تقاذف اتهامات بإجهاض الخطة الإصلاحية في لبنان

بعد انسحاب شركة مكلّفة بالتدقيق في حسابات المصرف «المركزي»

تبادل اتهامات في لبنان بعد انسحاب الشركة المكلفة إجراء تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي (رويترز)
تبادل اتهامات في لبنان بعد انسحاب الشركة المكلفة إجراء تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي (رويترز)
TT

تقاذف اتهامات بإجهاض الخطة الإصلاحية في لبنان

تبادل اتهامات في لبنان بعد انسحاب الشركة المكلفة إجراء تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي (رويترز)
تبادل اتهامات في لبنان بعد انسحاب الشركة المكلفة إجراء تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي (رويترز)

لجأت قوى سياسية لبنانية إلى البرلمان لتجاوز العقبات القانونية التي حالت دون إجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي، وسط جدل حول من يتحمل مسؤولية إجهاض الخطة الإصلاحية، واتهامات لقوى سياسية ومصارف بممارسة ضغوط لإحباط خطوة التدقيق الجنائي التي دفعت باتجاهها حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة.
وبعد انسحاب شركة «ألفاريز ومرسال» التي تعاقدت معها الحكومة اللبنانية قبل أشهر لإجراء التدقيق الجنائي في الحسابات، بسبب عدم حصولها على المعلومات الكافية للقيام بالتدقيق، أعلن رئيس لجنة «المال والموازنة» النيابية النائب إبراهيم كنعان، أنه سيتقدم باقتراح قانون للتدقيق الجنائي على كل حسابات الدولة من مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمؤسسات العامة. وقال إن الاقتراح الذي ينوي التقدم به «يسمح بالتدقيق بشكل دائم، وهو اقتراح تعديل يزيل العوائق أمام السرية المصرفية والسرية المهنية الواردة في المادة 151 من قانون النقد والتسليف».
ويمثل نظام «السرية المصرفية» المعمول به في لبنان، واحداً من أبرز العقبات القانونية التي حالت دون تقديم مصرف لبنان كامل المعلومات التي طلبتها شركة التدقيق، مبرراً قراره بأن ذلك يتعارض مع قانون «النقد والتسليف» الذي يحدد عمل مصرف لبنان وصلاحياته وآليات عمله، ويحمي نظام «السرية المصرفية».
ولا يقتصر التوجه إلى البرلمان لإجراء تعديلات قانونية، على الاقتراح الذي ينوي كنعان التقدم به، فقد سبقه إلى ذلك رئيس لجنة «الإدارة والعدل» النائب جورج عدوان الذي تقدم باقتراح قانون في الأسبوع الماضي يقضي بتعليق العمل بقانون سرية المصارف الصادر في عام 1956، وجميع المواد التي تشير إليه، لمدة سنة، تسري من تاريخ نشر القانون الجديد في كل ما يتعلق بعمليات التدقيق المالي، و(أو) التحقيق الجنائي التي تقررها الحكومة على حسابات المصرف المركزي، أياً تكن طبيعة هذه الحسابات، ولغايات هذا التدقيق ولمصلحة القائمين به حصراً، وسواء تمت بواسطة أشخاص من الحق العام أو من الحق الخاص، محلية أو دولية. ويشمل مفعول التعليق كل الحسابات التي تدخل في عمليات التدقيق. ويقضي الاقتراح بأن تبقى أحكام قانون سرية المصارف سارية في كل ما عدا ذلك.
