غياب وليد المعلم... ثالث وزير خارجية سوري في 50 سنة

الأنظار تتجه إلى خليفته وسط {نصائح} روسية وإيرانية

الظهور الأخير للمعلم في مؤتمر اللاجئين الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)  -  تشييع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق أمس (إ.ب.أ)
الظهور الأخير للمعلم في مؤتمر اللاجئين الأسبوع الماضي (إ.ب.أ) - تشييع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

غياب وليد المعلم... ثالث وزير خارجية سوري في 50 سنة

الظهور الأخير للمعلم في مؤتمر اللاجئين الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)  -  تشييع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق أمس (إ.ب.أ)
الظهور الأخير للمعلم في مؤتمر اللاجئين الأسبوع الماضي (إ.ب.أ) - تشييع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق أمس (إ.ب.أ)

شيع أمس في دمشق، وزير الخارجية السوري وليد المعلم «الوجه الناعم» في السلطة وصاحب «البيانات المخملية» في الدفاع عن المواقف المتشددة، فطويت صفحة جديدة لأحد رجالات الرئيس حافظ الأسد بالتزامن مع الذكرى الخمسين لتسلمه الحكم بـ«الحركة التصحيحية»، حيث عرفت سوريا خلال خمسين سنة، ثلاثة وزراء للخارجية، فكان الوحيد الذي توفي وهو في منصبه دون أن ينشق أو يُبعد.
وجاءت وفاة المعلم جراء معاناته المفاجئة من مرض السرطان إضافة إلى القلب، في وقت يجري الرئيس بشار الأسد سلسلة من التغييرات السياسية والأمنية والإعلامية شملت تعزيز أدوار المقربين منه، بين ذلك تعظيم دور لونة الشبل بتعيينها «مستشارة خاصة في رئاسة الجمهورية»، إضافة إلى «منصبها الراهن مديرةً للمكتب الإعلامي والسياسي»، على أن تجرى تغييرات رمزية وأوسع في الأيام المقبلة.
وبغياب المعلم، تتجه الأنظار إلى خليفته لمعرفة اتجاهات السياسة السورية التي يتقاذفها النفوذان الروسي والإيراني في دمشق واللاعبون الإقليميون والدوليون في باقي المساحة السورية. ويعتبر دبلوماسيون غربيون يزورون دمشق، أن نائبه فيصل المقداد هو «الأقرب إلى إيران»، في حين «ينصح المسؤولون الروس جميع محاوريهم بلقاء أيمن سوسان» معاون وزير الخارجية. وقال أحدهم، إن مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري «احد المرشحين، وهو قريب من تفكير طهران».
كما تتجه الأنظار حالياً لمعرفة الاسم الذي سيتولى رعاية الأقنية مع الدول الغربية أو المفاوضات مع تل أبيب، باعتبار أن المعلم كان من أبرز الذين اشتغلوا على المفاوضات مع الإسرائيليين سواء عبر الأقنية العلنية أو السرية.
- الإقامة بالأرشيف
يعرف المعلم في أروقة العاصمة السورية بـ«أبي طارق». ولد في 17 يوليو (تموز) 1941. وتنقل في الدراسة بين دمشق وطرطوس إلى أن التحق بجامعة القاهرة ونال بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية في عام 1963. وتزامنت عودته إلى دمشق مع وصول حزب «البعث» إلى الحكم في انقلاب مارس (آذار) 1963.
وبعد انضمامه إلى السلك الدبلوماسي عمل في سفارات عدة، ثم سفيراً في رومانيا في عام 1975 إلى عام 1980، حيث لم يرق لوزير الخارجية وقتذاك عبد الحليم خدام الذي أودعه في أرشيف وزارة الخارجية. واستغل تلك الفترة في تأليف بعض الكتب التي شملت طيلة مسيرته أربعة مؤلفات، هي «فلسطين والسلام المسلح 1970»، و«سوريا في مرحلة الانتداب من العام 1917 وحتى العام 1948»، و«سوريا من الاستقلال إلى الوحدة من العام 1948 وحتى العام 1958»، و«العالم والشرق الأوسط في المنظور الأميركي».
وعندما تسلم فاروق الشرع الخارجية خلفاً لخدام الذي أصبح نائباً للرئيس في 1984، تسلم المعلم إدارة المكاتب الخاصة، وهي الأبرز في الوزارة. وبعد انطلاق مفاوضات السلام السورية - الإسرائيلية في عام 1991، عُيّن سفيراً لسوريا في واشنطن حتى عام 1999. وخلال هذه الفترة، عقد أو حضر سلسلة من اللقاءات السرية مع مسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين شملت رئيس الأركان الإسرائيلي امنون شاحاك والسفير ايتامار رابنوفيتش. وحصل في تلك الفترة على إعجاب الأميركيين والأوروبيين ودول عربية.
