المغرب يودّع المحجوبي أحرضان

سياسي مخضرم عايش 3 ملوك ولمع في التشكيل والكتابة

TT

المغرب يودّع المحجوبي أحرضان

توفي، أول من أمس، بالرباط، المحجوبي أحرضان السياسي المغربي المخضرم والشاعر والفنان التشيلي، عن عمر يناهز 100 سنة، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض.
ونعى حزب الحركة الشعبية أحرضان الذي يعد أحد مؤسسيه، على حسابه الرسمي بـ«فيسبوك»، وقال إنه تلقى ببالغ الحزن والأسى خبر وفاة أحرضان «السياسي الكبير» و«رجل الدولة بامتياز». فيما وصف محمد ساجد الأمين العام للاتحاد الدستوري، الراحل بـ«الرجل العظيم والصادق»، وأحد «رجالات الدولة الأخيار»، وأنه «كان هرماً من أهرامات السياسة» بالمغرب، و«سيبقى خالداً» بمواقفه الوطنية الصادقة.
بينما كتبت الإعلامية فاطمة أقروط: «في زمن الكورونا يرحل مَن كاهله مُثقل بالأحداث والمواقف والأزمنة... الزعيم السياسي المغربي الذي عايش ثلاثة ملوك. الشاعر والفنان التشكيلي المحجوبي أحرضان (أمغار) في ذمة الله».
وعُرف عن أحرضان، الذي وصف بـ«سيزيف السياسة المغربية»، أنه «ملكي حتى النخاع، ومغربي حتى الثمالة»، هو الذي عايش ثلاثة ملوك (محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس).
ورغم الحضور القوي الذي طبع به الراحل المشهد السياسي في المغرب على مدى أكثر من ستة عقود، فإنه ظل يرد على أسئلة الإعلاميين، بالقول إنه لا يعتبر نفسه زعيماً سياسياً، رغم المسار الطويل الذي قضاه في معترك الحياة السياسية، سواء كوزير لأكثر من مرة، في عدد من الحكومات المتعاقبة، أو كأمين عام سابق لحزب الحركة الشعبية، الذي أنشأه في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي، رفقة رفيق دربه الدكتور عبد الكريم الخطيب، موضحاً أنه «مواطن مغربي يكرس نفسه في خدمة بلده، لا أقل ولا أكثر».
ولد أحرضان سنة 1921 ببلدة أولماس الأمازيغية (وسط المغرب)، ودرس بمدينة آزرو قبل الالتحاق بالمدرسة العسكرية بمكناس التي تخرج فيها سنة 1940 برتبة ضابط ليتم توظيفه من قبل الجيش الفرنسي سنة 1949 قائداً على أولماس، كما شارك كضابط في الحركة الوطنية المغربية وكان عضواً بالمجلس الوطني للمقاومة.
وراكم أحرضان مساراً سياسياً طويلاً، سواء إبان فترة الحماية الفرنسية، أو بعد مرحلة الاستقلال، طبع به تاريخ المغرب، لحضوره في محطات حكومية وسياسية كبرى، ومساهمته في تأسيس حزب الحركة الشعبية بعد استقلال المغرب، ولشخصيته الفريدة وطريقته الخاصة في الخطابة. وتقلد مسؤوليات حكومية عديدة، حيث عين محافظاً للرباط بعد الاستقلال مباشرة، قبل أن يصبح الأمين العام لحزب الحركة الشعبية في مؤتمرها الثاني بمراكش عام 1962، كما شارك في 8 حكومات.
ومن بين المناصب التي تقلدها أحرضان: وزير الدفاع في أول حكومة يشكلها الملك الراحل الحسن الثاني، ما بين 1961 و1964، ووزير الفلاحة في أغسطس (آب) 1964، ووزير الفلاحة والإصلاح الزراعي في يونيو (حزيران) 1965. كما عين بين فبراير (شباط) 1966 ومارس 1967، وزيرا للدولة مكلفا الدفاع الوطني. وفي 1 مارس (آذار) 1977، عين وزير دولة. وفي 10 أكتوبر (تشرين الأول) من السنة نفسها عين وزير دولة مكلف البريد والمواصلات في حكومة أحمد عصمان عام 1977. كما عين الراحل وزيرا للتعاون في حكومة المعطي بوعبيد عام 1979، ووزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني عام 1983 بصفته زعيم أحد الأحزاب الستة الكبرى في المغرب.
وخلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية المنعقد يومي 4 و5 أكتوبر 1986، أعفي من مهامه كأمين عام للحركة الشعبية، فأسس، في يونيو 1991، حزبا جديدا سماه «الحركة الوطنية الشعبية» وأصبح أميناً عاماً له. وفي يونيو 1997، فاز أحرضان في الانتخابات التشريعية. وفي مارس 2006 عملت قيادات الحركة الشعبية وكل الحركات المنشقة عنها، بما فيها الحركة الوطنية الشعبية والاتحاد الديمقراطي، على توحيد صفوفها في حزب واحد هو الحركة الشعبية، وتم اختيار المحجوبي أحرضان رئيساً للحزب ومحند العنصر أمينا عاما.
وعُرف عن أحرضان دفاعه، خلال تزعمه لحزب الحركة الشعبية، عن قضايا «البادية» المغربية. وعبّر، بعد أن وقع أول انشقاق (انشقاق الدكتور الخطيب في عقد الستينيات) في صفوف الحركة الشعبية، عن توجهات أمازيغية في برامجه وخطاباته، محتفلاً بالتراث والأصول الأمازيغية، مطالباً بتدريس اللغة الأمازيغية.
وفضلاً عن حضوره الذي طبع به تاريخ البلد على مستوى الممارسة السياسية، عُرف الراحل بكونه فناناً تشكيلياً وشاعرا وروائيا. كما أصدر مذكرات تمحورت حول مساره السياسي وعلاقته بعدد من الأحداث التي عايشها، أثارت ردود فعل متباينة من طرف عدد من الفاعلين السياسيين في البلد.
وعلى عكس «الجدل» الذي رافق مساره السياسي، تنْقل أعمال أحرضان الفنية ومعارضه التشكيلية العديدة لجانب آخر من شخصيته، حيث نكون مع «هدوء» الألوان، بعيدا عن صخب السياسة، ومع لمسة خاصة لا يحدد فيها لنفسه أسلوباً تشكيليا محددا أو مذهبا معينا، مكتفيا، في حواراته، بالإشارة إلى أنه «يرسم ما يحس به، وما يعبر عن تفاعله بصدق مع العالم المحيط به»، مشيرا إلى أن عطاءه في ميدان الفن التشكيلي «نابع من الأرض التي ولد فيها، وأن ألوانه، بالتأكيد، هي انعكاس للطبيعة المغربية بكل غناها وتجددها عبر الفصول»، دون أن يخلط بين السياسة والرسم، مشددا على أنه «لا يجد راحته في الرسم بل في المشي، لأن التشكيل، في نظره، مثل السياسة، جهاد ومعاناة، يتطلب تركيزا كبيرا، وبحثا عميقا، وإلماما واسعا بكل قواعده».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.