خريطة فضائية لكل أشجار الأرض

توضع بتوظيف نظم الذكاء الصناعي

قمر صناعي لتصوير الأرض
قمر صناعي لتصوير الأرض
TT

خريطة فضائية لكل أشجار الأرض

قمر صناعي لتصوير الأرض
قمر صناعي لتصوير الأرض

نجح العلماء أخيراً في رسم خريطة لـ1.8 مليون شجرة ظلّ تغطّي ملايين الكيلومترات في مناطق الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى في غرب القارّة السمراء. وتعتبر هذه المرّة الأولى التي يتمّ فيها رسم خريطة مفصّلة للوجود الشجري على مساحة كبيرة كهذه.
ولكن كيف فعلها الباحثون؟ استخدم هؤلاء نظم الذكاء الصناعي لتحليل قاعدة بيانات هائلة من صور الأقمار الصناعية، ثمّ وظّفوا شبكات عصبية قادرة على التعرّف على أشياء كالأشجار حسب ألوانها وأشكالها.
ولتدريب نظام الذكاء الصناعي، عرض الباحثون عليه صور قمر صناعي رُسمت الأشجار الظاهرة فيها يدوياً. احتاجت هذه العملية من الباحث الأوّل في الدراسة مارتن برندت مشواراً طويلاً وشائكاً لتعريف وتسمية نحو 90 ألف شجرة بنفسه قبل البدء بتدريب النظام.
بفضل هذه الصور، تعلّم الكومبيوتر شكل الشجرة واستطاع أن يميّز أشجار الظلّ في مئات الصور الموجودة في قاعدة البيانات. يقول براندت إنّ تعريف الأشجار دون نظام الذكاء الصناعي كان سيتطلّب ملايين السنوات من العمل البشري.
في مراجعة للدراسة أجرتها دورية «نيتشر»، كتب باحثون من جامعة ولاية نيو مكسيكو أنّه «في وقت قريب، سيصبح المجتمع العلمي قادراً، ولو بدرجة محدودة، على رسم خريطة تحدّد موقع وحجم كلّ شجرة حول العالم».
في عام 2015. قُدِّر عدد الأشجار الموجودة في العالم بثلاثة ملايين بالاعتماد على بيانات مجموعة من الغابات الموزّعة في أرجاء الكوكب. ولكن هذا الرقم قلّل على ما يبدو من شأن أعداد الأشجار في المناطق الجافّة كالساحل الأفريقي والصحراء الكبرى نظراً لغياب بيانات لهذه المناطق.
أصيب الفريق البحثي «بمفاجأة كبيرة» عندما علم بالعدد الكبير للأشجار التي تنمو في المناطق الجافّة، لا سيما أن فهم كمية المزروعات التي قد تنمو في الصحارى مهمّ جداً لعلم البيئة.
ونقل موقع «يورونيوز» عن جيسي ميير، المبرمجة من وكالة ناسا الفضائية التي شاركت في البحث، إنّ «هذا النوع من البيانات قد يلعب دوراً مهمّاً في وضع قاعدة تساعد في حفظ وإحياء الأشجار، ودراسة التغيّر المناخي وغيرها من المسائل الشائكة».
وأضافت: «خلال سنة أو اثنتين أو عشرة، يمكن تكرار الدراسة لمعرفة ما إذا كانت الجهود المبذولة لإحياء التشجير وتقليل قطع الأشجار فعّالة أم لا».
وإلى جانب فرصة قياس حجم قطع الأشجار، تتيح الأقمار الصناعية للعلماء تحديد كمية الكربون المخزّنة في الصحاري، وهذا الرّقم الذي لا يزال غير مدرج في النماذج التي تحاكي التغيّر المناخي.
يصف براندت المسح بـ«الواعد»، ولكنّه قال إنّ الوقت لا يزال مبكّراً لمعرفة ما إذا كانت المعلومات الجديدة ستتمتّع بتأثير كبير على فهمنا لأزمة المناخ.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً