جدل واسع بعد تهديد «زعيم مافيا تركية» قائد المعارضة

ألمانيا تلحق بفرنسا في حظر «الذئاب الرمادية»

TT

جدل واسع بعد تهديد «زعيم مافيا تركية» قائد المعارضة

وجه أحد «زعماء المافيا» المقربين من «حزب الحركة القومية» المتحالف مع «حزب العدالة والتنمية» الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان، تهديداً إلى زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو على خلفية انتقاده حزمة إصلاحات قضائية تعتزم الحكومة إطلاقها قريباً. بينما أعلنت ألمانيا حظر «حركة الذئاب الرمادية» الموالية لـ«حزب الحركة القومية» بعد خطوة مماثلة من فرنسا.
وقال زعيم المعارضة رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو، إن بلاده «تحولت إلى دولة ترعى الجريمة المنظمة تحت زعامة إردوغان». وانتقد تهديدات علاء الدين تشاكجي المعروف بـ«زعيم المافيا التركية»، قائلاً: «أنتقد إردوغان يرد علي (رئيس حزب الحركة القومية) دولت بهشلي... أنتقد بهشلي يرد علي واحد من العالم السفلي (في إشارة إلى تشاكجي)...كيف أصبحنا؟». وأضاف كليتشدار أوغلو، خلال لقائه رئيس «حزب المستقبل» أحمد داود أوغلو، مساء الأربعاء،: «في غياب القضاء، ومعايير الحكم والأهلية، تتحول تركيا إلى عصابة إجرامية. كنا ننتظر رداً من بهشلي ورفاقه، لكننا لا نعرف طبيعة العلاقة بينهم وبين المافيا، علاقة لا ينبغي أن نأخذها على محمل الجد... الدولة التي تفتقد معايير الحكم والأهلية تصبح عبارة عن عصابة إجرامية، فالرد عليّ يكون من بهشلي أو رفاقه». وقال زعيم المعارضة التركية إن «الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) يفعل كل ما بوسعه لعرقلة الديمقراطية».
بدوره، أكد أحمد داود أوغلو أنه «قد آن الأوان لتطبيق نظام ديمقراطي». وتعليقاً على تهديد زعيم المافيا لكليتشدار أوغلو، قال إن «على الحكومة أن تدين هذه التهديدات، انتصاراً لسيادة القانون، فلا يجوز تهديد أو إهانة زعيم المعارضة، الذي له موقع دستوري». وأضاف: «في الوقت الذي يزعم فيه إردوغان تدشينه إصلاحات قانونية في تركيا، يتعرض زعيم حزب سياسي للتهديد علناً. إن السلطة هي المسؤولة عن ذلك». وأدى انتقاد زعيم «حزب الشعب الجمهوري» الإصلاحات القضائية التي تعتزم الحكومة إجراءها، إلى تلقيه تهديداً من تشاكجي، بعد أن أفرج عنه في أبريل (نيسان) الماضي ضمن عفو جزئي بسبب تفشي وباء «كورونا». وعلق تشاكجي عليه عبر رسالة في حسابه على «تويتر» مكتوبة بخط يده، حوت كلمات غير لائقة بحق كليتشدار أوغلو، منها: «كن عاقلاً». وأثارت تهديدات تشاكجي انتقادات واسعة وأحدثت جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
في غضون ذلك، دعا نواب ألمان، الأربعاء، الحكومة إلى النظر في حظر «حركة الذئاب الرمادية» القومية التركية المتطرفة، بعد وقت قصير من إعلان فرنسا حلها على أراضيها. ووجه النواب الألمان اتهامات إلى «الذئاب الرمادية»، التي ينظر إليها على أنها جناح تابع لـ«حزب الحركة القومية». وأيدوا مشروع قانون يطالب الحكومة «بمراقبة أنشطة الحركة في ألمانيا من كثب، والتصدي لها بحزم من خلال حكم القانون». وأورد مشروع القانون أن هناك نحو 11 ألف تركي ينتمون إلى اليمين المتطرف في ألمانيا.
وكانت فرنسا أعلنت بداية الشهر الحالي حل حركة «الذئاب الرمادية» بعد يومين من فرض حظر عليها، في حين توعّدت أنقرة بردّ «حازم» على خطوة باريس. وجاء قرار الحكومة الفرنسية بعد تشويه نصب تكريمي لضحايا الإبادة الأرمنية قرب ليون بكتابات شملت عبارة «الذئاب الرمادية». وارتكبت المجموعة القومية المتعصبة جرائم ضد الأكراد إثر مشاركتها إلى جانب الجيش التركي في مواجهة «حزب العمال الكردستاني» بداية التسعينات. وتعمل المجموعة على استعادة أمجاد تركيا وتاريخها في توحيد الشعوب التركية في دولة واحدة، والتقليل من شأن قوميات أخرى كالأكراد والأرمن واليونانيين، مما يشير إلى طابعها الفاشي الذي تتشارك فيه مع أفكار مثل «النازية» التي تؤمن بتفوق العرق الألماني، أو العنصريين في جنوب أفريقيا الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