سحبه الرئيس حافظ الأسد فجأة من واشنطن. يعتقد أن السبب كان تقارير تخص مبالغته بمعلومات عن المفاوضات مع الإسرائيليين. وبقي مهمشاً لفترة قصيرة في دمشق، قبل أن يعود معاوناً ثم نائباً لوزير الخارجية لتسلم جهود الوصول إلى «تسويات» في لبنان. وكان بين آخر المسؤولين السوريين الذي تحدثوا إلى رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005. وفي فبراير 2006، عُيّن المعلم وزيراً للخارجية خلفاً لفاروق الشرع الذي أصبح نائباً للرئيس بعد إبعاد خدام وانشقاقه.
- «صقور» و«حمائم»
وخلال السنوات السابقة من تسلمه منصبه، كان يُعرف بأنه زعيم تيار «البراغماتية المبدئية» أو أحد «الحمائم» في السلطة مقابل «الصقور» بقيادة الشرع الذي ورث هذا الدور من «الخشن خدام»، حيث كان المعلم من المؤيدين للعلاقة مع الغرب والدول العربية وإقامة «علاقة متوازنة» مع إيران. وبناءً على ذلك، بالغ سوريون معارضون في توقعاتهم بعد اندلاع احتجاجات 2011 إلى حد أمل كثيرون منهم أن «ينشق ويبتعد عن النظام». لكن في الواقع، كان في مقدمة المدافعين عن موقف السلطة عبر مؤتمرات صحافية دورية ومحادثات مع موسكو وطهران، حليفتي دمشق. وشكّل خلال سنوات النزاع «واجهة للنظام»، واحتفظ بمنصبه رغم تغير الحكومات والوزراء. ولطالما كرر أن الأسد «باقٍ في منصبه طالما الشعب يريده»، وكان من بين أول من وصف معارضي النظام بـ«الإرهابيين»، ومن أشد منتقدي المقاتلين الأكراد لتلقيهم دعماً من واشنطن.
ولطالما اعتبر خلال مؤتمراته الصحافية الطويلة الحرب التي تشهدها بلاده «مؤامرة خارجية». وعُرف بمواقفه الساخرة من الغرب الذي فرض عقوبات على سوريا والمسؤولين فيها. وعُرف المعلم بنبرته الهادئة وبرودة أعصابه حتى في أصعب مراحل الحرب، وغالباً ما كان يتحدث ببطء. واقتصرت زيارات المعلم الخارجية خلال سنوات النزاع على عدد محدود من الدول، أبرزها روسيا وإيران، إضافة إلى العاصمة العمانية مسقط ومقر الأمم المتحدة في نيويورك.
- صلة الوصل
قابل معارضون تصريحات المعلم، بتوجيه انتقادات حادة له والسخرية من عباراته، مثل إنه «يريد محو أوروبا من الخريطة».
وكتب المعارض رضوان زيادة على «تويتر» أمس: «ظهر المعلم عام 2011 وأظهر فيديو مزورا ليثبت أن المتظاهرين السلميين حينها كانوا مسلحين. بعد دقائق من عرضه تبين زيفه وبدا أن المخابرات...زودته به. وعندما ووجه بالحقيقة في الأسبوع التالي ابتسم، وقال: (عرض سيئ). كان عليه الاستقالة حينها كما فعل الكثير من الدبلوماسيين السوريين».
وفي 31 أغسطس (آب) 2011، طالت عقوبات أميركية المعلم، الذي قالت واشنطن إنه «يكرر لازمة المؤامرة الدولية ويحاول إخفاء الأعمال الإرهابية للنظام ونشر الأكاذيب». ووصفه مسؤول أميركي حينها بأنه «صلة الوصل بين دمشق وطهران». وطالته عقوبات أوروبية في العام اللاحق احتجاجاً على قمع دمشق بالقوة للمظاهرات.
وكان آخر ظهور علني له يوم الأربعاء الماضي خلال افتتاح مؤتمر عودة اللاجئين الذي نظمته دمشق بدعم روسي. وبدا متعباً وفي حالة صحية سيئة استدعت مساعدته من شخصين على دخول قاعة الاجتماعات.
ونعى نائب وزير الخارجية الروسية ميخايل بوغدانوف «دبلوماسياً محنكاً» يعرفه منذ 35 عاماً. وقال، إن المعلم «كان يعلم مدى أهمية العلاقات الروسية - السورية». وأضاف «فقدنا شريكاً موثوقاً وصديقاً مخلصاً».
وقدم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تعازيه في وفاة المعلم، الذي «لعب دوراً مهماً في خدمة والدفاع عن مصالح بلاده الوطنية وأمنه». وأعربت وزارة الخارجية في سلطنة عمان، البلد الخليجي الوحيد الذي أبقى على علاقات دبلوماسية مع سوريا وزاره المعلم خلال سنوات النزاع، عن «تعازيها ومواساتها». كما قدم الرئيس اللبناني ميشال عون تعازيه في برقية إلى الأسد.
وتذكر وزارة الخارجية على موقعها أن سوريا حقّقت «اختراقاً لمحاولة عزلها» منذ تولي المعلم وزارة الخارجية، مشيرة إلى دوره في تعزيز العلاقات مع عدد من الدول، خصوصاً «العلاقة القوية مع روسيا».



العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.