«أزمة التلقي والنشر»... قراءات في نصوص روائية عربية

هشام علوان يحلل أسبابها ومرتكزاتها الجمالية في كتاب جديد

«أزمة التلقي والنشر»... قراءات في نصوص روائية عربية
TT

«أزمة التلقي والنشر»... قراءات في نصوص روائية عربية

«أزمة التلقي والنشر»... قراءات في نصوص روائية عربية

عن العلاقة بين المبدع والمتلقي، وهل تستند إلى لغة معينة وطبيعة فنية خاصة، يدور كتاب الروائي والكاتب المصري هشام علوان «تدوير النص الأدبي... أزمة التلقي والنشر»، وذلك من خلال دراسة عدد من الروايات المصرية والعربية، والبحث عن جماليات مختلفة تقدمها نصوصها للقراء، وهي تشتبك معهم، وتحاول تغيير أفق التوقع لديهم.
ينقسم الكتاب، الذي صدر عن دار النابغة للنشر والتوزيع بالقاهرة، إلى بابين يركز فيهما علوان على نقطة أساسية وهي كيفية تلقي الأعمال الروائية ودور البنية السردية التي يعتمدها الكاتب، سواء على مستوى الحدث أو الشخصيات، في التأثير على الذائقة القرائية. يقول: «ليس المهم هنا ما ينطق به النص ولا معانيه، ومضامينه التي تظل نسبية، لكن ما يتركه البناء الروائي من آثار شعورية ووقع فني وجمالي في نفس المتلقي، وهو يعيد إنتاج العمل بتفاعله مع تلك الآثار الشعورية التي يتركها بداخله؛ حيث لا تكتمل حياة أي نص أو حركته الإبداعية إلا عن طريق القراءة التي ينتج عنها نص آخر، ربما لم يكتبه الكاتب، ولم يسعَ له، من هنا تتعدد النصوص بتعدد المتلقين وتنوع باختلاف ذائقتهم».
- جماليات مختلفة
في الباب الأول، يطرح المؤلف أساساً نظرياً لما سوف يجعله قاعدة تطبيقية لقراءة وتحليل روايات يرى أنها تتسم بالحداثة وتتجاوز المعتاد في السرد الروائي، باحثة عن جماليات مختلفة تسعى لتقديمها للقراء. وهو يرى أن البناء الروائي تغير واختلف، وتطور بطريقة تجعله يقف حائلاً أحياناً بين النص ومتلقيه، والسبب في هذا أن السرد صار مكتنزاً، متعدد الرؤى والدلالات، ما يجعل القارئ يشعر أنه داخل غرفة مغلقة تمتلئ بمرايا لا يعرف خلف أي منها يمكنه أن يعثر على مفتاح فك شفرات النص الروائي.
ومن أجل فك شفرات بنية النص الروائي الحداثي، حدد علوان عدداً من العناصر التي تشكل متنه السردي، وهي الشخصيات، والحدث وتداخل الأزمنة، وتعدد الأصوات. وراح المؤلف يتتبع هذه العناصر في روايات «متاهة مريم» للكاتبة المصرية منصورة عز الدين، و«فانيليا» لمواطنها طاهر الشرقاوي، و«الديزل» للإماراتي ثاني السويدي، و«كائنات من طرب» للأديبة السعودية أمل الفاران.
- تداخل الحياة والموت
يشير مؤلف الكتاب إلى أن الشخصية المحورية في «متاهة مريم» تظهر متراوحة بين الحياة والموت، تسرد الأحداث ولا تقوم بدور فاعل فيها، تبدو ميتة، وهي حية، ما يحيل القارئ إلى استقبالها بحيادية.
أما في «فانيليا» للشرقاوي فلا توجد أسماء لشخصيات، جميعها تتحرك مشاراً لها بضمائر الغائب، أو تحت رموز مثل البنت أو الولد أو الصديقة، وهو ما يؤدي إلى نوع من الالتباس، يصيب القارئ، فلا يعرف كيف يفرق بين الشخصيات ويستعصي عليه بالتالي الدخول إلى عالمها. نفس الشيء يفعله السويدي؛ حيث يقدم شخصياته أيضاً بلا أسماء، لكنه لا ينوع في السرد ولا تتعدد لديه الأصوات، بل يعتمد فقط على راوٍ واحد هو البطل، الذي يعطيه اسماً حركياً هو «الديزل». أما السعودية أمل الفاران فتقدم من خلال حدث بوليسي 17 شخصية متشابهة في أسمائها أو بدون اسم.
