غرب أفريقيا... أمام الانتخابات المفخّخة!

عام انتخابي ساخن في ظل تمسك الرؤساء بالحكم عبر خدعة «تعديل الدستور»

غرب أفريقيا... أمام الانتخابات المفخّخة!
TT

غرب أفريقيا... أمام الانتخابات المفخّخة!

غرب أفريقيا... أمام الانتخابات المفخّخة!

قبل قرون عدة كانت الحركة نشطة بين ضفتي المحيط الأطلسي؛ الضفة الأميركية التي كانت تنهض وتستعد لقيادة العالم، والضفة الأفريقية التي كانت أرضَ الذهب والعبيد وبلاد العجائب. اليوم تتشابه الأوضاع بين الضفتين؛ الولايات المتحدة تخوض انتخاباتٍ رئاسية تشد أنظار العالم أجمع وقد تغيّره، أما دول غرب أفريقيا فتخوض سلسلة انتخابات رئاسية ستُغير مستقبل هذه المنطقة حين تضع الديمقراطية على المحك، ولو أنها لا تلفتُ انتباه العالم المشغول بالجائحة وسباق البيت الأبيض.
خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، أعيد انتخاب فور غناسينغبي إياديما، رئيس جمهورية توغو لولاية رئاسية رابعة، وهو الذي يحكم توغو منذ 2005، وسبق أن أجرى تعديلاً للدستور يفتح أمامه باب البقاء في الحكم حتى 2030، مكرّساً بذلك حكم عائلته للبلاد الممتد منذ 1967، فوالده توفي رئيساً للبلاد عام 2005، ليرث منه حكم العائلة الممتد منذ 53 سنة.
توغو دولة تنتمي إلى عصر ما قبل الإصلاحات الديمقراطية، ورغم أخذها طابع «الدولة الوطنية» الذي ورثته من الاستعمار الفرنسي، على غرار أغلب دول غرب أفريقيا، فإنها لا تدعي الكثير من الحرية والديمقراطية، على العكس من كوت ديفوار وغينيا، البلدين اللذين خاضا خلال العقود الأخيرة حروباً طاحنة، سقط فيها الكثير من القتلى من أجل الديمقراطية. غير أن هذين البلدين يقفان راهناً عند مفترق طرق قد يعيدهما إلى مربّع العنف والحروب، بسبب تمسك الرئيسين ألفا كوندي (غينيا) والحسن واتارا (كوت ديفوار) بالسلطة، وتعديل الدستور للبقاء في الحكم ولاية رئاسية ثالثة.
أما في دولة بنين، التي توصف بأنها «نموذج ديمقراطي هادئ ومستقر» في غرب أفريقيا، فقد بدأت الأمور تتعقد أكثر عندما صدرت قوانين جديدة تضع شروطاً صعبة أمام الترشح للانتخابات الرئاسية، واتُّهم الرئيس باتريس تالون بمحاولة إقصاء معارضيه من خوض الرئاسيات، بعدما قاطعت أحزاب المعارضة الوازنة الانتخابات التشريعية والمحلية مطلع العام الحالي، حتى أن مراقبين وصفوا ما يجري في هذه الدولة الصغيرة بأنه «انقلاب دستوري دائم».

منطقة الساحل والصحراء
في منطقة الساحل والصحراء، إلى الشمال من الدول الشاطئية في منطقة غرب أفريقيا، يبدو الوضع أكثر هدوءاً. فالنيجر تستعد لانتخابات رئاسية نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لن يترشح لها رئيس البلاد محمدو يوسفو، الذي أكمل ولايتين رئاسيتين وقرر احترام الدستور. غير أن يوسفو يسعى لتوريث الحكم لوزير داخليته محمد بازوم.
وتبدو الأمور تسير بشكل طبيعي في البلد الذي يواجه مخاطر أمنية كبيرة، في ظل تصاعد نفوذ تنظيمات «داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» في محيطه الإقليمي.
والشيء نفسه يصدق في بوركينا فاسو، البلد الذي يعيش منذ 2015 على وقع هجمات إرهابية لا تتوقف. هذا البلد يتأهب قريباً لإجراء انتخابات رئاسية يسعى خلالها الرئيس روش مارك كابوري لخلافة نفسه، وهو الذي وصل إلى الحكم عام 2016، ويمنحه الدستور الحق في التجديد مرة واحدة، ولا يبدو أنه يواجه معارضة منظمة قد تقطع الطريق عليه.
أما دولة مالي، المنهكة منذ قرابة عشر سنوات بفعل الحرب على الإرهاب، فهي الأكثر تضرراً من الأحداث السياسية الساخنة للعام الحالي. ذلك أن مالي شهدت أحدث انقلاب عسكري في أفريقيا، خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، إثر أزمة سياسية واجتماعية خانقة، ومظاهرات شعبية مطالبة برحيل الرئيس إبراهيم ببكر كيتا. وعلى الأثر، تحرك العسكريون «لتلبية مطالب الشعب»، وأعلنوا أمام الضغط الدولي والإقليمي، مرحلة انتقالية مدتها عام ونصف العام، تنتهي بانتخابات رئاسية تقود إلى استعادة الوضع الدستوري.

