قمتا واشنطن وبيتسبرغ تلمسان نموذج التوازن الاقتصادي

الدول الكبرى تتقوى بـ«العشرين» وتؤسس «مجلس الاستقرار المالي»

TT

قمتا واشنطن وبيتسبرغ تلمسان نموذج التوازن الاقتصادي

«ما أشبه الليلة بالبارحة» قول عربي مأثور يعود إلى الذاكرة هذه الأيام، ويُستخدم في وصف الأحوال الجديدة بالأحداث القديمة؛ أي أن التاريخ يعيد نفسه في وقت يعيش فيه العالم زمن تفشي جائحة فيروس «كورونا» المستجد التي ضربت شتى نواحي الحياة الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
في عام 2008، عاني العالم واقعاً أليماً آخر، ولو بشكل أقل من حيث الكم والكيفية من جائحة «كورونا»، حيث اندلعت الأزمة المالية العالمية التي لم تبدأ مؤشرات التعافي منها إلا بدايات 2010، مع دفع الدول الكبرى والاقتصادات المتقدمة إلى تشكيل قمة مجموعة العشرين، وساهمت في إنشاء منظمات وجهات دولية للمساهمة في محاصرة الظروف حينها.
وفي حين تتجه أنظار العالم الأسبوع الحالي إلى مخرجات قمة دول العشرين المنعقدة هذا العام 2020، برئاسة السعودية، تعود الذاكرة إلى أحداث اجتماع القمة في الولايات المتحدة الأميركية بمدينتي واشنطن عام 2008، وبيتسبرغ عام 2009، التي جاءت في ظل ظروف مشابهه لمعايشة اليوم، بعد الانتكاسة التي مرّت بالعالم اقتصادياً، وتهاوي أسواق المال والأسهم، نتيجة أزمة الرهن العقاري التي طالت جميع دول العالم، مما دفعهم إلى إطلاق «إطار اقتصادي عالمي جديد»، وإنشاء «مجلس الاستقرار العالمي» لمعالجة تبعات الأزمة الاقتصادية، وتفادي تكرارها.
- قمة استثنائية
من العاصمة الأميركية واشنطن، حيث تلك القمة الصعبة التي وصفت بـ«الاستثنائية»، وجاءت تحت عنوان «قمة الأسواق المالية والاقتصاد العالمي»، تعهد قادة دول مجموعة العشرين (مثل السعودية فيها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز) بإقامة نموذج نمو عالمي أكثر توازناً لتلافي حصول أزمة مالية عالمية جديدة، إذ أعلنوا تأسيس إدارة جديدة في القمة تعمل على الانتقال نحو نموذج أكثر توازناً للنمو العالمي، وقرروا إطلاق إطار يحدد السياسات وآليات العمل التي تحافظ على هذا التوازن، وهو ما يتوقع كثير من المحللين والنقّاد أن يتجه إليه قادة دول المجموعة هذا العام، في استجابة لدعوة السعودية إلى بذل مزيد من الجهود والتعاون لتلافي تأثيرات الجائحة.
- التحرك الجماعي
وبعدها بعام تقريباً، ضمن مخرجات قمة بيتسبرغ الأميركية عام 2009، تعزز ما أسسته الدول الكبرى قبل 10 أعوام. فبغية دعم التنمية والنمو الاقتصادي العالمي بـ«هيكل تمويل» الدول، اتفق القادة على الانتقال من المصادر العامة إلى المصادر الخاصة للطلب، وذلك بتقييم نموذج للنمو أكثر ديمومة وأكثر توازناً في كل الدول، وخفض اختلالات التوازن على صعيد التنمية، وتعهدوا حينها أيضاً بالتحرك معاً لتحديد المعايير المصرفية على صعيد الأرصدة، وتطبيق معايير دولية صارمة على صعيد المكافآت، للتأكد من أن كبرى الشركات المتعددة الجنسية تتحمل مسؤولية المجازفات التي تخوضها.
- الدول الناشئة
وكان أبرز ما لفت الانتباه خلال قمة بيتسبرغ هو قرار إضفاء الديمقراطية على آليات اتخاذ القرار، من خلال إعطاء مزيد من الأهمية للدول الناشئة في المنظمات المالية الدولية، عبر نقل 5 في المائة على الأقل من الحصص في إطار صندوق النقد الدولي، و3 في المائة على الأقل من حقوق التصويت في البنك الدولي، وزادوا أيضاً من دور صندوق النقد الدولي في الإدارة الاقتصادية العالمية، من خلال زيادة قدرته على مراقبة السياسات الاقتصادية الوطنية وتنسيقها، وهو ما عده بعضهم نصراً للدول الناشئة، بمنحها مكانة أكبر في اتخاذ القرارات الاقتصادية العالمية.
وأعطت القمة بشكل صريح الدول الناشئة، ممثلة بالصين والهند والبرازيل، زيادة في سلطة التصويت في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ وطالما اشتكت الدول الناشئة الأعضاء في مجموعة العشرين من عدم منحها المكانة المناسبة في اتخاذ القرارات، فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، في وقت تقع فيه على عاتقها أعباء في حل الأزمات.
- {العشرين} لاجتماعين
وكان سبتمبر (أيلول) من عام 2009، حيث انعقاد قمة بيتسبرغ، قد شهد قراراً استراتيجياً بتأسيس الدول العشرين لمجلس الاستقرار المالي (FSB) الذي يضم مبادئ ومضامين تعزز من تقليل المخاطر الناجمة من الصناعة المالية، من خلال التنسيق ومراقبة التقدم في تقوية التشريعات المالية.
وأعلن قادة مجموعة العشرين خلال القمة أنهم سيجتمعون مرتين في عام 2010، في كندا وفي كوريا الجنوبية، ومرة واحدة في عام 2011، في فرنسا، لمتابعة ما تعهدوا بالقيام به، مؤكدين عدم الرجوع إلى الإجراءات الحمائية في القطاع المالي، والامتناع عن زيادة الحواجز أو فرض حواجز جديدة أمام الاستثمار والتجارة.
- جشع الرأسمالية
خارج قاعة الاجتماعات في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا، كان المشهد مختلفاً حينها، إذ تجمع المتظاهرون، وغالبيتهم من الشباب، يحمل بعضهم أعلاماً سوداء وحمراء، وآخرون يرفعون لافتات تندد بـ«جشع الرأسمالية» أو تدعو إلى تشجيع التجارة المنصفة. وعادة ما يتظاهر المحتجون الذين غالباً ما يكونون معارضين لبعض جوانب الرأسمالية في القمم منذ محادثات التجارة في سياتل في 1999، عندما عاث المتظاهرون فساداً في وسط المدينة مستهدفين مؤسسات الأعمال التي يرونها رمزاً لنفوذ الشركات الأميركية.


