ضغوط على الجمهوريين للتصدي لمزاعم ترمب عن {الغش} في الانتخابات

الرئيس المنتخب جو بايدن خارج كنيسة في ويلمينغتون بولاية ديلاوير بعد قداس يوم الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس المنتخب جو بايدن خارج كنيسة في ويلمينغتون بولاية ديلاوير بعد قداس يوم الأحد (أ.ف.ب)
TT

ضغوط على الجمهوريين للتصدي لمزاعم ترمب عن {الغش} في الانتخابات

الرئيس المنتخب جو بايدن خارج كنيسة في ويلمينغتون بولاية ديلاوير بعد قداس يوم الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس المنتخب جو بايدن خارج كنيسة في ويلمينغتون بولاية ديلاوير بعد قداس يوم الأحد (أ.ف.ب)

اعتمد معظم المشرعين الجمهوريين في الكونغرس سياسة الصمت وعدم المواجهة فيما يتعلق بتصريحات الرئيس دونالد ترمب التي تراوحت بين إعلانه الشخصي عن فوزه، وزعمه أن انتخابات عام 2020 زائفة ومغشوشة.
وفي وجه هؤلاء، بدأت بعض الأصوات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تتعالى مطالبة جمهوريي الكونغرس بتغيير مواقفهم. وورد أبرز تصريح على لسان الرئيس السابق باراك أوباما، الذي تحدث لأول مرة بعد الانتخابات معرباً عن خيبة أمله من أن أغلبية المشرعين الجمهوريين اختاروا عدم تحدي ترمب. وقال أوباما في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة» على «سي بي إس»: «ردهم كان مخيباً للآمال، لكنهم فعلوا الأمر نفسه خلال السنوات الأربع الماضية. من الواضح أنهم لا يعتقدون بوجود أي غش لأنهم لم يذكروا الأمر مطلقاً بعد يومين من الانتخابات».
ودعا أوباما الجمهوريين إلى التصدي لما وصفها بـ«نظريات المؤامرة» التي يروجها ترمب، محذراً من الضرر الذي ستحدثه على الانتقال السلمي للسلطة. وأضاف: «ما يجري سيضر بعادات الانتقال السلمي للسلطة، فكل شخص يفوز بصوت الناخبين، حتى لو كان رئيساً، هو في منصبه لخدمة الشعب. وعمله مؤقت». وقال إنه قلق للغاية من مواقف الجمهوريين الذين يجارون ترمب في مواقفه هذه، عادّاً أنها تهدد الديمقراطية في البلاد. وتابع: «المقلق بشكل كبير هو أن الرئيس ترمب كرّس فكرة عدم قول الحقيقة؛ بل ووصل إلى درجة تقول إن الحقيقة غير مهمة».
ورغم أن كلمات أوباما عكست الجو العام بين الديمقراطيين، فإن البعض الآخر منهم استعمل كلمات أكثر حدة في وصف ما يجري. أبرز هؤلاء السيناتور المستقل بيرني ساندرز، الذي وصف رفض ترمب الاعتراف بنتيجة الانتخابات بـ«التصرف المخزي». وقال ساندرز في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»: «ترمب سيُعرف بأنه الشخص الأبرز في تاريخ البلاد الذي آذى الديمقراطية الأميركية». وأعرب عن استغرابه الشديد من عدم تعاون الإدارة الحالية في المرحلة الانتقالية، مشدداً على أهمية هذا التعاون لتحضير بايدن وفريقه للمرحلة المقبلة.
وفي تقارب نادر للمواقف، وافق حاكم ولاية أوهايو الجمهوري مايك ديواين على أهمية التعاون في المرحلة الحالية، وقال ديواين، في موقف من شأنه أن يزيد الضغوط على القيادات الجمهورية: «من الواضح أنه وبناء على المعطيات التي نعرفها الآن؛ فإن جو بايدن هو الرئيس المنتخب، ويجب أن تبدأ عملية الانتقال لمصلحة البلاد». وأضاف: «يمكن للرئيس أن يستمر في التحديات القانونية، وهذا حقه، ونحن نحترمه، لكن يجب أيضاً البدء في المرحلة الانتقالية».
وقد انضم مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون إلى مجموعة الجمهوريين الداعية إلى الاعتراف بنتيجة الانتخابات. وقال بولتون، الذي تجمعه علاقة مضطربة بترمب: «أعتقد أنه من المهم جداً أن تفسر القيادات الجمهورية للناخبين الجمهوريين، وهم ليسوا أغبياء كما يظن الديمقراطيون، أن ترمب خسر الانتخابات وأن ادعاءات الغش لا أساس لها من الصحة».
وتتوجه الآن الأنظار إلى جمهوريي الكونغرس، الذين يستعدون لخوض سباق حاسم في ولاية جورجيا، الذي سيقرر مصير الأغلبية في مجلس الشيوخ. ويتخوف هؤلاء من أن يؤدي أي موقف معارض لترمب من قبلهم إلى خسارتهم المقعدين الجمهوريين في الولاية، فيما يشير البعض الآخر إلى أن خسارة ترمب الولاية قد تعني أن الناخب هناك لن يتأثر بمعارضة الجمهوريين له.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