غينيا: ديمقراطية مهدّدة
هكذا، يمكن القول إن العام الحالي كان «عاماً انتخابياً ساخناً» في دول غرب أفريقيا، وأنه وضع الديمقراطية على المحك في منطقة من أفقر مناطق العالم، تواجه تحديات تمدد الإرهاب وتغير المناخ وتداعيات جائحة «كوفيد - 19»، بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية التي يروح ضحيتها آلاف الشبان سنوياً، عطشاً في الصحراء أو غرقاً في البحر. وأمام هذه الأوضاع الصعبة، لا يبدو أن الأنظمة الحاكمة بخير، في ظل تراجع الديمقراطية والحريات، وعودة الرؤساء إلى القبضة الحديدية للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وتغيير الدستور من أجل ذلك، واستغلال القضاء لضرب الخصوم السياسيين، وفق ما يعتقد الصحافي فرانسيس لالوبو، الذي يعتقد أن ما يجري في بلدان غرب أفريقيا هو دليل على أن «المكاسب الديمقراطية يمكن أن تتآكل وتختفي، بعدما ظن الجميع أنها باقية».
الصحافي الأفريقي الذي يدرس العلوم السياسية في المعاهد الفرنسية، يؤكد أن تحوّل زعماء المعارضة التاريخيين في غرب أفريقيا إلى قادة أنظمة شمولية عندما يصلون إلى الحكم «ظاهرة تستحق الدراسة». ويعتبر أن هؤلاء المعارضين هم مَن يقودون إلى انهيار الديمقراطية في دول غرب أفريقيا بعدما كانت توصف قبل سنوات بأنها «مختبر الديمقراطية في القارة الأفريقية».
يضرب لالوبو المثال على ذلك بما جرى في غينيا، حيث كسر الرئيس ألفا كوندي (82 سنة) صورته كـ«معارض تاريخي»، عانى لسنوات طويلة من المنفى القسري والسجن، وحُكم عليه بالإعدام مرات عدة، إبان فترة كانت غينيا تعيش تحت رحمة الانقلابات العسكرية والعنف الدامي. كوندي نجح بعد وصوله إلى الحكم، عام 2010، في تهدئة الأوضاع وتحقيق الكثير من وعوده الانتخابية، وهو الذي يُلقب في بلاده وفي القارة الأفريقي بـ«البروفسور». وهو رجل هادئ بطبعه وذكي اجتماعياً وماكر سياسياً. إلا أنه عندما أراد الاستمرار في الحكم لجأ إلى تعديل الدستور، وترشح لولاية رئاسية ثالثة، متجاهلاً ما يثيره ذلك من جدل وانتقادات، ترتّبت عليها احتجاجات سقط فيها عشرات القتلى.
اليوم، يصف مراقبون الخطوة التي أقدم عليها كوندي بأنها «خيانة» لمساره النضالي والديمقراطي، خاصة أنه كان العنوان البارز لدخول غينيا أول مسار ديمقراطي في تاريخها. بيد أن أنصاره يرفضون ذلك، ويعتقدون أن كوندي هو «رجل المرحلة»، وأن مشروعه لنهضة غينيا لم يكتمل بعد، كما أن الدستور ليس مقدساً وإنما إرادة الشعوب هي المقدسة.
لقد بدأت رحلة ألفا كوندي نحو الولاية الرئاسية الثالثة منذ سنوات عدة. إذ ظل يلتزم الصمت حيال أي سؤال يعتلق بمستقبله السياسي، فالرجل يرفض أن يكشف أوراقه، حتى مارس (آذار) الماضي عندما تقدم بمشروع تعديل دستوري إلى الاستفتاء الشعبي، بالتزامن مع انتخابات تشريعية. عندها خرجت المعارضة وأتمته بالتخطيط لما سمته «انقلابا دستورياً»، وقالت إن شكوكها القديمة حول رغبته في الرئاسة مدى الحياة قد تأكدت. وأعلنت المعارضة مقاطعتها الاستفتاء والانتخابات التشريعية.
ورغم الصمت الكبير الذي التزم به كوندي خلال السنوات الأخيرة من حكمه، خرج في سبتمبر (أيلول) الماضي ليعلن رسمياً ترشحه لولاية رئاسية ثالثة. وهكذا، بدأت «نسخة غينية» من «أزمة العهدة الثالثة»، في بلد اشتهر بالعنف الانتخابي. أما المعارضة التي قاطعت الاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية، وحاولت تعبئة الشارع ضد ترشح كوندي، فلقد قررت بشكل مفاجئ أن تشارك في الانتخابات الرئاسية.
في الواقع، واجهت المعارضة الغينية صعوبات كبيرة في الانتخابات، ودفعت ثمن مقاطعتها السابقة الاستفتاء والانتخابات التشريعية، فكانت نسبة كبيرة من ناخبيها خارج القوائم الانتخابية رغم قوتها في الشارع.
وبالتالي، أصبحت مشاركتها في الانتخابات خطأ كبيراً، وعليه لم يضطر «البروفسور» إلى تزوير النتائج من أجل الفوز، وهكذا نجحت خطته للبقاء في الحكم بطريقة «دستورية». وحقاً، لا يبدو أن الأمر يحمل مخاطر كبيرة بالنسبة إلى كوندي، فالمعارضة في غينيا ضعيفة ومشتتة. ومن المرجح عقد تسويات داخلية لتعود الأمور إلى نصابها، ويستتب الأمر للرجل الممسك بخيوط اللعبة، فيحكم البلاد خمس سنوات مقبلة، في انتظار انتخابات قادمة ستأتيه وهو يبلغ من العمر 87 سنة.

