طرابلس تتمسك بإدراج ميليشيا «الكانيات» في «القائمة السوداء» الأممية

حفتر يلتقي وفداً من أعيان قبيلة الحساونة أمس (الجيش الوطني الليبي)
حفتر يلتقي وفداً من أعيان قبيلة الحساونة أمس (الجيش الوطني الليبي)
TT

طرابلس تتمسك بإدراج ميليشيا «الكانيات» في «القائمة السوداء» الأممية

حفتر يلتقي وفداً من أعيان قبيلة الحساونة أمس (الجيش الوطني الليبي)
حفتر يلتقي وفداً من أعيان قبيلة الحساونة أمس (الجيش الوطني الليبي)

استغرب مسؤول عسكري ليبي بعملية «بركان الغضب» التابعة لحكومة «الوفاق» الموقف الروسي المعارض لمعاقبة ميليشيا «الكانيات» على ما قال إنها «جرائم ارتكبتها في مدينة ترهونة» قبل هروبها مطلع يونيو (حزيران) الماضي، وقال إن «مواطني المدينة الواقعة على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس، عاشوا معاناة كبيرة على مدار قرابة عشر سنوات، ولم يتحرروا إلا مع هروب هذه العصابة».
وأضاف المسؤول لـ«الشرق الأوسط» مشترطاً عدم ذكر اسمه؛ لأنه غير مخوَّل له الحديث إلى وسائل الإعلام، أن «شهادات المواطنين الذين عايشوا تورط عائلة (الكانيات) في تعذيب معارضيهم متوفرة، وباتت معروفة للجميع، ويمكن لروسيا أو غيرها من الدول الاطلاع عليها، إذا كانت تريد مزيداً من الأدلة على مقتل 128 مواطناً عثر على رفاتهم في 26 مقبرة جماعية بالمدينة ومحيطها... وعشرات تمت تصفيتهم وتخزين جثثهم في ثلاجات الموتى، وحاويات حديدية، أو إلقاؤهم في الآبار المهجورة».
وكانت ستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممية لدى ليبيا، قد حثت مجلس الأمن الدولي في إفادة قدمتها نهاية الأسبوع عبر «الفيديو» عن الأوضاع في ليبيا، على إدراج أي شخص يعرقل جهود السلام في «قائمة سوداء» بعد أن اتفق الطرفان المتحاربان على وقف إطلاق النار، وحدد المشاركون الليبيون في المحادثات السياسية موعداً للانتخابات.
واقترحت بريطانيا وأميركا وألمانيا أن تضم «لجنة عقوبات ليبيا» التابعة لمجلس الأمن، محمد الكاني، وميليشيا «الكانيات» إلى «القائمة السوداء»، بوصفهما «من أشد منتهكي حقوق الإنسان فظاعة في ليبيا»؛ خصوصاً بعد الكشف عن «المقابر الجماعية»؛ لكن روسيا عارضت المقترح، وقالت إنها تريد رؤية «مزيد من الأدلة أولاً على قتلهما مدنيين».
وقال دبلوماسي روسي لزملائه بمجلس الأمن في مذكرة، اطلعت عليها «رويترز»، إن «دعمنا في المستقبل ممكن؛ لكنه مشروط بتقديم دليل قاطع على تورطهم في قتل مدنيين». وأمام الموقف الروسي الرافض، قال المسؤول العسكري الليبي، إن بعثة الأمم المتحدة تلقت تقارير عديدة، تتعلق بالجرائم التي ارتكبتها «الكانيات» بحق مدنيين ونشطاء وأسرى حرب، بالإضافة إلى مسؤول أمني رفيع عثر على جثته في إحدى المقابر الجماعية بترهونة، مشيراً إلى توفر الأدلة والبراهين على أن هذه الميليشيا التي كانت تساند «المعتدي»، في إشارة إلى المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني»: «نفذت عمليات إعدام لعشرات المخطوفين من طرابلس العام الماضي، انتقاماً لمقتل آمرها محسن الكاني، وشقيقه عبد العظيم».
وسبق لفتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة «الوفاق»، أن أعلن في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أن «العميد مبروك خلف، المدير السابق لمكتب المعلومات والمتابعة بالوزارة، عثر على جثمانه في مقبرة جماعية بترهونة، بعد تصفيته على يد عصابة (الكانيات) الإجرامية».
وقال الناشط السياسي الليبي أحمد التواتي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن موسكو تعارض محاسبة «الكانيات» مخافة أن يتم تصنيف جرائمها على أنها جرائم حرب، وبالتالي تطال هذه التهمة قيادات عليا في الجيش: «لذا فإن روسيا تحاول ألا تُجبَر على الذهاب في هذا الاتجاه». ورأى أن روسيا الآن «أقل ثقة في الدول العظمى، ولن تمرر أي مشروع إلا إذا كانت متأكدة مائة في المائة من أنه لن يستعمل ضد حلفائها».
وسيعاقب من يدرج اسمه في «القائمة السوداء» التي ستضم المتورطين في ارتكاب جرائم في ليبيا، بتجميد أصوله وحظر السفر، شريطة أن يحظى ذلك بموافقة 15 دولة، الأعضاء في مجلس الأمن.
ومنذ تمكن قوات «الوفاق» من السيطرة على مدن غرب ليبيا، وإخراج «الجيش الوطني» خارج الحدود الإدارية للعاصمة، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين هناك، العثور على «مقابر جماعية» تضم رفات مواطنين سبق الإبلاغ عن اختفائهم، ليرتفع بذلك عددها إلى 26 مقبرة. وسبق لـ«الجيش الوطني» الترحيب على لسان اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسمه، بالتحقيق الذي طالبت به بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بخصوص مقابر ترهونة الجماعية.
والعناصر الأساسية في ميليشيا «الكانيات» هم: محمد الكاني (47 عاماً) القيادي بالمجلس العسكري بترهونة، وشقيقاه معمر وعبد الرحيم، وجميعهم فروا من المدينة، برفقة عشرات من التابعين. وأظهرت مقاطع فيديو بثتها عملية «بركان الغضب» على فترات سابقة، عمليات الكشف وانتشال عشرات الجثث لأشخاص، بعضهم مكبل اليدين، وبينهم أطفال، من مواقع بصحراء ترهونة. كما أظهرت صور انتشال جثامين متحللة من بئر على عمق نحو 45 متراً بمنطقة العواتة الواقعة بين ترهونة وسوق الخميس إمسيحل.
وأثار الإعلان عن العثور على هذه «المقابر الجماعية» ردود فعل غاضبة داخل الأوساط السياسية والاجتماعية، وسط تنديد أممي ودولي، ومطالبات بالتحقيق، وضبط المتورطين.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».