وعن الحدث الروائي، كما عند الكاتبة المصرية منال السيد في روايتها «غنا المجاذيب»، فهو حدث يبدو متشظياً ومتداخلاً، وذلك من خلال طفلة ترى العالم من حولها بعين مندهشة ومنحازة، ولا يصل معها القارئ إلى حالة من الاكتمال والإحاطة بالحدث إلا في نهاية الرواية.
وفي تحليله لعدد من الروايات المغربية التجريبية، أمثال «رفقة السلاح والقمر» للكاتب مبارك ربيع، و«أوراق» لعبد الله العروي، و«زمن بين الولادة والحلم» للروائي أحمد المديني، و«حاجز الثلج» لسعيد علوش، يرى علوان أن أهم ما تميزت به هذه الأعمال هو تداخل الأزمنة؛ حيث يخلط كتابها بين الحاضر والماضي والمستقبل، معتمدين في تطوير حركة السرد على منطق التداعي والأحلام، واسترجاع الوقائع.
- تعدد الأصوات
يشير المؤلف إلى أن تعدد الأصوات كان من بين التقنيات التي اعتمدها الكاتب بهاء طاهر في روايته «واحة الغروب»، وقد عمد إلى سرد الأحداث على لسان شخصيات الرواية الرئيسيين، محمود وكاثرين، وكذلك الإسكندر الأكبر والشيخ يحيى والشيخ صابر، وكان هدفه من خلال اعتماد السرد بلسان هذه الشخصيات أن يقدم الحدث بوجهات نظر متعددة، ومن خلال موقع كل منهم، ورؤيته المختلفة للعالم عن الآخر. أما الكاتبة نجلاء علام فتبدأ الأحداث في روايتها «نصف عين» على لسان بطلتها «نور»، ثم تتطور بعد ذلك منتقلة بين شخصيات أخرى في النص «ليلى، فايزة، سعيد»، لكن هذه الشخصيات لا تعيد سرد الحكاية من وجهة نظرها، بل يتحدثون عما تركه الحدث على أرواحهم من مشاعر محبطة وانكسارات.
- الحداثة والفانتازيا
في الباب الثاني يقوم علوان بتحليل ما يزيد على 40 رواية لعدد من الكتاب المصريين والعرب، كانت أولاها «كما يليق بحفيد» لأحمد قرني، ويرى أنها عمل أدبي مليء بالرموز والدلالات، أما رواية «قيلولة أحد خريفي» للكاتب المغربي هشام بن الشاوي، فيذكر علوان أنه اعتمد على تعدد وتداخل الأنا الساردة، وتقاطعها مع الشخصيات، ولفت إلى أن الشاوي أراد أن يكتب نصاً حداثياً بامتياز معتمداً على تقنية هدم البناء التقليدي للسرد، باعتباره أبرز مقومات الحداثة، ما فتح باباً واسعاً أمام تدوير الرواية لدى المتلقي والقارئ، الذي يكاد وهو يقرأ العمل يصنع نصاً موازياً وفق مرجعيته وثقافته.
أما بالنسبة لرواية «القرفصاء» للكاتب المصري فؤاد حجازي، فهي ترصد واقعاً كابوسياً بلا أدنى فرجة من أمل، ويبدأ النص على لسان راوٍ يتملكه هاجس أمني يصل إلى حد الهوس، ما يجعله في حدث فانتازي مؤلم يذهب لقسم البوليس للإبلاغ عن نفسه، وعلى العكس من رواية حجازي تأتي رواية وحيد الطويلة «ألعاب الهوى» التي يراها علوان نصاً سردياً ينفتح على الحياة بكل قسوتها وعنفوانها، وفانتازيا جريئة تمتزج فيها الحياة بالموت.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.