كوت ديفوار: إعادة صناعة الأزمة
وصف الكثير من المراقبين ما يجري في كوت ديفوار بأنه «أزمة طبخت على نار هادئة» منذ سنوات عدة، وذلك عندما تقدم الرئيس الحسن واتارا (78 سنة) بمشروع لتعديل الدستور عام 2016، تضمن إصلاحات مهمة تمس المؤسسات الدستورية وتعزّز حقوق الإنسان وحرية التعبير، غير أن هذا لم يمنع المعارضة من إثارة الشكوك حول نيته الالتفاف على المواد الدستورية التي تمنع ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، وهذا مع أن واتارا بذل جهداً كبيراً لتأكيد أنه لا يرغب في جعل الدستور الجديد مطية للبقاء في سدة الحكم.
بالنتيجة، حصل مشروع تعديل الدستور على دعم 93 في المائة من الأصوات، رغم عزوف الكثير من الإيفواريين عن التصويت؛ إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاء 42 في المائة، فأحزاب المعارضة دعت إلى مقاطعة الاستفتاء، وحاولت تأزيم الوضع لقطع الطريق أمام خطة واتارا، لكنها لم تنجح في ذلك.
وعاد واتارا في مارس الماضي ليجري تعديلاً جديداً على الدستور، بعدما أضعف المعارضة وأنهكها، فأصبحت غائبة عن أغلب المؤسسات الدستورية، مثل البرلمان ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري. وبالتالي لم يواجه معارضة منظمة وقوية قادرة على أن تحرجه، وإن ظل في الوقت يخشى الشارع، وخاصة اتهامه بأنه يسعى للبقاء في الحكم مدى الحياة. وفي أحد خطاباته أمام الشعب لعرض مشروع تعديل الدستور، قال واتارا بشكل صريح «صحيح أن مراجعات الدستور تثير الشكوك؛ لأن التاريخ القريب لبلدنا وللكثير من البلدان الأخرى، يظهر أن هذه المراجعات كانت حجة لإطالة أمد الأنظمة أو منع الخصوم السياسيين من اللعبة الانتخابية، لكنني أريد أن أطمئنكم: إن مشروع مراجعة الدستور الذي أتقدم به إليكم لا يدخل في هذا السياق».
ولم يكتف الرئيس الإيفواري بذلك، بل أعلن أمام شعبه والعالم أنه ينوي الانسحاب من السلطة مع نهاية ولايته الرئاسية الثانية، والعمل على «تسليم السلطة لجيل الشباب». ولكنه مع هذا كان ينوي توريث الحكم لوزيره الأول أمادو غون كوليبالي، الذي يمثل رجل ثقته وذراعه اليمنى منذ عقود عدة، وسبق أن وصفه في أكثر من مرة وبشكل علني بأنه «ابنه». إلا أن هذا «الخلف» الضعيف البنية والذي كان يعاني من مشاكل صحية، توفي يوليو (تموز) الماضي بأزمة قلبية، تاركاً فراغاً لم يجد واتارا من يملأه بعده.
وفق الصحافي لالوبو، فإن النقاش الذي فتحه واتارا بعد وفاة وزيره الأول، كان يقوم على ربط مصير كوت ديفوار بحزب واحد وبرجل واحد. وأوضح «إنه يعيد الخطأ نفسه المعروف لدى جميع الأنظمة الشمولية»، حتى أن الخطاب الذي روّج له بشدة خلال الأشهر الماضية، كان يقوم على حجة أن «واتارا هو الوحيد القادر على قيادة البلاد نحو مستقبل مشرق». ويضيف الصحافي، أن «ذلك الخطاب شكل زرعاً لبذور أزمة حقيقية في البلاد». وبالفعل، يوم 6 أغسطس 2020، قطع واتارا الشك باليقين وأعلن ترشحه للانتخابات، لتدخل البلاد في موجة من المظاهرات العنيفة الرافضة ترشح الرئيس. وأسفرت الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن عن سقوط عشرات القتلى، في حين بدا خطاب المعارضة يرتكز على القول بـ«لا شرعية العهدة الرئاسية الثالثة»، وهو ما كان يرد عليه أنصار الرئيس بأنها ليست «عهدة رئاسية ثالثة»، وإنما الأولى بموجب الدستور الجديد... أي الحجة ذاتها التي سبق أن نفاها الرئيس خلال الترويج لمشروع تعديل الدستور.
وكما كان متوقعاً، أعلنت الحكومة أن ترشح واتارا هو «الضامن الوحيد لاستقرار البلد»، وهي الحجة المعهودة نفسها - حسب فرنسيس لالوبو – التي تسوّق عندما يسعى أي رئيس أفريقي للالتفاف على الدستور من أجل البقاء في الحكم، ويستطرد الصافي الخبير «اللجوء إلى حجة الاستقرار أمر مستغرب، تلك الكلمة التي لديها حمولة تاريخية سيئة وحزينة؛ لأنها كانت حجة لإبقاء العديد من دول القارة الأفريقية في قبضة أنظمة الحزب الواحد لعقود عدة».

