سنوات السينما: عايش (2009)

سنوات السينما: عايش (2009)
TT

سنوات السينما: عايش (2009)

سنوات السينما: عايش (2009)

عايش (2009)
(ممتاز)
الرجل الذي عاش من جديد
يسير رابع أفلام المخرج السعودي عبد الله آل عياف على خطوات فيلميه السابقين «مطر» و«إطار» إلى حد بعيد، ليس من حيث الموضوع بل من حيث تأطير الشخصية الوحيدة التي تعيش مكتفية بنفسها وسط عالمها الصغير. لافت كيف أننا في «مطر» و«إطار» (فيلمه الثالث «سينما 500 كلم» كان تسجيليا وليس روائيا قصيراً كحال باقي أعمال آل عياف)، نكاد لا نلتقي بشخصية أخرى إما مطلقاً («إطار») أو غالباً («مطر»)، لكن المخرج هنا يفتح الباب لأول مرة لشخصية شريكة في صنع حياة بطله. وعلى طريقته الخاصة يضع في النهاية أملاً في حياة شخصه. أمل مبدأي وبسيط لكنه أمل كبير بالنسبة لبطله.
عايش هو اسم الرجل الخمسيني الذي يعمل حارساً في مستشفى حكومي. اختيار الاسم ناجح من حيث إنه يرمز إلى وضع شخصه، كما يخفي سخريته من هذا الوضع أيضاً. اللقطات الأولى لعايش تظهره كما لو لم يكن حيا على الإطلاق. تحت غطاء أبيض يلتقط المخرج قدميه منتصبتين خارج الغطاء ثم الرجل نفسه مستلق على ظهره. لا نلحظ تنفساً ولا نسمع زفيراً أو شخيراً. هذا قبل أن يرن الجرس لجانبه فيمد يده لإطفاء الجهاز.
في تلك الليلة التي يقصد بها عمله، ستفوته الحافلة وسيصل متأخراً. الحارس الذي كان ينتظره نام على كرسيه وينصرف من دون رد السلام. عايش يدخل شرنقته يحرس الموتى الموضوعين في برادات في مشرحة المستشفى. ليس هناك الكثير مما يستطيع فعله. لكن عالمه متماشٍ، كما نلحظ سريعاً، مع حياته. إنه وحيد في بيته ينام فيه كالموتى ووحيد في عمله مع الموتى.
يطلب منه أحد موظفي المستشفى الانتقال إلى قسم الحضانة، وهناك يفتح عايش عينيه على الحياة كما لم يرها من قبل. يقف عند النافذة ينظر إلى الأطفال داخل العنبر متعجبا، وهو الذي لم يتزوج، وماتت والدته وهي تنجبه، وليس لديه أهل أو أسرة. حين ينقذ حياة طفل من حيث لم يعلم. يمنح الموظف عايش فرصة أن يحمل الطفل الذي أنقذ حياته بين يديه. تمر لحظات صادقة ومهمة للفيلم ولحياة عايش، وتستمر اللحظات وهو خارج من القسم وما زال ماداً يديه كما لو أنه ما زال يحمل الطفل.
يعود عايش في نهاية ذلك اليوم، إلى منزله شخصاً جديداً: يشتري دراجة نارية ويلتقط لعبة كبيرة على شكل دب كان تركها وراءه شخص خرج خائب الأمل إذ كان ينتظر ذكراً، وحين ينام (في لقطات ما بعد عناوين وأسماء النهاية) ينام كالطفل وإلى جانبه ذلك الدب.
لا علم لنا كيف ستكون حياة عايش بعد تلك اللحظة؛ قد يدفعه حب التغيير للزواج وقد ينتكس مجدداً وينبذ تلك اللحظات التي ارتقت فيها حياته إلى مصاف العيش. ولكن فيلم عبد الله آل عياف سيبقى لحظات سينمائية جميلة في مشاعرها.
في حديثه عن عايش (لاحظ الاسم) الذي يبدو في مطلع الفيلم ميتاً، من ثم تصويره حارساً للموتى وزيارته لعنبر الأطفال حيث دبت الحياة فيه، يتناول آل عياف الهامش العريض بين الحياة والموت، بين الإنسان الذي يعيش قريباً من آخرته إلى أن يتعرف على قيمة تلك الحياة بلمسة مع القدر ممثلة بطفل وُلد في اليوم نفسه.
يعرف المخرج قيمة الصورة في العمل (وقيمة الصوت أيضاً)، ويؤلف مشاهده من لقطات طويلة تتيح معرفة المكان والزمان وتأليف الجو بالتماشي مع وضع شخصه. الموسيقى (نقرات بيانو) ليست مجانية كما الحال مع معظم الأعمال العربية طويلة وقصيرة، تملأ الجو كما الديسكو، بل مختارة لتصب في وضع معين وتنجح بالوصول إلى غايتها من وراء مشاركتها ذلك الوضع.
بناءً على ما سبق، وعلى أفلام المخرج الأخرى، فإن المرء محقٌ في انتظار العمل الروائي الطويل الذي سيضع فيه عبد الله آل عياف كل تلك الموهبة الكامنة في ذاته.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز