الأرمن يحرقون منازلهم قبل تسليم قراهم لأذربيجان

اتفاق وقف إطلاق النار بين يريفان وباكو يبدأ اليوم

أشعل سكان القرى الأرمينية النيران في منازلهم  قبل فرارهم نحو أرمينيا (رويترز)
أشعل سكان القرى الأرمينية النيران في منازلهم قبل فرارهم نحو أرمينيا (رويترز)
TT

الأرمن يحرقون منازلهم قبل تسليم قراهم لأذربيجان

أشعل سكان القرى الأرمينية النيران في منازلهم  قبل فرارهم نحو أرمينيا (رويترز)
أشعل سكان القرى الأرمينية النيران في منازلهم قبل فرارهم نحو أرمينيا (رويترز)

في شارختار، القرية التي تقع عند حدود منطقة مارتاكيرت المجاورة في إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، والتي ستبقى تحت سيطرة أذربيجان، اشتعلت النيران في ستة منازل على الأقل صباح أمس السبت. وقال جندي من قرية شارختار في منطقة كالباجار التي ستسلم إلى أذربيجان «إنه اليوم الأخير لنا هنا، غدا سيأتي الجنود الأذربيجانيون». وأشعل سكان القرى، التي من المقرر أن تستعيد أذربيجان السيطرة عليها اليوم الأحد، النيران في منازلهم قبل فرارهم نحو أرمينيا، على ما أفاد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية.
وقد أنهى اتفاق لوقف إطلاق النار بين يريفان وباكو تحت رعاية موسكو، ما يقرب من سبعة أسابيع من القتال العنيف في ناغورني قره باغ وهي منطقة جبلية متنازع عليها منذ عقود بين هذين البلدين القوقازيين. وبموجب هذا الاتفاق، استعادت أذربيجان مناطق شاسعة كانت تحت سيطرة الأرمن منذ مطلع التسعينات. وقال صاحب أحد المنازل التي تم حرقها وهو يرمي ألواحا خشبية مشتعلة وخرقا مبللة بالوقود في محاولة لإضرام النار في أرضية غرفة الجلوس في منزله الفارغ «هذا منزلي، لا يمكنني تركه للأتراك» كما يسمي الأرمن الأذربيجانيين. وأضاف «كنا ننتظر لنحزم أمرنا لكن عندما بدأوا تفكيك محطة الطاقة الكهرومائية، فهمنا. الجميع سيحرقون منازلهم اليوم (...) لقد أعطونا حتى منتصف الليل للمغادرة». وتابع قائلا لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد قمنا أيضا بنقل قبور أهالينا، إذ سيسعد الأذربيجانيون بتدنيس قبورنا إنه أمر لا يحتمل... كلهم خونة». والجمعة أضرمت النيران في عشرات المنازل على الأقل في القرية نفسها والمناطق المحيطة بها.
بعد هزيمة قوات ناغورني قره باغ أمام الجيش الأذربيجاني بات أرمن هذه المناطق التي سقطت عسكريا مقتنعين أن لديهم خيارا من اثنين: إما الرحيل أو الموت. في منطقة كلبجار الجبلية وعاصمتها التي تحمل اسمها، يحزم السكان حقائبهم والحزن يعتصر قلوبهم على عجل قبل يوم التسليم، بموجب الاتفاقية التي رعتها موسكو. وفي قرية نور جيتاشين الواقعة عند سفح المنحدرات الصخرية السوداء التي تشكل واديا، تقف شاحنات روسية قديمة في أماكن متفرقة أمام المنازل التي تحيط بها الحدائق على امتداد الطريق الذي تفترشه الحصى. ويقوم الرجال بتكديس الأرائك والغسالات والحقائب والمتعلقات التي لا مجال لتركها بين أيدي «الأتراك»، في إشارة إلى الأذربيجانيين الناطقين بالتركية، الذين فروا من هذه الأراضي نفسها قبل ثلاثين عاماً مع وصول الأرمن.
وتقول أنوشافان (63 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية «بكيت طوال الليل عندما سمعت الأخبار»، فيما كانت منشغلة في البحث داخل الخزائن والصناديق المفتوحة. ووُضع مرطبان من الفلفل الأحمر بالزيت على سرير بلا فراش. وتبعثرت الأواني المنزلية التي تم استخدامها على مر السنوات في كل مكان، بين الأحذية العسكرية وكتب باللغة السريالية. في هذا المنزل الريفي المتواضع، الذي تتم تدفئة غرفتيه بواسطة موقد على الحطب، حان الوقت لفرز ما يجب التخلي عنه على عجل.
كانت الفوضى هي نفسها أمام طاولة عمل زهراب، الزوج الذي بالكاد يرى ويبلغ من العمر 82 عاماً، وقد وقف محتارا أمام ما يجب أن يأخذه. ويقول الرجل المسن «لا نعرف إلى أين نذهب. بمساعدة الأبناء، سنحاول استئجار شقة صغيرة في يريفان. قد نتمكن من العودة، ألا تعتقدون ذلك؟». لم يأت أحد ليطلب منهم الرحيل بشكل رسمي «لكننا أدركنا ذلك سريعاً. لا يوجد خيار آخر. الأذربيجانيون سيقومون بتعذيبنا أو يقطعون رؤوسنا»، قالت أنوشافان بغضب. جاء الابنان من العاصمة لتقديم يد المساعدة، حيث تم بيع الماشية. لأنه يجب الرحيل إذا أمكن قبل الأحد. وأضاف زهراب بأسف، كما جاء في تحقيق الصحافة الفرنسية من المكان «لم يكن المنزل فارها، لكننا كنا سعداء هنا. الهواء نقي والعنب ينمو بشكل جيد» فيما بدت عيناه حزينتين وهو ينظر إلى عناقيده. وأضاف «لن نحرق المنزل. لكننا سنأخذ ميكي، إنه كلب وفي».
وتغزو وسائل التواصل الاجتماعي الأرمينية أخبار عن إحراق السكان منازلهم قبل مغادرتهم. ولكن لا يوجد شيء من هذا القبيل في الوادي الصغير الضيق المؤدي على امتداد نحو 20 كيلومتراً إلى بلدة كلبجار، التي خلت من جميع سكانها تقريباً.
عند مدخل القرية، يبدو زوجان في الستينات من العمر منشغلين بملء شاحنة ضخمة. وتقول المرأة ساخطة «لماذا نعيد هذه المدينة إلى الأتراك؟ ليس لديهم ما يفعلونه هنا» وصبت لعنتها على «المسؤولين عن كل هذا». وقالت هذه الأم لسبعة أبناء والجدة لـ22 حفيدا «سنترك الأبقار، لم نجد من يشتريها في الوقت المناسب. اضطررنا إلى توسيع المنزل، والقيام ببعض التصليحات... لن نحرقه، لكن من سيأتي ويأخذه لا يستحقه»، وأضافت قبل أن تنهار بالبكاء «ماذا سنفعل؟».
وصل السكان الأرمن إلى هذه المنطقة في أعقاب الحرب الأولى، بعد أن تم تشجيعهم عبر تلقي مساعدات وتحفيز من حكومة «أرتساخ»، وهو الاسم الأرمني لناغورني قره باغ. وستضاف منازلهم الفارغة إلى تلك المدمرة لتشكل ندوب النزاع القائم منذ التسعينيات، والتي تشهد على مدينة ذات أغلبية أذربيجانية.
في وسط المدينة، يقوم رجال بانتزاع الصفائح المعدنية الجديدة من سطح مبنى كبير، وآخرون باقتلاع النوافذ. وأصبحت المدينة تبدو بالفعل وكأنها مدينة أشباح.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».