الهدوء الخادع... السمة الغالبة في بنين
> لطالما قدمت دولة بنين الصغيرة في غرب أفريقيا على أنها نموذج ديمقراطي في شبه المنطقة، خاصة بعد التناوب الديمقراطي الهادئ الذي حدث عام 2016، حين قرر الرئيس السابق بوني يايي احترام الدستور الذي يمنحه عهدة رئاسية واحدة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة وحيدة. إذ لم يترشح الرئيس، بل أشرف على انتخابات وصفت بالشفافة، فاز بها رجل الأعمال وأثرى أثرياء البلد، الرئيس الحالي باتريس تالون، الذي قدّرت ثروته إبان وصوله إلى الحكم بقرابة نصف مليار دولار أميركي.
كان باتريس تالون أحد مموّلي الحملة الانتخابية التي أوصلت سلفه إلى الحكم عام 2006. وكثيراً ما اتهم بالحصول على صفقات كبيرة ضاعفت ثروته طوال سنوات حكم يايي، خاصة في زراعة القطن، المصدر الأول لثروة تالون. إلا أن العلاقة بينه الرجلين توترت عام 2013، عندما اتهم بمحاولة قلب نظام الحكم، ويومذاك رفض تالون هذه التهمة وقال إنها محاولة لتصفيته سياسياً بعدما أصبح أحد النافذين الكبار في المشهد. فعلاً، برّأته المحكمة وحصل على عفو رئاسي، ليعود إلى البلاد بعد سنوات من المنفى عام 2014. وهو منذ وصوله إلى الحكم شرع في إصلاحات اقتصادية، مع تركيز كبير على قطاع الزراعة، لتصبح بلاده في غضون سنوات قليلة أكبر منتج للقطن في أفريقيا، وهو الحدث الذي احتفل به واستغله لزيادة رصيده السياسي، وهو الذي لا يحمل وراءه أي خبرة سياسية كبيرة.
لكن سرعان ما بدأ تالون ينحرف بالبلد - الذي كان يُعرف سابقاً باسم «داهومي» - عن سمعته الديمقراطية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية (مارس 2021)، فأدخل تعديلات على القانون الانتخابي تضع عراقيل كبيرة أمام الترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني إغلاق الباب أمام ترشح الأحزاب المعارضة لمنافسته. إذ سنّ تالون قانوناً جديداً يفرض على أي شخص يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية أن يحصل على تزكية 16 نائباً في البرلمان، من أصل 83 نائباً هم إجمالي أعضاء البرلمان. أي أن القانون الجديد يشترط تزكية 20 في المائة من أعضاء البرلمان لدخول السباق الرئاسي، وهذا الشرط رفضته المعارضة، معتبرة أنه محاولة لإغلاق الباب أمام مشاركة مرشحيها في الاقتراع الرئاسي، وهو ما أدخل البلاد في حالة من الاستقطاب السياسي الحاد.
الآن، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لا يبدو من الواضح أن الأحزاب السياسية المعارضة ستكون قادرة على المشاركة، وهي التي قاطعت الانتخابات التشريعية العام الماضي، وبالتالي، لا تملك مقاعد في البرلمان تمكنها من تقديم مرشحين، في وقت يهيمن فيه الحزب الحاكم على أغلبية مطلقة. في غضون ذلك أجرى تالون تعديلاً على الدستور، عبر البرلمان الذي يملك أغلبيته المطلقة. وهو التعديل الدستوري الذي قال إنه يحمل إصلاحات من شأنها أن تقود إلى تهدئة الساحة السياسية، تضمنت إنشاء منصب نائب الرئيس وإلغاء عقوبة الإعدام وترقية حصة المرأة في البرلمان.
ولكن الدستور الجديد تضمن تعديلاً توقّف عنده المراقبون طويلاً، وهو أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يتولى عهدتين رئاسيتين فقط طيلة حياته؛ وذلك من أجل سد ثغرة في الدستور السابق الذي كان ينص على أن الرئيس لديه ولاية رئاسية قابلة للتجديد مرة واحدة. ويرى مراقبون في ذلك إغلاقاً للباب أمام عودة محتملة للرئيس السابق بوني يايي، الذي سبق أن حاول تأسيس حزب سياسي معارض. ووسط الأزمة وفي ظل حالة التذبذب التي دخل فيها الرئيس تالون، أعلن في يونيو (حزيران) الماضي إفشال محاولة انقلاب عسكري استهدف الإطاحة به، واعتقل 15 عسكرياً من ضمنهم الحارس الشخصي لنجل الرئيس الأسبق ماثيو كيريكو، ولكن تفاصيل المحاولة الانقلابية لم تعلن للرأي العام.
اليوم تعيش بنين في وضع صعب، وتجربتها الديمقراطية الوليدة أصبحت على المحك، لا سيما أنها خاضت مارس 2020 انتخابات تشريعية من دون المعارضة. وبعد ذلك بشهرين جرت فيها انتخابات محلية غابت عنها المعارضة أيضاً، وفي غضون أشهر قليلة ستجري انتخابات رئاسية لن تكون المعارضة شريكة فيها بقوة القانون... إنه «انقلاب مستمر»، على حد وصف أحد قادة المعارضة. أما لالوبو فيعتبر أن رئيس بنين «نجح خلال أربع سنوات في إقامة نمط جديد من الحزب الواحد، وأحدث قطيعة مع المنظومة الديمقراطية التي شكلت العلامة المميزة لهذا البلد منذ 1990. لقد كرس مبدأ إقصاء المعارضين، واستغل العدالة ضدهم، وتلاعب بالدستور».



العلاقات الموريتانية – السنغالية: حقبة جديدة أم منعرج آخر؟

الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)
TT

العلاقات الموريتانية – السنغالية: حقبة جديدة أم منعرج آخر؟

الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني وهو يستقبل نظيره السنغال في نواكشوط الخميس (الرئاسة الموريتانية)

بدأ الرئيس السنغالي الجديد باسيرو ديوماي فاي، مهامه بزيارة صداقة وعمل إلى موريتانيا، صباح الخميس. ورغم أنها استمرت ليوم واحد فقط، فإنها تحمل رسائل كثيرة حول مستقبل العلاقات بين بلدين جارين يحاولان تجاوز أزمات سابقة كاد خلالها البلدان الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة نهاية ثمانينات القرن الماضي.

فاي (44 عاماً) فاز بالانتخابات الرئاسية نهاية مارس (آذار) الماضي، ونصّب رئيساً للبلاد مطلع شهر أبريل (نيسان) الحالي، وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أحد الحاضرين الذين هنأوه. وكانت التهنئة التي تقدم بها ولد الغزواني ذات وجهين، أولاً بصفته رئيساً لموريتانيا، وثانياً بصفته الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي.

بعد أسبوعين، قرر فاي أن تكون موريتانيا هي أول وجهة خارجية له بعد تنصيبه. فمدة الرحلة بين دكار ونواكشوط لا تزيد على أربعين دقيقة بالطائرة، وفي موريتانيا يوجد مئات آلاف السنغاليين يشكّلون العمود الفقري لليد العاملة في بلد بالكاد يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين نسمة.

احتفاء موريتاني

كان واضحاً حجم الاحتفاء الكبير الذي أبداه الموريتانيون وهم يستقبلون الرئيس السنغالي الجديد. فقال الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية إن حرص الرئيس السنغالي على أن «تكون موريتانيا أول بلد خارجي يزوره يعبّر عن عمق العلاقة الأخوية بين البلدين».

وأوضح الوزير في مؤتمر صحافي عقده مساء الأربعاء، أن العلاقات بين موريتانيا والسنغال «تطول جميع ميادين الحياة، كالصيد والغاز والمناطق الرعوية، فضلاً عن العلاقات الروحية بين الشعبين»، في إشارة إلى الروابط الدينية التي تتمثل في المذهب المالكي والطرق الصوفية.

أما الوكالة الموريتانية للأنباء، وهي الوكالة الرسمية التي تتحدث باسم السلطات، فقد نشرت تقريراً بالتزامن مع وصول الرئيس السنغالي قالت فيه إن زيارته «تندرج ضمن مسار طويل من الأخوة والصداقة والتضامن والتعاون».

وشدد التقرير على أن البلدين لديهما «رغبة مشتركة وواضحة» في العمل على «بناء مستقبل أفضل عبر مسار تنموي مبتكر، يضع في الحسبان، وبشكل ضروري لا مفر منه اليوم – تعزيز التعاون الثنائي لجعل موريتانيا والسنغال محركاً للازدهار في المنطقة».

التقرير منشور على الصفحة الأولى من عدد الخميس لجريدة «الشعب» الرسمية، وُزّع في المطار والقصر الرئاسي خلال استقبال الوفد السنغالي. أكد التقرير أن موريتانيا والسنغال بصفتهما «لاعبين رئيسيين في المنطقة، يتقاسمان القيم نفسها ويتمتعان بالإيمان نفسه بفضائل السلام والديمقراطية والتضامن، يدركان أكثر من أي وقت مضى حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهما».

بل إن التقرير ذهب إلى تأكيد أن البلدين «قادران على العمل بشكل كامل وذكي على نقاط قوتيهما المحددة في بناء أساس مذهبي جديد في العلاقات، لمواجهة التحديات المتعددة بحيث تظل مراكز تعاونهما ديناميكية وفعالة في خدمة المثل العليا المشتركة لشعبيهما».

التوجس والترقب

تُخفي حفاوة الموريتانيين بالرئيس السنغالي الجديد بعض التوجس. فالعلاقات بين البلدين عاشت أفضل فتراتها خلال السنوات الخمس الماضية، أي منذ وصول محمد ولد الشيخ الغزواني (67 عاماً) إلى السلطة في موريتانيا، وإعلانه رغبته في بناء علاقات جيدة مع جميع الجيران، الموقف نفسه الذي تقاسمه مع الرئيس السنغالي السابق ماكي سال.

استطاع الرجلان أن يقيما علاقات شخصية قوية، انعكست بشكل واضح على طبيعة العلاقات بين البلدين، ونجحا بذلك في تجاوز الكثير من العقبات، خاصة في ملف الشراكة في حقل الغاز الطبيعي الضخم على الحدود، وفي مجالات أخرى، من أبرزها ملف الصيد التقليدي، حيث ضاعفت موريتانيا عدد الرخص الممنوحة للسنغاليين من أجل الصيد في مياهها الإقليمية، في حين سمحت السنغال لتجار المواشي الموريتانيين بدخول أراضيها خلال فترات الجفاف في موريتانيا.

انتهى حكم ماكي سال كما كان متوقعاً في شهر أبريل الحالي، ولكن الذي لم يتوقعه أحد هو أن يخسر حزبه الرئاسيات لصالح حزب معارض، كثيراً ما وصف بأنه «متطرف» فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية.

منعرج «باستيف»

يتعلقُ الأمر بحزب «باستيف» الذي يتزعمه المعارض المعروف عثمان سونكو. وبما أن المجلس الدستوري منع سونكو من الترشح، قدم صديقه ورجل ثقته باسيرو ديوماي فاي للانتخابات. وبعد فوزه، عيّن الأخير سونكو وزيراً أولَ وكلفه تشكيل الحكومة، ويبدو أن الرجلين يرغبان في أن يحكما معاً، كما سبق أن عارضا معاً.

خلال سنوات المعارضة، كان سونكو وحزبه السياسي يتبنيان خطاباً سياسياً لا يخلو من مواقف «غير ودية» تجاه موريتانيا، على حد تعبير الصحافة الموريتانية التي كانت تتابع دوماً تصريحاته، وتمنحها حيزاً كبيراً من التغطية.

الرئيس الجديد للسنغال تعهد في برنامجه الانتخابي بمراجعة اتفاقيات الغاز الطبيعي، وهي اتفاقيات وُقّعت خلال السنوات العشر الأخيرة بين موريتانيا والسنغال من جهة، وشركة «بريتش بيتروليوم» البريطانية وشركة «كوسموس» الأميركية من جهة أخرى، حول استغلال حقل السلحفاة الكبير المشترك بين البلدين.

كما تعهد فاي بحلّ معضلة الصيادين التقليديين في مدينة سينلوي، وذلك واحد من أكثر الملفات حساسية في العلاقات بين البلدين؛ إذ إن مدينة سينلوي السنغالية التي تقع على الحدود، يعتمد عدد كبير من سكانها على الصيد التقليدي، وتمنحهم نواكشوط سنوياً مئات الرخص للصيد في المياه الموريتانية القريبة والغنية بالسمك.

إلا أن عدداً من القوارب السنغالية يدخل المياه الموريتانية بطريقة غير شرعية؛ ما أدى خلال السنوات الأخيرة إلى مطاردات مع البحرية الموريتانية قُتل فيها صيادون سنغاليون، وهي الحوادث التي أجّجت مشاعر الغضب في الشارع السنغالي، ولكن تم تجاوزها دون وقوع أي حوادث بين البلدين.

وتعيد مثل هذه الحوادث إلى الأذهان ما عاشه البلدان في شهر أبريل من عام 1989، حين تسبب خلاف بسيط بين مزارعين على الحدود في أزمة غير مسبوقة جرى فيها استهداف الموريتانيين في السنغال والسنغاليين في موريتانيا، وقُتل خلالها العشرات من مواطني البلدين، وقطع البلدان علاقاتهما الدبلوماسية لسنوات عدة، وكادت تنزلق الأمور نحور مواجهة عسكرية مباشرة.

تطمينات سنغالية

إن ما يزيد مخاوف المراقبين هو نقص الخبرة السياسية والحنكة الدبلوماسية لدى الحكام الجدد الشباب في السنغال. ولكن يبدو أن هؤلاء الشباب يرغبون في تجاوز تلك الصورة النمطية التي كرّسها الإعلام خلال الأشهر الأخيرة في إطار الصراع السياسي الداخلي في السنغال.

في هذا السياق، أعلنت الرئاسة السنغالية الأربعاء أن باسيرو ديوماي فاي، سيبدأ من موريتانيا جولة ستقوده إلى دول الجوار، هدفها الأول هو «مواصلة تعزيز روابط حسن الجوار التاريخية، والتلاقح الاجتماعي والثقافي» بين السنغال وجوارها.

وقالت الرئاسة السنغالية إن فاي أبلغ حكومته خلال مجلس الوزراء أنه ينوي «زيارة نظرائه الآخرين في المنطقة»، وطلب منهم أن «يولوا اهتماماً خاصاً للعلاقات الودية التي تربط السنغال بجيرانها، والعمل على تعزيزها».


مقتل قائد الجيش الكيني و9 ضباط في تحطم مروحية عسكرية

رئيس كينيا وليام روتو (يسار) يتحدث مع قائد الجيش الكيني فرنسيس أوموندي أوغولا في نيروبي 31 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
رئيس كينيا وليام روتو (يسار) يتحدث مع قائد الجيش الكيني فرنسيس أوموندي أوغولا في نيروبي 31 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

مقتل قائد الجيش الكيني و9 ضباط في تحطم مروحية عسكرية

رئيس كينيا وليام روتو (يسار) يتحدث مع قائد الجيش الكيني فرنسيس أوموندي أوغولا في نيروبي 31 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
رئيس كينيا وليام روتو (يسار) يتحدث مع قائد الجيش الكيني فرنسيس أوموندي أوغولا في نيروبي 31 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

أعلن رئيس كينيا وليام روتو، اليوم الخميس، مقتل قائد الجيش الكيني فرنسيس أوموندي أوغولا وتسعة من كبار الضباط بتحطم مروحية عسكرية في غرب البلاد.

وقال روتو «اليوم عند الساعة 14:20، عانت أمّتنا من حادث طيران مأساوي... ببالغ الحزن أعلن وفاة الجنرال فرنسيس أوموندي أوغولا»، وفقا لوكالة «الصحافة الفرنسية».

وأشار روتو إلى أنّ الحادث تسبّب أيضاً في مقتل تسعة ضباط آخرين، ونجاة اثنين ممن كانوا في المروحية.

وكانت تحطّمت مروحية عسكرية في غرب كينيا، اليوم الخميس، وفيها مسؤولون عسكريون يتقدّمهم قائد الجيش الجنرال فرنسيس أوموندي أوغولا، وفق ما أفاد مصدر بالشرطة.

وأوضح مصدر في الشرطة لوكالة «الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم كشف اسمه، أنّ «النيران اندلعت في المروحية بعيد تحطّمها، وكان فيها أكثر من عشرة قادة رفيعي المستوى، من بينهم الجنرال أوغولا».


بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين

جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين

جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
جنود من جيش بوركينا فاسو بمنطقة سوم على طول الحدود مع مالي في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)

طردت سلطات بوركينا فاسو، ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين قالت إنهم متورطون في «أعمال تخريبية»، وهو ما نفاه الفرنسيون، مؤكدين أن الدبلوماسيين لم يخرجوا عن دائرة عملهم الروتيني.

وتدخل هذه الحادثة في سياق سلسلة من التوترات تطبع علاقات البلدين منذ وصول النقيب إبراهيم تراوري إلى السلطة في بوركينا فاسو عام 2022، وتبنيه خطاباً معادياً للقوة الاستعمارية السابقة. وكتبت وزارة خارجية بوركينا فاسو مذكرة، الثلاثاء الماضي، وبعثت بها إلى السفارة الفرنسية في واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو)، ولكن المذكرة لم تنشر على الفور، وإنما بقيت طي الكتمان حتى اليوم الخميس.

وجاء في المذكرة أن الدبلوماسيين الثلاثة «صنّفوا أشخاصاً غير مرغوب فيهم على أراضي بوركينا فاسو بسبب قيامهم بنشاطات تخريبية»، ثم أضافت الوزارة في المذكرة أنه يطلب من هؤلاء الدبلوماسيين مغادرة أراضي بوركينا فاسو في غضون 48 ساعة، وهو الأجل الذي ينتهي الخميس.

سبب الاستياء

وقالت إذاعة فرنسا الدولية، الممنوعة من البث في بوركينا فاسو بقرار من المجلس العسكري الحاكم، إن الدبلوماسيين الثلاثة «أجروا خلال الأيام الأخيرة أنشطة دبلوماسية كلاسيكية، تضمنت لقاءات مع منظمات من المجتمع المدني، وبعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ورجال الأعمال ورؤساء تنفيذيين لبعض المؤسسات».

وأضافت الإذاعة القريبة من الدولة الفرنسية، أن الدبلوماسيين الثلاثة عقدوا لقاءات أيضاً مع «وسائل إعلام محلية لا تتبنى توجه المجلس العسكري الحاكم نفسه»، قبل أن تتساءل إن كان ذلك هو سبب «استياء» سلطات بوركينا فاسو.

وبخصوص الدبلوماسيين الفرنسيين الذين صنفتهم واغادوغو أشخاصاً غير مرغوب فيهم، فقد أكدت إذاعة فرنسا الدولية أن أحدهم «غادر بوركينا فاسو قبل عدة أيام»، دون أن تعطي أي تفاصيل حول الاثنين الآخرين.

التعليق الفرنسي

وفي أولّ تعليق رسمي فرنسي على الموضوع، عبّرت باريس عن أسفها على قرار واغادوغو طرد الدبلوماسيين الفرنسيين، ونفت بشكل قاطع كل التهم الموجهة لهم.

وجاء على لسان كريستوف لوموان، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أن «قرار السلطات في بوركينا فاسو لا يستند إلى أي أساس مشروع»، وأكد في السياق ذاته أن الاتهامات الموجهة إلى فرنسيين «لا أساس لها من الصحة».

وتدهورت العلاقات بين فرنسا وبوركينا فاسو بشكل كبير منذ وصول إبراهيم تراوري إلى السلطة في سبتمبر (أيلول) 2022 بانقلاب كان الثاني خلال ثمانية أشهر، مع إنهاء البلاد اتفاقاً عسكرياً مع باريس وانسحاب القوات الفرنسية.

وكان لافتاً حينها أن المتظاهرين المؤيدين للانقلاب العسكري توجهوا نحو السفارة الفرنسية، وخربوا أجزاء من مبناها، وأحرقوا العلم الفرنسي، وطالبوا بشكل صريح بقطع العلاقات بفرنسا التي يحمّلونها مسؤولية تغلغل الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو.

ومنذ ذلك الوقت، وقعت أحداث متلاحقة ساهمت في تدهور العلاقات بين البلدين، ولكنها لم تصل بعد إلى درجة قطع العلاقات أو إغلاق السفارات، كما حدث في مالي المجاورة، التي طردت السفير الفرنسي.

توتر متصاعد

في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اعتقلت سلطات بوركينا فاسو 4 موظفين حكوميين فرنسيين، قالت إنهم عملاء استخبارات، ويوجدون منذ ذلك الوقت تحت الإقامة الجبرية في شقة معزولة في العاصمة واغادوغو.

ولكن الجانب الفرنسي يؤكد أن الموظفين المحتجزين في واغادوغو هم مجرد تقنيي حاسوب، جرى اعتقالهم قبل «توجيه التهمة إليهم ثم تمت إحالتهم إلى السجن».

وقبل ذلك في شهر سبتمبر الماضي، طردت سلطات بوركينا فاسو الملحق العسكري في سفارة فرنسا بتهمة ممارسة «أنشطة تخريبية»، وقالت في بيان حينها إن قرار الطرد شمل «الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية إيمانويل باسكييه، والموظفين العاملين معه»، وبررت ذلك بتورطه في «أنشطة تخريبية».

وفي شهر ديسمبر من عام 2022، رحّلت سلطات بوركينا فاسو فرنسيين يعملان في شركة محلية بعدما اشتبهت في أنهما «يتجسسان» لصالح بلدهما.

وبينما يتواصل التضييق على الفرنسيين في بوركينا فاسو، قررت السلطات منع بث جميع وسائل الإعلام الفرنسية في البلاد، بعد أن اتهمتها بنشر أخبار كاذبة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلد.

ويرافق ذلك تقارب شديد مع روسيا؛ حيث عقدت واغادوغو شراكة أمنية وعسكرية قوية مع موسكو، حصلت بموجبها على صفقات سلاح ضخمة لم تعلن تفاصيلها، وأصبح المدربون العسكريون الروس ينشطون بقوة داخل جيش بوركينا فاسو.


مصرع 30 إرهابياً بغارات جوية للجيش في نيجيريا

أفراد من الشرطة النيجيرية (أرشيفية)
أفراد من الشرطة النيجيرية (أرشيفية)
TT

مصرع 30 إرهابياً بغارات جوية للجيش في نيجيريا

أفراد من الشرطة النيجيرية (أرشيفية)
أفراد من الشرطة النيجيرية (أرشيفية)

لقي 30 إرهابياً مصرعهم يُشتبه في انتمائهم إلى جماعة إرهابية، جراء غارات جوية شنتها القوات الجوية النيجيرية. وأوضح المتحدث باسم القوات الجوية النيجيرية إدوارد جابكويت، في بيان صحافي، أن ضربات دقيقة أصابت مخابئ الإرهابيين في قرية كوليرام بولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا التي تشترك في الحدود مع تشاد.

وقال السكّان إنّ المهاجمين وصلوا على دراجات نارية وشاحنات مجهّزة بمدافع رشّاشة إلى قريتي غاتماروا وتسيها الواقعتين قرب مدينة شيبوك وراحوا يطلقون النار على سكّانهما. وصرّح ماناسيه آلين، رئيس جمعية تنمية منطقة شيبوك بأنّ «حصيلة القتلى في القريتين بلغت 15 شخصاً».

وأكّد ناحوم داسو، المتحدّث باسم شرطة ولاية بورنو، وقوع الهجوم، لكنّه لم يقدّم أي تفاصيل بشأنه أو يذكر حصيلة قتلاه. وحسب آلين فإنّ الإرهابيين الذين كانوا يرتدون زي الجيش، اقتحموا غاتماروا وأطلقوا النار على سكّانها، بمن فيهم أشخاص كانوا عائدين من جنازة.

أطفال أنقذهم الجيش النيجيري من جماعة «بوكو حرام» (أرشيفية)

خطف أكثر من 250 تلميذة

إلى ذلك، وبعد مرور عشر سنوات على خطف أكثر من 250 تلميذة من مدرستهن في شيبوك بنيجيريا على أيدي عناصر من مجموعة «بوكو حرام» المتطرفة، لا تزال ماري شيتيما تعتقد كلما سمعت وقْع أقدام أمام الباب أن ابنتها المخطوفة عادت إلى المنزل.