وأثار التعاقد مع الشركة جدلاً سياسياً بين من يرى أنه يجوز التدقيق في ظل وجود نظام السرية المصرفية، وبين من يقول إنه يحتاج إلى تعديلات قانونية. وبعد إعلان الشركة أول من أمس الجمعة انسحابها من المهمة، توجهت اتهامات لقوى سياسية بإحباط التدقيق.
وقال النائب كنعان: «غياب الإرادة السياسية أساس الالتفاف على العمليات السابقة والحالية للتدقيق، من متورطين لا يريدون كشف الحقائق، ومن شعبويين يتلهون بسجالات لا طعم لها، بينما المطلوب الذهاب إلى تفكيك كل الذرائع أمام إنجاز التدقيق». وقال إن «إزالة العوائق كانت تتطلب مواكبة تشريعية بمعزل عن اختلاف الآراء على الحاجة لها من عدمها». ورأى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، أن «الحقيقة وحدها تحررنا، ووحده التحقيق الجنائي يكشف حقيقة صرف أموال اللبنانيين وجنى عمرهم ويفضح المرتكبين». واعتبر أن «تعطيل التدقيق الجنائي جناية».
أما نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، فقال إن «المبررات التي سيقت لإفشال التحقيق الجنائي في الواقع المالي لمصرف لبنان غير مقبولة، واستمرار التعمية على واقع المصرف سيؤدي إلى مزيد من التدهور». وقال قاسم في تصريح: «نحن نصر على ضرورة وأولوية التحقيق الجنائي، ولا يصح أن نسلِّم بالفشل والإفشال، ولا ينفع تقاذف المسؤوليات»، داعياً للعمل على التحقيق الجنائي.
وإثر تبادل الاتهامات، أشار رئيس الهيئة التنفيذية في «حركة أمل» مصطفى الفوعاني، إلى أنه «انطلاقاً من المطالبة بوحدة المعايير في العمل والمحاسبة، فإن حركة (أمل) (التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) أكدت منذ اليوم الأول أنها مع التدقيق الجنائي الشامل في ملفات الكهرباء والمصرف والاتصالات، وكل الوزارات والإدارات الرسمية ومؤسسات الدولة». وقال: «من يستهدف قلب الحقائق ويدعي العفة، فهم مرتبطون بعنوان إصلاح بلا مضمون، يحاضرون بعفة التغيير ويمارسون بغي مصالحهم».
ولم يتوقف الجدل الذي أثاره انسحاب شركة التدقيق الجنائي، إذ قال الوزير السابق كميل أبو سليمان، إن «انسحاب شركة (Alvarez& Marsal) خطوة إضافية في مسار لبنان نحو الجحيم، تتحمل مسؤوليتها الأكثرية السياسية والمالية الفاسدة». وقال أبو سليمان إنه «للتخفيف من وطأة ذلك، المطلوب أولاً إعادة التواصل سريعاً مع صندوق النقد الدولي؛ لأن لا حل للأزمة إلا عبر المرور بصندوق النقد كما أشرنا مراراً، ونحن لا نملك ترف الوقت». وطالب أبو سليمان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب «بالتوقف عن الحرد وقيامه مع الوزراء بواجباتهم الدستورية. فاجتهادات المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة وهيئة التشريع والاستشارات واضحة بشأن تصريف الأعمال، إذ يتوجب عليهم اتخاذ قرارات بشأن الأمور الملحة التي لا تحتمل تأجيلاً». ودعا إلى «توقف المنظومة المصرفية وحلفائها السياسيين والإعلاميين عن عرقلة المفاوضات مع صندوق النقد والتدقيق المالي الجنائي».



مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)
عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)
TT

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)
عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)

تتّجه قناة السويس المصرية إلى «تنويع مصادر دخلها»، عبر التوسع في تقديم الخدمات الملاحية والبحرية للسفن المارّة بالمجرى الملاحي، في محاولة لتعويض خسائرها الناتجة عن تراجع حركة السفن التجارية، بسبب توتّرات البحر الأحمر.

وأعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، الاثنين، عن «استراتيجية لتحويل القناة إلى منصة إقليمية لتقديم الخدمات اللوجيستية»، في خطوة وصفها خبراء بالمهمة لتعويض التراجع في إيرادات القناة.

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غيَّرت بعض شركات الشحن العالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفنَ المارّة بالممرّ الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة».

وسبق أن أشارت مصر إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده فقدت ما بين 50 إلى 60 في المائة من دخل قناة السويس، بما قيمته أكثر من 6 مليارات دولار خلال 8 أشهر».

وتحدّث رئيس هيئة قناة السويس عن خطة لتوسيع خدمات القناة الملاحية والبحرية، خلال اجتماع مع وزير المالية المصري أحمد كجوك، الاثنين، لمناقشة موارد القناة المالية.

وقال ربيع إن «القناة تسعى لتنويع مصادر دخلها، وعدم الاقتصار على رسوم عبور السفن فقط»، مشيراً إلى أن الخطة تتضمن «تحويل القناة لمنصة إقليمية لتقديم الخدمات اللوجيستية، وتعزيز التوجه الوطني لتوطين الصناعات البحرية، بتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص».

وأوضح ربيع أن «قناة السويس حقّقَت تقدماً في دعم شركاتها العاملة بمجال خدمات صيانة وإصلاح السفن، وتقديم الخدمات البحرية»، وأشار إلى شركات حديثة للهيئة، منها «شركة تنمية الموانئ، وأخرى مختصة بصناعة اليخوت البحرية».

الفريق أسامة ربيع يبحث مع وزير المالية المصري استراتيجية تنمية إيرادات القناة (هيئة قناة السويس)

وبحسب رئيس هيئة قناة السويس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تراجعت أعداد السفن المارّة من 25887 سفينة خلال العام المالي الماضي (2022 - 2023)، إلى 20148 سفينة خلال العام المالي الحالي (2023 - 2024).

وباعتقاد مستشار النقل البحري المصري أحمد الشامي، فإن تنويع خدمات قناة السويس الملاحية «سيجذب شركات الشحن العالمية للعبور من القناة مرة أخرى»، مشيراً إلى أن «القناة بدأت في تحديث خدماتها بالمشاركة مع شركات عالمية في هذا المجال، ما سيُسهم في زيادة الموارد».

وأشاد الشامي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، باستمرار إدارة القناة في مخطط التطوير، وتنفيذ أعمال الازدواج الكامل للمجرى الملاحي، مشيراً إلى أن ذلك «يعزّز قدراتها في استيعاب كبرى الناقلات العالمية».

وشهدت قناة السويس، الجمعة الماضي، مرور الحوض العائم «دورادو» القادم من سنغافورة إلى تركيا، كأكبر وحدة عائمة تعبر القناة في تاريخها، حسب إفادة من القناة.

ودعا مستشار النقل البحري المصري إلى توسيع قناة السويس لشراكاتها الملاحية مع دول الجوار، وقال: «يمكن التوسع في خدمات القناة، بالتعاون عبر وسائط متعدّدة تشمل دولاً أخرى في المنطقة العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط، مثل قبرص واليونان»، مشيراً إلى أن «التكامل مع هذه الدول سيُسهم في زيادة موارد الملاحة بقناة السويس، وأيضاً الموانئ البحرية المصرية».

وفي سبتمبر الماضي، بحث رئيس هيئة قناة السويس مع رئيس الهيئة العامة للنقل السعودي، رميح بن محمد رميح، «تعزيز التعاون في مجال تقديم الخدمات اللوجيستية والسياحة البحرية»، مشيراً إلى أن «القناة اتخذت إجراءات للتعامل بمرونة مع تحديات الملاحة في البحر الأحمر، منها استحداث حزمة جديدة من الخدمات الملاحية لم تكن تُقدَّم من قبل، كخدمات القَطْر والإنقاذ وصيانة وإصلاح السفن، ومكافحة التلوث والانسكاب البترولي، وخدمات الإسعاف البحري، وغيرها».

وبمنظور الخبير الاقتصادي المصري، وليد جاب الله، فإن «قناة السويس تمر بمرحلة صمود، في ضوء تأثرها بالأوضاع الإقليمية»، وقال إن «إدارة القناة تبحث عن بدائل لمواردها غير رسوم عبور السفن، من أجل تجاوز تلك المرحلة، عن طريق تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في الخدمات التي تقدّمها».

وعدّ جاب الله، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «توسّع القناة في تنوّع مصادر دخلها، هدف قائم منذ فترة وتسعى لتحقيقه، من خلال مشروع المنطقة الاقتصادية، لاستثمار موانئ وأراضي المنطقة»، مشيراً إلى أن «نجاح تلك الإجراءات مرهون بزيادة أعداد السفن العابرة للقناة»، وتوقّع في نفس الوقت انفراجة في أزمة حركة الملاحة البحرية بالبحر الأحمر، العام المقبل، مع تولّي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مهامه رسمياً، وتنفيذ تعهّده بإنهاء التصعيد والصراعات العالمية، ومنها التوتر في البحر الأحمر.