مع أهمية الحاجة إلى توفير لقاح للوقاية من فيروس «كورونا» المستجد، فإن هذه المساعي يجب ألا تأتي على حساب التقاليد العلمية التي تضمن سلامة وفعالية اللقاحات. هذا المعنى ردده كثير من الخبراء منذ تم الإعلان في أكثر من دولة حول العالم عن البدء في إنتاج لقاحات للفيروس المستجد، ولكن اللافت أن المشهد يخيم عليه كثير من التجاوزات غير المهنية، التي دفعت الباحثة إليانور رايلي بجامعة أدنبرة البريطانية إلى وصف المشهد كأنه «مسابقة». وقالت في تصريحات نقلتها شبكة «بي بي سي» البريطانية: «هذه ليست مسابقة... نحن بحاجة إلى إجراء جميع التجارب بأعلى المعايير الممكنة».
ومع أن تعبير «المسابقة» أطلقته رايلي في إطار النقد، فإن فريقاً من الباحثين لا ينكر على الشركات وجود مسابقة فيما بينها، شريطة أن يلتزم المتنافسون بأبسط قواعد المنافسة، وهي التنافس الشريف في حضور الجمهور والتحكيم العادل. وجمهور هذا النوع من المنافسات هو مجتمع البحث العلمي، ويتوقع هذا الجمهور دوماً دراسات علمية حول تجارب اللقاحات، ليخضعوها للتقييم ويُبدوا ملاحظاتهم عليها، لتقوم الجهات القائمة على التجارب بالرد عليها، ويصير نقاشاً علمياً، قد يضطر معه «الحكم» (وهنا تمثله الدورية التي نشرت نتائج تلك التجارب) إلى اتخاذ قرار رفع الدراسة، إذا لم يجدوا ردوداً مقنعة على الملاحظات.
ومنذ بداية جائحة «كوفيد - 19»، اتخذ «الحكم» كثيراً من القرارات برفع دراسات علمية بعد اكتشاف أخطاء كبيرة ساعد في إلقاء الضوء عليها جمهور البحث العلمي، وكانت الواقعة الأشهر واقعة مجلة «ذي لانسيت» الشهيرة، التي اضطرت إلى رفع دراسة كانت قد نشرتها عن استخدام دواء «هيدروكسي كلوروكوين» في علاج مرضى «كورونا»، بعد تلقيها خطاباً من 140 عالماً تضمَّن أخطاء وقعت فيها الدراسة. وكانت «الصحة العالمية» اتخذت قراراً بعد إصدار الدراسة بوقف التجارب السريرية لدواء «هيدروكسي كلوروكوين»، ثم أعادتها بعد الخطاب الذي أعده العلماء، وهو ما يشير بوضوح إلى أهمية النشر العلمي، الذي تتخذ الهيئات الصحية بناء على ما جاء به وردود الأفعال التي يثيرها مواقف وقرارات مهمة.
ويقول الدكتور محمد سمير أستاذ الأمراض المشتركة بجامعة الزقازيق، شمال شرقي القاهرة، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل غياب النشر، تظل اللقاحات المعلن عنها مفتقدة لواحد من أهم الشروط، وهو الإشهار، مما يجعلها محل شك».
ولم تُنشر بعدُ نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح شركتي «فايزر» الأميركية و«بايونتيك» الألمانية، وتم الإعلان عن أن اللقاح فعال بنسبة 90 في المائة من خلال الشركتين، وهذا «تجاوز علمي» واضح، كما يصفه الدكتور سمير، مضيفاً: «هناك أسئلة بحاجة إلى إجابة لم تتطرق لها الشركتان، وليس من المفترض أن نحصل على إجابة عنهما من البيانات الصحافية، ولكن من خلال دراسة علمية؛ فعلى سبيل المثال نحن بحاجة إلى معرفة، إلى أي مدى يحمي اللقاح كبار السن الأكثر تعرضاً للخطر، وما مدة الحماية من اللقاح؟».
الأمر نفسه ينطبق على اللقاح الروسي «سبوتنيك 5»، الذي تم تطويره في المركز الوطني للبحوث الوبائية وعلم الأحياء الدقيقة في موسكو، ويخضع حالياً لتجارب سريرية من المرحلة الثالثة في بيلاروسيا والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا والهند.
ووفق العلماء الروس، لم تكن هناك «أحداث سلبية غير متوقعة» بعد 21 يوماً من تلقي المتطوعين لأول حقنتين من اللقاح، ولكن الدكتور تشارلز بانغام، رئيس قسم المناعة في «إمبريال كوليدج» بلندن، يرى أن هذه البيانات مؤقتة، ويقول في تقرير نشرته شبكة «بي بي سي» في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي: «نحن ننتظر نشر النتائج الكاملة ليتم فحصها، وهذا لم يحدث إلى الآن».
ورغم أن «منظمة الصحة العالمية» استشعرت الخطر من هذا التشكيك، وحذرت منه كاثرين أوبراين، مسؤولة دائرة التلقيح في المنظمة، وقالت في مقابلة أجرتها معها «وكالة الصحافة الفرنسية»، عبر الفيديو ونُشِرت السبت، إنه لا يساهم في القضاء على هذه الجائحة، وسيجعل اللقاحات في مبردات أو ثلاجة أو على رف دون استخدام، فإن المنظمة في الوقت ذاته رفضت أن تعطي هذه اللقاحات اعتماداً مسبقاً.
وقال المكتب الإقليمي للمنظمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لـ«الشرق الأوسط»، رداً على أسئلة حول اعتماد لقاح «فايزر» رسمياً، كأحد اللقاحات التي يمكن توزيعها من خلال تحالف اللقاحات: «ليس بعد... في انتظار النتائج النهائية للتجارب السريرية التي تثبت فعالية ومأمونية ومدة الحماية التي يوفرها اللقاح، .
سباق لقاحات «كورونا»... متنافسون يعلنون الفوز في غياب «الحكام»
باحثون ينتقدون عدم النشر العلمي وتجاهل تساؤلات مهمة
سباق لقاحات «كورونا»... متنافسون يعلنون الفوز في غياب «الحكام»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة