ونشرتها الصحيفة الفرنسية «لوموند». ورد في هذه القضية أيضا اسم الشقيق الأكبر سعيد كواشي، إنما لم تتم محاكمته لعدم توفر أدلة كافية.

* سليم بن غالم.. جلاد «داعش»
* والمثير للاهتمام في هذه القضية هو تورط شخصية أخرى سليم بن غالم؛ رجل كان قد قضى عقوبة السجن في فرنسا «لمحاولة القتل». «وبن غالم» مصنف اليوم من قبل الولايات المتحدة كأحد أبرز «الجلادين» في تنظيم «داعش» في سوريا، وتم إدراج اسمه في أواخر سبتمبر (أيلول) 2014 على القائمة السوداء لوزارة الخارجية الأميركية مع 9 إرهابيين آخرين اعتُبروا شديدي الخطورة.
تردد اسم شخص ثالث، حمدي كوليبالي، في الحوادث التي وقعت الأسبوع الماضي في فرنسا، وأعلنت الشرطة الفرنسية أن كوليبالي هو المسؤول عن إطلاق النار في منطقة «مونت روج» يوم الخميس 8 يناير (كانون الثاني)، وقتل شرطية، ومن ثم اختطاف رهائن في متجر في «بورت فينسن». وعلى غرار الأخوين كواشي، ارتبط اسم كوليبالي بمحاولة تهريب إسماعيل عيط علي بلقاسم، وبجميل بيغال.
من ناحية ثانية، أوردت محطة CNN الأميركية هذا الأسبوع، نقلا عن مصدر مسؤول أميركي، أن سعيد كواشي كان قد تدرب مع تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في عام 2011 لعدة أشهر. غير أن وزارة الداخلية الفرنسية وفي اتصال مع صحيفة «إكسبرس» الفرنسية لم تؤكد حتى الآن هذه المعلومات، واكتفت بالتأكيد أن سعيد كواشي سبق له أن زار عُمان (البلد المتاخم لليمن).
إلى ذلك، يعتبر الخبير فابريس بالانش، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «الأجيال من المتطرفين تتداخل فيما بينها، وأن علاقة وثيقة تربطها، فمتطرفو أفغانستان القدامى دربوا المتطرفين في البوسنة والجزائر في التسعينات، ومن ثم قام المقاتلون الذين شاركوا في حرب العراق عامي 2003 و2004 بتدريب جماعات العنف المسلح الدينية الموجودين اليوم في سوريا. وليس ما هو مفاجئ في هذه الظاهرة، إذ من الواضح أن المتطرفين القدامى يتمكنون بكل سهولة من العودة إلى فرنسا، من دون أن يقلقوا من الأجهزة الأمنية، بما أن سر انخراطهم في هذه النشاطات هو في مأمن، وبما أنهم يستفيدون من دعم لوجيستي في فرنسا عبر جماعات متطرفة تغذيهم وتحميهم»، على حد قوله.

* الخلايا الإرهابية المتقاطعة
* عاد الحديث عن «الخلية العراقية في الدائرة 19»، مجددا عام 2013 حين اشتُبه بأنها استأنفت نشاطها الإرهابي في تونس، إثر اغتيال اثنين من المعارضين السياسيين؛ شكري بلعيد والنائب محمد براهمي في 6 فبراير (شباط) و25 يوليو من العام نفسه. وقد تبنى هذه الجرائم أعضاء «أنصار الشريعة» وهي جماعة سلفية راديكالية تم إنشاؤها في مايو 2011 أقسمت الولاء لـ«داعش»، وشارك معهم العضو الرابع في «خلية الدائرة الـ19» الفرنسي التونسي بوبكر الحكيم المعروف أيضا باسم «أبو مقاتل»، والمقرب من شريف كواشي.
ووفقا لوزارة الداخلية التونسية، فإن «أبو مقاتل هو عنصر إرهابي من بين الأكثر خطورة، وهو ملاحق دوليا» لمشاركته بتهريب الأسلحة في تونس، بحسب صحيفة «لوموند».
من ناحية ثانية، وبالنسبة إلى الجريمة الدامية التي هزت العاصمة الفرنسية، لا يمكن إبعاد أصابع الاتهام عن «تنظيم القاعدة في اليمن»، أولا بسبب الإشاعات حول خضوع سعيد كواشي لتدريبات في اليمن، وأيضا نتيجة تهديدات «القاعدة» لأعضاء فريق تحرير «شارلي إيبدو». ففي شهر مايو من عام 2013، أدرج اسم رئيس تحرير المجلة الساخرة الفرنسية على قائمة الشخصيات المستهدفة من «القاعدة». وفي العدد السادس من المجلة الفصلية الصادرة باللغة الإنجليزية «إنسباير» (Inspire) والمخصصة للمتطرفين، برز اسم ستيفان شاربونيه من بين 10 شخصيات أخرى تحت عنوان «مطلوب حيا أو ميتا لارتكابه جرائم ضد الإسلام».
وقد أهدر دمه إلى جانب الرسام الكاريكاتيري الدنماركي كورت ويستيرغارد، الذي رسم كاريكاتيريا للنبي محمد عام 2005، والمفكر البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي.
وبعد أسبوع من الهجوم المروع الذي نفذه الأخوان كواشي على مكاتب «شارلي إيبدو»، من الحري أن نتساءل عن الصلات التي قد تكون قائمة بين جميع المستفيدين من هذه العملية، بما في ذلك الأخوان كواشي في فرنسا، وبن غالم في سوريا، والحكيم في تونس، وأيضا ما مدى تأثير «داعش» في العراق وسوريا، أو «أنصار الشريعة» في تونس، أو تنظيم القاعدة في اليمن، على المجزرة التي وقعت في مكاتب «شارلي إيبدو».
وفي هذا السياق، يشير بيطار إلى أن «هذه الحادثة سلطت الضوء على شكل جديد من التطرف، فهؤلاء الأشخاص يستلهمون تطرفهم من أسباب مختلفة، ويقيمون علاقات مع جماعات متنوعة، كما أن انتماءاتهم باتت متعددة، بحيث نرى بعضا من المتطرفين ينتقلون من النصرة إلى (داعش). ولا بد أيضا من التأكد ما إذا كان للجماعات التونسية أو اليمنية دور في هذه الحادثة». وذلك رغم التبني لهجوم «شارلي إيبدو» المزدوج لـ«القاعدة في اليمن» على لسان المسؤول الشرعي في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حارث النظاري، الذي هدد فرنسا بهجمات جديدة.
أما بالانش، فيرى أن العلاقات التي لا شك كانت قائمة بين المشتبه بهما مع شبكات في العراق وسوريا، هي «علاقات غير رسمية تربط جماعات مستقلة تتشارك فيما بينها آيديولوجيا التطرف فحسب، من دون أن تتمتع بتنظيم ممنهج على غرار الأحزاب البلشيفية، مما يزيد من صعوبة القضاء عليها. فأفعالها ليست منسقة أو مخططة بعناية، بل هي فوضوية وعشوائية، إنما فعالة بما أن هدفها الأول والأخير هو الإرهاب».
منذ بداية الأزمة السورية، عبرت أجهزة الاستخبارات عن خشيتها من أن ينفِّذ الإرهابيون الشباب الذين تدربوا على الأراضي السورية هجمات إرهابية في فرنسا. غير أن الهجوم المروع لم يأتِ هذه المرة من الجيل الشاب، إنما من الجيل الأقدم، الذي تركت حرب العراق وتنامي التطرف في الشرق الأوسط بعد «الربيع العربي»، تأثيرا كبيرا عليه.

* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».