باريس: المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة رغم صعوبات النفاذ بها

مصادر أكدت لـ«الشرق الأوسط» مضي باريس في دعم لبنان

TT

باريس: المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة رغم صعوبات النفاذ بها

رغم العقبات التي ما زالت تعيق المبادرة الإنقاذية الفرنسية للبنان، التي عنوانها المباشر تشكيل «حكومة مهمات»، وفق توصيف باريس، ورغم «غرق» المهمة التي قام بها باتريك دوريل، مستشار الرئيس ماكرون لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي، فإن فرنسا «ماضية في جهودها لمساعدة لبنان» وفق المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط».
كذلك، فإن الزيارة التي ينوي الرئيس ماكرون القيام بها للمرة الثالثة إلى لبنان ما زالت قائمة وبحدود نهاية العام الحالي، لكن الشكل الذي ستأخذه «مرتبط بالتطورات اللبنانية»، وكذلك المؤتمر الذي وعد الرئيس الفرنسي بالدعوة إليه لتوفير المساعدات إلى لبنان نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي ما زال مطروحاً، لكن «وجهته» و«محتواه» خاضعان للتطورات اللبنانية ومدى قدرة الطبقة السياسية على إنتاج حكومة جديدة، توحي بالثقة، وتوفر مؤشرات لمدى قدرتها على القيام بإصلاحات إلزامية يعرفها القاصي والداني.
وحتى اللحظة، فإن المؤتمر الأوسع الذي يحتاج إليه لبنان لتوفير المساعدات المالية وإعادة إطلاق المشروعات التنموية والسير بما وفره مؤتمر «سيدر» «لن يكون ممكن الحصول إذا ما استمرت المراوحة على حالها». وعلى أي حال، تضيف الأوساط المطلعة في باريس، فإن المبادرة الفرنسية هي «الوحيدة المطروحة اليوم على الطاولة من أجل إنقاذ لبنان».
وتقول الأوساط الفرنسية إن تمسك ماكرون بمبادرته مردها الأول إلى الالتزامات التي قطعها للشعب اللبناني ولمجتمعه المدني، وذلك رغم العوائق القائمة على طريقه، وأولها إمكانية أن تحصل، فيما الطبقة السياسية ما زالت تتخبط في تناقضاتها وتتقاتل على الحقائب والمنافع وتراهن على التغيرات الإقليمية أو الأميركية. ولا تكتم هذه الأوساط غيظها من أداء هذه الطبقة «غير القادرة والفاسدة»، لكنها في الوقت عينه «ملزمة بالتعاطي معها»، عملاً بمبدأين؛ الأول، سيادة لبنان، ورفض فرنسا المساس بها، واعتبار أن اهتمامها بلبنان لا ينبع من رغبة في الهيمنة، بل في المساعدة. والثاني مبدأ الواقعية السياسية، إذ إن «هذا هو المعروض سياسياً». وتضيف الأوساط المشار إليها أن الجانب الفرنسي يعي أن الشارع اللبناني ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني فقدت الثقة بأهل السياسة. من هنا، فإن باريس ما زالت متمسكة بأن تمر مساعداتها عبر هذه المنظمات.
أما بالنسبة لمهمة دوريل في بيروت، فإن الغرض الأول منها كان مزدوجاً، من جهة نقل رسائل من الرئيس ماكرون إلى السياسيين وإلى الشعب اللبناني للتعبير عن «قلقه» من تطور الأمور في لبنان ومن «الانسداد السياسي»، رغم الالتزامات التي تعهد بها السياسيون. وتشير هذه الأوساط إلى أن اللافت للنظر أن الأطراف كافة التي التقاها دوريل «جددت تمسكها بالمبادرة الفرنسية». لكن باريس ليست ساذجة إزاء معنى الالتزامات على الطريقة اللبنانية، وقد خبرها ماكرون شخصياً مرتين عند اجتماعه بقادة الأحزاب السياسية في قصر الصنوبر. يضاف إلى ذلك أن مهلة الأسابيع الستة، وهي الثانية من نوعها التي تحدث عنها في مؤتمره الصحافي الشهير بعد تنحي مصطفى أديب عن مهمة تشكيل الحكومة، قد انقضت، وبالتالي ثمة تساؤلات عن سبب إصرار الرئيس الفرنسي في السير بمهمة «صعبة». والرد الرسمي أن باريس ما زالت تريد مدّ يد العون للبنان بعد كارثة المرفأ وتدهور الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، رغم أداء السياسيين اللبنانيين.
ولذا، فإن الرئيس ماكرون ومعه الدبلوماسية الفرنسية ماضيان في تواصلهما مع الأطراف المؤثرة في الوضع اللبناني، الذي كان موضع تباحث بين ماكرون ووزير خارجيته والوزير الأميركي مايك بومبيو أمس. ومن اللافت التعتيم الذي ضرب حول هذين اللقاءين. لكن ما علم أن باريس، التي تعي أن تغير الإدارة الأميركية ستكون له انعكاساته على الملف الشرق أوسطي واللبناني، تشير إلى أمرين؛ الأول، التنبيه لخطورة المراوحة والانتظار، بما له من انعكاسات على اهتراء الوضع اللبناني، حيث هناك عاملان متداخلان؛ وباء «كوفيد 19»، والوضع المأساوي لشرائح واسعة من المجتمع اللبناني. والثاني أن إدارة ترمب ستبقى في الأحوال كافة حتى 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، أي لأكثر من شهرين. من هنا، تعتبر باريس أن المصلحة اللبنانية تكمن في «تحصين» الوضع الداخلي، وعنوانه الأول اليوم سد الفراغ المؤسساتي، وتشكيل حكومة فاعلة وقادرة ومتاح لها أن تقوم بالإصلاحات المطلوبة.
يبقى أن ثمة من يرى في باريس أن الجانب الفرنسي «لا يملك ما يكفي من الأوراق الضاغطة التي تدفع السياسيين اللبنانيين إلى التعاون».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.