عهد جديد في العلاقات السعودية ـ العراقية بافتتاح «جديدة ـ عرعر»

بعد نحو 3 عقود من الإغلاق... وبغداد تتطلّع إلى افتتاح منفذ الجميمة

أمير منطقة الحدود الشمالية يرعى حفل تشغيل منفذ «جديدة - عرعر» (واس)
أمير منطقة الحدود الشمالية يرعى حفل تشغيل منفذ «جديدة - عرعر» (واس)
TT

عهد جديد في العلاقات السعودية ـ العراقية بافتتاح «جديدة ـ عرعر»

أمير منطقة الحدود الشمالية يرعى حفل تشغيل منفذ «جديدة - عرعر» (واس)
أمير منطقة الحدود الشمالية يرعى حفل تشغيل منفذ «جديدة - عرعر» (واس)

بعد نحو 3 عقود على إغلاقه، افتتح يوم أمس منفذ «جديدة - عرعر» الحدودي الرابط بين السعودية والعراق، في خطوة وصفها مسؤولو البلدين بـ«التاريخية»، ومن المنتظر أن تفتح آفاقاً واسعة لتنمية الاقتصاد والتجارة والاستثمار.
وأكد الأمير فيصل بن خالد بن سلطان، أمير منطقة الحدود الشمالية، أن افتتاح المنفذ سوف يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين ويمثل انطلاقة نحو عهد جديد، بما يعود بالنفع على المصالح المشتركة، ناقلاً تحيات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد.
من جانبه، وصف الفريق عثمان الغانمي وزير الداخلية العراقي لحظة افتتاح منفذ «جديدة - عرعر» بـ«التاريخية» التي ستخلد ويذكرها التاريخ بأحرف من نور على حد تعبيره.
وقال في كلمة له: «مسرور أن أكون بين أشقائي وفي بلدي الثاني السعودية، في وقفة تاريخية سيخلدها ويذكرها التاريخ بأحرف من نور، وأن أكون ممثلاً لدولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لحضور هذا الاحتفال التاريخي المبارك لفتح منفذ جديدة - عرعر بين البلدين الشقيقين السعودية والعراق».

وأشار الغانمي إلى أن هذه الفرصة التاريخية هي لفتح آفاق تاريخية جديدة تسهم في تنمية اقتصاد البلدين وتقوية أواصر الثقافة والعلاقات التاريخية والاجتماعية. وأضاف: «دائماً التاريخ يتجدد ويعيد نفسه، عندما نقف في هذا اليوم لا يسعنا إلا أن نقدم الشكر للملك سلمان بن عبد العزيز لرعايته المنحة السعودية لهذا المشروع العملاق الذي يعتبر الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح».
وعبّر وزير الداخلية العراقي عن تطلع بلاده إلى افتتاح منفذ الجميمة في منطقة السلمان ببادية السماوة لزيادة التبادل التجاري، وأضاف: «إن منفذ (جديدة - عرعر) اليوم يعيد أنفاسه من جديد بحلة جديدة وآفاق جديدة وعلاقات تاريخية متطورة بين البلدين في هذا الظرف الصعب الذي يمر به العالم أجمع من جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط. ونسعى في هكذا مواقف تاريخية إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين، وها هي اللبنة الأولى، وسنقطف الثمار سوياً».
بدوره، أوضح أحمد الحقباني مدير الهيئة العامة للجمارك السعودية أن افتتاح المنفذ من الجانبين السعودي والعراقي حدث تاريخي يمثل للبلدين وشعبيهما أهمية بالغة نظير ما سيحققه من تعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت إلى أن المشروع «يكتسب أهمية كبيرة، ويؤكد أن العلاقات بين البلدين تستند إلى روابط متينة ومشاعر أخوية، يسعى البلدان لتعزيزها، وسيكون للمنفذ الأثر الكبير والإيجابي على مدينة عرعر والحدود الشمالية التي تمتلك مقومات وممكنات لتنشيط حركة التجارة وبوابة لصادرات المملكة منها وإليها».
وأضاف: «نتطلع سوياً لمستقبل زاخر بالفرص في جميع المجالات بين البلدين، وستسهم الإمكانات للمنفذين في تنمية المنطقة الحدودية، وتسهيل حركة التجارة البينية وتعزيز حجم التبادل التجاري بما يتطلع إليه قيادتا البلدين».
ويأتي افتتاح المشروع النوعي، مع تطلع السعودية لرفع الاستثمارات في العراق إلى 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار)، وفق لجان العمل التنسيقية بين البلدين، والتي دعت إلى أهمية التسريع في تشكيل مجلس الأعمال المشترك وتسهيل أعمال الشركات والقطاع الخاص السعودي، في وقت أبرز فيه العراق حقيبة استثمارات تضم 6 آلاف مشروع بقيمة 100 مليار دولار.
ويشمل المنفذ من الجانب السعودي الذي يبعد 75 كيلومتراً عن مدينة عرعر السعودية على منطقة التبادل التجاري ومنشآت حكومية ومبانٍ سكنية.
ويقع مشروع إنشاء وتحسينات منفذ «جديدة - عرعر» من الجانب السعودي ومنفذ «عرعر» من الجانب العراقي على مساحة إجمالية تبلغ 1.6 مليون متر مربع، ويضم «منطقة لوجستية» ستكون بمثابة البوابة الاقتصادية للجزء الشمالي من السعودية، والانطلاقة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ونحو آفاقٍ جديدة من التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، كما سيسهم في تيسير حركة التجارة البينية.
ويأتي من أبرز مكونات المشروع، فيما يخص منفذ «جديدة - عرعر»، إنشاء ساحة لمنطقتي الصادرات والواردات، وإعادة تأهيل ساحات المعاينة والمباني التابعة لها والمباني الأمنية، بما يتوافق مع المعايير الخاصة بتطوير بيئة العمل، وإعادة تأهيل سكن الموظفين والطريق الدولي، وتحسين المنظور البصري للمنفذ، فيما يضم الجانب العراقي إنشاء منفذ جديد ومتكامل لحركة الشحن والركاب في القدوم والمغادرة، يشمل أنظمة الفحص الإشعاعي للبضائع والشاحنات، ونظام وزن الشاحنات، ومحطة كهرباء لتغذية المنفذ، وأخرى لتنقية المياه، ومصرفاً، ومسجداً، ومستودعات، وساحات انتظار للشاحنات.
ويعد المعبر أحد المراكز الإدارية التابعة لمدينة عرعر في منطقة الحدود الشمالية، ويبعد 10 كيلومترات عن الحدود العراقية، فيما يحوي الخدمات كافة لسكان المنفذ، ومدارس لجميع المراحل للطلاب والطالبات، ومستشفى حكومياً، إضافة إلى إسكان لحرس الحدود وآخر للجمارك، ويفصل الجديدة والحدود العراقية وادي عرعر من ناحية الغرب، وشعيب سويف من ناحية الشرق.
ويربط السعودية بالعراق شريط حدودي يتجاوز 830 كيلومتراً، محاط بسياج حديدي مدعم بتقنية إلكترونية حديثة يمكن من خلالها رصد كل ما يقع على الحدود وبالقرب منها، وكانت نسبة التهريب بين البلدين سجلت انخفاضاً قارب 100 في المائة.
ومنذ عام 1990 وبعد غزو العراق للكويت، قُطعت العلاقات بين بغداد والرياض وتوقفت معها كل أنواع العلاقات السياسية والاقتصادية والتبادل التجاري. ورغم تغيير النظام السابق عام 2003 فإن العلاقات العراقية السعودية لم تبدأ على مستوى السفارات إلا في عام 2012.
وخلال حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي تم تأسيس أول مجلس تنسيق عراقي سعودي. ومع أن هذا المجلس جرى تفعيله خلال حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي فإنه لم يبدأ عملياً إلا في عهد رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.
فخلال الأسبوع الماضي تم توقيع عشرات من مذكرات التفاهم والاتفاقيات بين العراق والسعودية في مختلف المجالات والميادين، في وقت تم الإعلان فيه عن عزم الطرفين افتتاح منفذ عرعر، الذي افتتح أمس بالفعل لكي تبدأ مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين الشقيقين.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».