عائلات «دواعش» قلقة من الذهاب إلى «حضن النظام» بعد خروجها من «الهول»

مئات السوريين يغادرون المخيم... وآخرون ينتظرون تأشيرة

عائلات أشخاص متهمين بالانتماء إلى «داعش» لدى الخروج من مخيم «الهول» شرق سوريا (الشرق الأوسط)
عائلات أشخاص متهمين بالانتماء إلى «داعش» لدى الخروج من مخيم «الهول» شرق سوريا (الشرق الأوسط)
TT

عائلات «دواعش» قلقة من الذهاب إلى «حضن النظام» بعد خروجها من «الهول»

عائلات أشخاص متهمين بالانتماء إلى «داعش» لدى الخروج من مخيم «الهول» شرق سوريا (الشرق الأوسط)
عائلات أشخاص متهمين بالانتماء إلى «داعش» لدى الخروج من مخيم «الهول» شرق سوريا (الشرق الأوسط)

غادر مئات السوريين من نازحين وأفراد عائلات عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي، أمس، كانوا يقطنون في مخيم «الهول» بمحافظة الحسكة بعد قرار الإدارة الذاتية الكردية السماح بخروجهم على دفعات، لكنهم يرفضون الذهاب إلى «حضن النظام» في مناطق سيطرة الحكومة السورية.
وخرجت 275 عائلة تضم 500 شخص، بموجب إجراءات تتخذها السلطات المحلية لخروج هؤلاء، ليصل عدد الذين غادروا المخيم منذ بداية العام الحالي إلى 5500 سوري. وتعدّ المجموعة التي خرجت أمس الثالثة من نوعها بعد إعلان الإدارة الكردية الشهر الماضي لمن يرغب مغادرة المكان. وبحسب إحصاءات وأرقام إدارة مخيم «الهول»، فإنه يعيش فيه نحو 65 ألفاً؛ نصفهم من اللاجئين العراقيين، ونحو 20 ألف سوري، ويضم قسم خاص العائلات الأجنبية المهاجرة، ويقدر عدده بنحو 11 ألفاً، وتتوقع إدارة المخيم خروج 10 آلاف آخرين ضمن الآلية الجديدة.
وحذّرت منظمات إنسانية ودولية وقادة الإدارة من ظروف المخيم الصعبة جراء الاكتظاظ والنقص الحاد في الخدمات الأساسية، حيث سجل المخيم خلال أغسطس (آب) الماضي أولى الإصابات بفيروس «كورونا» المستجد. كما شهد في الأشهر الأخيرة توترات عدّة مع توثيق محاولات هروب أو حالات طعن حراس على أيدي نساء متشددات، وسقط العديد من القتلى بعمليات مجهولة؛ غالبيتهم كانوا من اللاجئين العراقيين.
وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عشرات النساء في المخيم المكتظ ينقلن أغراضهن من الخيام إلى شاحنات كبيرة، وأخريات يطعمن أطفالهن قبل الانطلاق. وأخذت بعض العائلات أعداداً كبيرة من الدواجن والأغنام معها، فيما فتشت قوات الأمن الكردية أغراض هذه الأسر قبل نقلها خارج المخيم.
وعاشت فاطمة، البالغة 31 عاماً مع أطفالها السبعة في مخيم «الهول» لنحو عامين. وقالت: «نحن سعيدون بالمغادرة (...) سأعود إلى سوسة للعيش في منزلي مع زوجي».
ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش في هذا المخيم أكثر من 64 ألف شخص؛ بينهم 24300 سوري. ومعظمهم سكانه من النساء والأطفال. وهي المجموعة الأولى من النازحين الذين يغادرون المخيم منذ إعلان الإدارة الذاتية الكردية الشهر الماضي أنه سيسمح لآلاف السوريين بالعودة إلى مناطقهم. والاثنين، غادر «515 شخصاً من 120 أسرة، جميعهم من شرق محافظة دير الزور» المخيم، كما أوضح المسؤول الكردي شيخموس أحمد.
وأوضح «مجلس سوريا الديمقراطية»؛ الذراع السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، أن الإدارة الذاتية تكفلت بإيصالهم إلى مناطقهم. وتوقع أحمد أن يغادر نحو 10 آلاف سوري المخيم في ظل الآلية الجديدة. وأشار إلى وجود عوائق تتعلق بالثبوتيات الشخصية والمستندات الخاصة بهؤلاء النازحين.
وقال جاسم، الذي يبلغ من العمر 40 سنة والمتحدر من بلدة الميادين المحاذية للحدود العراقية، التي باتت خاضعة لسيطرة القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، إنه متردد في العودة لدياره. وأوضح: «بعد سيطرة النظام أخشى اتهامي كباقي المدنيين المقيمين سابقاً ضمن مناطق (الدواعش) بالارتباط بالتنظيم والتعاون معه، مما قد يعرضني للخطر والاعتقال».
وكان نحو 6 آلاف سوري قد غادروا مخيم «الهول» ضمن موجات متتالية وغالباً عبر وساطات بقيادة زعماء القبائل العربية ومعظمها في شرق سوريا. وبحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفرج عن 600 سجين سوري محتجزين بسبب صلاتهم بتنظيم «داعش» بموجب عفو عام. ولا يشمل قرار الإدارة الكردية العراقيين الذين يشكلون غالبية سكان المخيم الذي يضم أيضاً آلاف الأجانب، من نساء وأطفال متطرفين، من نحو 50 دولة.
ومنذ سقوط مناطق «داعش» في مارس (آذار) 2019، دعت السلطات الكردية الدول المعنية إلى إعادة المتطرفين الذين تحتجزهم وعائلاتهم أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمتهم. لكن معظم البلدان، خصوصاً الأوروبية، مترددة في إعادة مواطنيها. وقد أعاد بعض الدول؛ ومنها فرنسا، عدداً محدوداً من أطفال متطرفين قتلوا في الحرب.



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».