الجزائر تتخلى جزئياً عن «تقييد» الإعدام

مصادقة البرلمان على قانون يغلظ العقوبة بعد ضغط مجتمعي

TT

الجزائر تتخلى جزئياً عن «تقييد» الإعدام

تخلت الحكومة الجزائرية عن «قيود سياسية» كانت تمنع تنفيذ عقوبة الإعدام، على مرتكبي جناية القتل بعد الاختطاف، ومنها قتل الأطفال، بعد مصادقة برلمان البلاد، أمس، على «قانون الوقاية من جرائم الاختطاف ومكافحتها» الذي يغلّظ العقوبة بحق أي متورط في قتل أو احتجاز أو خطف طفل، أو ممارسة العنف ضده، أو طلب فدية للإفراج عنه.
وأيّد نواب «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى)، مشروع الحكومة بأغلبية رغم غياب أكثرية برلمانيي أحزاب المعارضة المستقيلين في بداية الحراك الشعبي العام الماضي. ويتضمن القانون الجديد عقوبات قاسية، تتمثل في السجن مدى الحياة وحتى الإعدام، في جريمة خطف الأطفال. وقال برلمانيون، إن «هذه العقوبات يشملها القانون الجنائي، في أربع مواد، ولم يكن هناك داعٍ لإصدار قانون خاص بها».
ويعطي النص الحق للجمعيات النشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في التأسس كطرف مدني في المتابعات القضائية. كما يشير إلى أن الدولة «تتكفل بوضع استراتيجية وطنية للوقاية من جريمة الاختطاف ومحاربتها، وبذلك سيصبح متاحاً لكل الفاعلين في المجتمع، خاصة العائلة والمدرسة ووسائل الإعلام، أداء دور مهم في محاربة هذا النوع من الجرائم».
وقال وزير العدل بلقاسم زغماتي أثناء عرض مشروع القانون على البرلمان، إن «التدابير الردعية التي يتضمنها تحمل طابعاً جنائياً تعكسه عقوبات تتراوح بين 10 و15 سنة سجناً بحق من يختطف شخصاً. أما في حال الاحتجاز وممارسة العنف على الشخص بعد خطفه، فالعقوبة تكون بين 15 و20 سنة. ويمكن للقضاء أن يشدد العقوبة فتصير سجناً مؤبداً، إذا تعرض المختطف لعاهة مستديمة أو اشترط مرتكب جريمة الخطف فدية للإفراج عنه. أما إذا تعرض المختطف للقتل فالعقوبة تكون الإعدام وينفذ».
واستدعت زيادة جرائم خطف الأطفال في السنوات الماضية استحداث القانون الجديد، بعدما تعالت أصوات مجتمعية للمطالبة برفع التجميد عن عقوبة الإعدام، بتنفيذها حصرياً على قاتل الطفل بعد خطفه. وقد استجابت الحكومة للضغط، وأبدت تحمساً له على غير عادتها؛ إذ كانت ترفض دعوات الإسلاميين إلى تطبيق «حد القصاص» ضد مقترفي جرائم القتل، خصوصاً إذا كان الضحية طفلاً.
ويحرم النص القانوني الجديد، من يدينه القضاء بجريمة القتل، من أي ظروف مخففة ومن استبدال للعقوبة أثناء فترة السجن، أو إمكانية الاستفادة من رخصة للخروج مؤقتاً من السجن، كأن يحضر جنازة فرد من العائلة، ولا «الحرية النصفية» ولا الإفراج المشروط. كما يمكن للنيابة أن تحرك الدعوى تلقائياً في حال بلاغ بالخطف، من دون حاجة إلى وجود شكوى.
ونفذ حكم الإعدام آخر مرة عام 1993 (رمياً بالرصاص) بحق 3 إسلاميين أدانتهم السلطات بتفجير مطار العاصمة الذي أوقع 42 قتيلاً في صيف 1992.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».