بدأ المترجم الكردي حسين عمر رحلته في مجال الترجمة من الفرنسية إلى العربية بكتابٍ عن الزعيم الكردي عبد الرحمن قاسملو، الذي اغتالته المخابرات الإيرانية نهاية ثمانينات القرن الماضي، ثم تتابعت الترجمات ليصل عددها لأكثر من 35 عملاً أدبياً وفكرياً.
يروي أنه عندما ذهب إلى المدرسة سنة 1973 في يومه الأول وكان عمره آنذاك 6 سنوات؛ فوجئ بأن معلّمه، وكان من أبناء القرية كردي الأصل، يحدثهم بلغة ثانية، لا يفهمها لأنّها غير لغته الأم. لقد دخلت اللغة العربية آنذاك، كما يقول، زائراً قسرياً إلى حياته وخلقت لديه حالة من الاغتراب، لكنّه أكمل صفوف دراسته الأولى، وكان ينال أعلى العلامات في مادة اللغة العربية.
واليوم، وبعد مرور 40 عاماً، فإن العربية حجزت مكانة عالية عنده عمر «بمفرداتها وجمالية كلماتها وإيقاع نطقها، وحقيقة لها الفضل في صقل معارفي وثقافتي وتشكّل وعيي المعرفي. إنها لغة فيروز التي تنعش صباحاتي، ولغة المفكر العراقي هادي العلوي الذي تبرأ من النظام العراقي السابق بعد قصفه حلبجة بالكيماوي عام 1988. اليوم لم أعد أشعر بذلك الاغتراب الذي عانيتُ منه في سنوات دراستي الأولى».
يتحدر حسين عمر من قرية ركافا التابعة لبلدة المالكية أو ديريك، بحسب تسميتها الكردية الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا. وُلد سنة 1967، وأنهى مرحلة تعليمه الابتدائية في مسقط رأسه، ثم أكمل الإعدادية والثانوية العامة في مدارس مدينة القامشلي المجاورة، والتحق بجامعة حلب وتخرّج في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية سنة 1991.
بعد تخرجه في جامعة حلب، كلية الآداب - قسم اللغة الفرنسية، رغب عمر في إكمال دراته العليا بالترجمة، لكنّه كان وقتذاك محروماً من الجنسية السورية، الأمر الذي حال دون إكمال تعليمه العالي، ودخل مضمار الكتابة الصحافية في تسعينات القرن الماضي، ومنذ 2013 يعمل مع «شبكة رووداو» الإعلامية الكردية، ويدير ملفّ سوريا وغرب كردستان، إلى جانب إعداد وتقديم برنامج «العين الثالثة» في إذاعة الشبكة.
وعن كيفية توفيقه بين العمل الصحافي والترجمة والكتابة بآن واحد وأين يجد نفسه أكثر، يزيد: «في النهار أكون صحافياً، وفي الليل أكون مترجماً، وبدرجة أقلّ كاتباً. وأعمل وفق ضوابط عمل صارمة لإنجاز مقدار مرض من الترجمة والكتابة، وحينما لا أحقّق ذلك، ينتابني نفس شعور التلميذ الذي لم يُنجز وظائفه».
خلال العامين الماضيين، تعاون عمر مع دار الخان الكويتية وترجم لها كتابين من أدب أميركا اللاتينية، كما ترجم مذكرات الرئيس الفرنسي السابق، فرنسوا هولاند، لدار «المدى» العراقية، إلى جانب رواية «الفراشة» للكاتب الفرنسي هنري شاريير، وحالياً يترجم لنفس الدار رواية «ثاناتونوتس» للكاتب برنار فيربير.
ومن العناوين الأخرى التي ترجمها كتاب البرفسور الكردي حميد بوزرسلان، «تاريخ تركيا المعاصر»، وهو عبارة عن دراسة منهجية علمية لتجربة تشكّل الدولة التركية الحديثة وتحليل لجذور سياسة هذه الدولة، خاصّة اتجاه القوميات.
وعن سبب اختياره لهذه الكتب، ومدى أهميتها للمكتبة العربية، يقول: «المكتبة العربية بحاجة لمثل هذه الكتب نظراً لأهميتها في تكوين الهوية الوطنية والوعي المعرفي والاطّلاع على أبحاث هؤلاء الكتاب ونقلها للقارئ للاستفادة منها».
الترجمة بالنسبة لعمر هي حاجة معرفية، وهي إلى ذلك رسالة إنسانية وحضارية، وظيفتها بناء جسور التواصل بين ثقافات ومعارف الشعوب «كونها تعمل على التلاقح الثقافي لتقليص المسافة بين الشعوب، وهي وسيلة لقبول الآخر»، كما يقول، لكنّها أيضاً «حرفة دقيقة يحتاج ممتهنها إلى أقصى درجات الكفاءة، فالمترجم الناجح يشبه النسّاج البارع الذي ينسج سجّادة بديعة في وجهيها».
وهنا يشير حسين عمر إلى مقولة أحد شيوخ الترجمة، وهو المترجم الألماني هارتموت فِندرش، وترجمتها حرفياً: «المترجم هو حامل للنص من ضفة نهر إلى الضفة المقابلة». لكن يزيد على المقولة بقوله: «إن وظيفة المترجم أن يوصل النص من ضفة الكاتب إلى ضفة القارئ بسلام من دون أن يفقد العمل قيمته الأدبية، كما يجب على المترجم، عند لحظة مغادرة النص من لغة الكاتب إلى لغة القارئ، أن يكون مهجوساً بالأخير، لأنه بترجمته سيقطع أواصر جذوره من لغته الأصلية لكي يتمّ إنباته في حقل القارئ الجديد».
الترجمة فعل «خياني»
يتفق عمر مع الرأي القائل إن الترجمة في جانبٍ منها فعل خياني لا بدّ منه. يقول عن ذلك: «صحيحٌ أنّ نقل العمل من لغة المصدر لنشره بلغة القارئ الجديد، يفرض على المترجم مسؤولية أخلاقية وإبداعية لنقل النص الأصلي بأمانة دون المساس بجوهر العمل، لكن حينما اضطرّ لارتكاب (الخيانة)؛ أخون لغة المصدر لصالح لغة الهدف، لأن لكلّ لغة منطقها وفلسفتها الخاصّين بها، ووظيفة المترجم تكمن في ألّا يشعر القارئ بالاغتراب عن النص المنقول إليه».
وحول قلّة الأعمال المترجمة في العالم العربي قياساً بدول أخرى، يرى المترجم الكردي أن «السبب الرئيسي في ذلك هو قلّة القرّاء لغياب شيوع ثقافة القراءة في مجتمعاتنا، وهذه مشكلة جذورها ثقافية تتعلق بأنماط اللغة والتعليم وسلوك النظم السياسية والثقافية، فالنشر كغيره من المنتوجات خاضع لقانون العرض والطلب»، بالإضافة إلى غياب الدعم الحكومية والأهلي لمؤسسات الترجمة والنشر.
وعن تأثير جائحة «كورونا» والأزمات التي تعيشها المنطقة على قطاع الترجمة، يقول: «أثّرت الجائحة على كلّ قطاعات الحياة، ومن ضمنه النشر والترجمة، نتيجة للأزمات الاقتصادية المستفحلة. وقبل ذلك حروب المنطقة التي أدّت إلى موجات من النزوح واللجوء، كلّ هذا يجعل القراءة خارج أولويات الشعوب المنهكة بظروف معيشتها اليومية وسط شتاء عربي قاسٍ».