مقالات ذات صلة

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في اليوم الأخير من القمة (إ.ب.أ)

قمة الـ20 تعطي معالجة الفقر والمناخ زخماً... لكنها منقسمة حول حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا وترمب

نجحت البرازيل بصفتها الدولة المضيفة في إدراج أولويات رئيسية من رئاستها في الوثيقة النهائية لقمة العشرين بما في ذلك مكافحة الجوع وتغير المناخ.

أميركا اللاتينية الجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

إطلاق «التحالف العالمي ضد الجوع» في «قمة الـ20»

أطلق الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، «التحالف العالمي ضد الجوع والفقر»، وذلك خلال افتتاحه في مدينة ريو دي جانيرو، أمس، قمة «مجموعة العشرين».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو )
العالم لقطة جماعية لقادة الدول العشرين قبيل ختام القمّة التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (إ.ب.أ)

«قمة العشرين» تدعو لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

أعلنت دول مجموعة العشرين في بيان مشترك صدر، في ختام قمّة عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية أنّها «متّحدة في دعم وقف لإطلاق النار» في كل من غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)
جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)
جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)

أعلنت السعودية توقيع 9 صفقات استثمارية بقيمة تزيد على 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار)، ضمن «المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية (جسري)»، لتعزيز الوصول إلى المواد الأساسية والتصنيع المحلي، بالإضافة إلى تمكين الاستدامة والمشاركة السعودية في سلاسل الإمداد العالمية.

ووفق بيان من «المبادرة»، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، فإن المشروعات البارزة التي أُعلن عنها تشمل: مرافق صهر وتكرير، وإنتاج قضبان النحاس مع «فيدانتا»، ومشروعات التيتانيوم مع «مجموعة صناعات المعادن المتطورة المحدودة (إيه إم آي سي)» و«شركة التصنيع الوطنية»، ومرافق معالجة العناصر الأرضية النادرة مع «هاستينغز».

وتشمل الاتفاقيات البارزة الأخرى مصانع الألمنيوم نصف المصنعة مع «البحر الأحمر للألمنيوم»، إلى جانب مصنع درفلة رقائق الألمنيوم مع شركة «تحويل».

بالإضافة إلى ذلك، أُعلن عن استثمارات لصهر الزنك مع شركة «موكسيكو عجلان وإخوانه للتعدين»، ومصهر للمعادن الأساسية لمجموعة «بلاتينيوم» مع «عجلان وإخوانه»، إلى جانب مصهر للزنك، واستخراج كربونات الليثيوم، ومصفاة النحاس مع «مجموعة زيجين».

وهناك استثمار رئيسي آخر بشأن منشأة تصنيع حديثة مع «جلاسبوينت»، في خطوة أولى لبناء أكبر مشروع حراري شمسي صناعي في العالم.

يذكر أن «جسري» برنامج وطني أُطلق في عام 2022 بوصفه جزءاً من «استراتيجية الاستثمار الوطنية» في السعودية، بهدف طموح يتمثل في تعزيز مرونة سلاسل التوريد العالمية، من خلال الاستفادة من المزايا التنافسية للمملكة، بما فيها الطاقة الخضراء الوفيرة والموفرة من حيث التكلفة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي.

ويهدف «البرنامج» إلى جذب استثمارات عالمية موجهة للتصدير بقيمة 150 مليار ريال بحلول عام 2030.

وخلال العام الماضي، تعاون «البرنامج» مع كثير من أصحاب المصلحة المحليين والعالميين لمتابعة أكثر من 95 صفقة بقيمة تزيد على 190 مليار ريال سعودي، تغطي أكثر من 25 سلسلة قيمة.