وتنتظر يانا غالنغ أيضاً رجوع ابنتها، وجهّزت ملابسها لعودتها. ويُعتقد أن نحو مائة من بين 276 تلميذة ما زلن في قبضة خاطفيهن. وأثارت عملية خطفهن غضباً دولياً عارماً وسلَّطت الضوء على ضحايا أعنف تمرد جهادي أدى إلى نزوح أكثر من مليوني شخص.

مشاركون بحملة «أعيدوا لنا فتياتنا» خلال احتجاجات تطالب الحكومة النيجيرية بإنقاذ باقي الفتيات المختطفات (أ.ب)

غير أن ذكرى اختطافهن في 14 أبريل (نيسان) 2014 تأتي على وقع عودة عمليات الخطف على نطاق واسع في نيجيريا، من دون أن تَلوح في الأفق نهاية لنزاع أودى بحياة أكثر من أربعين ألف شخص في شمال شرقي البلاد.

في بلدة شيبوك الهادئة تخبر أمهات الفتيات المفقودات وكالة الصحافة الفرنسية عن الألم الذي يشعرن به لدى سماع أنباء عن اختطاف أطفال آخرين.

عناصر من قوات الأمن النيجيرية (أ.ب)

وقالت شيتيما التي ستبلغ ابنتها مارغريت 29 عاماً هذه السنة: «أفكر بذويهم وأنفجر بالبكاء». ويخشى الضحايا أن يكون العالم قد نسي الأزمة. وقالت أسابي التي اختُطفت من مدرستها بعمر 14 عاماً وأُفرج عنها بعد ثلاث سنوات: «أشعر بعجز تام لأن أخريات ما زلن يعانين من الأمر».

وأضافت وهي تحبس دموعها: «متى يصبح الوضع آمناً من جديد؟».

المهم مواصلة التعليم

ولا يزال من الصعب الذهاب إلى شيبوك لأسباب أمنية. وتوجهت وكالة الصحافة الفرنسية إلى المنطقة بمواكبة عسكرية في الرحلة التي استمرت ست ساعات على طرق رملية. وقد شدد الجيش التعزيزات الأمنية في البلدة وأُقيم جدار إسمنتي وسياج شائك في محيط ثانوية البنات الرسمية التي أُعيد فتحها في 2021.

ومن قاعات الدراسة الجديدة يمكن للتلميذات رؤية هياكل المهاجع السابقة المتفحمة والتي أُضرمت فيها النيران لدى خطفهن ليلاً. وتهب رياح مغبّرة وتجتاح المباني المتهالكة. وتتذكر هاوا التي خُطفت وهي بعمر 16 عاماً وصول المسلحين على دراجات نارية. وتقول: «كانوا يصرخون ويطلقون النار في الهواء. شعرت بخوف شديد، بقيت أعتقد أنهم سيقتلوننا. تلوت ما اعتقدت أنها ستكون صلاتي الأخيرة». وتمتنع «الصحافة الفرنسية» عن نشر الأسماء الكاملة للمخطوفات السابقات خوفاً على سلامتهن.

واستعاد الجيش حالياً مساحات واسعة كان تسيطر عليها «بوكو حرام» التي تراجعت قوتها جراء اقتتال داخلي مع خصمها تنظيم «داعش ولاية غرب أفريقيا».

مسيرة تطالب بالإفراج عن الفتيات المحتجزات لدى جماعة «بوكو حرام» في أبوجا (أ.ب)

 

تصاعُد عمليات الخطف

وقال نائب مدير المدرسة باتور سولي (54 عاماً) الذي كان يقف بين الأنقاض إن الكثير من أهالي البلدة ذات الأغلبية المسيحية، عبّروا عن سعادتهم لتمكن أبنائهم من الالتحاق مجدداً بالمدرسة. وأضاف: «من المهم أن نواصل التعليم هنا». وتعارض «بوكو حرام» التعليم على النمط الغربي ونفّذت أول موجة خطف لتلاميذ مدارس قبل نحو عقد. وتصاعدت عمليات الخطف من جانب المجموعة وسواها في أنحاء البلاد. وخُطف أكثر من 1680 تلميذ في مدارس نيجيرية بين مطلع 2014 ونهاية 2022 حسب منظمة «سايف ذات تشيلدرن» الخيرية.

تمرد اندلع قبل 15 عاماً

وغير بعيد عن شيبوك يتواصل تمرد اندلع قبل نحو 15 عاماً. وينشط متطرفون في البلدات المجاورة، وكثيراً ما يسمع الأهالي دويَّ إطلاق نار. في أحدث تقرير أسبوعي له قال الجيش إنه قتل أكثر من 50 مسلحاً. ولا يزال الخطف مقابل مبالغ فدية أسلوباً مفضلاً لجمع الأموال، ووقعت عمليتا خطف كبيرتان في نيجيريا في الأسابيع القليلة الماضية. وخُطف أكثر من 130 طفل من مدرستهم في ولاية كادونا (شمال غرب) فيما خُطف أكثر من 100 شخص في نغالا، نفس الولاية حيث تقع شيبوك، غالبيتهم من النساء والأطفال.

فرصة ثانية

لم تفِ السلطات بوعودها ضمان أمن عودة كل فتاة أو وضع حد لعمليات الخطف الجماعي. بعد وقت قصير على الهجوم في شيبوك عام 2014 تمكنت 57 فتاة من الهرب. مذّاك أُنقذ أكثر من مائة أو أفرج عنهن في صفقات مع المتشددين.

وعدد كبير منهن يحاولن إعادة بناء حياتهن وتعويض ما خسرنه من تعليم.

وفي يولا التي تبعد مسافة نصف يوم بالسيارة عن شيبوك، تحدثت «الصحافة الفرنسية» إلى كثير من المخطوفات السابقات اللواتي يدرسن حالياً في الجامعة الأميركية في نيجيريا. وتأمل غريس التي كانت بعمر 17 عاماً عندما خُطفت، أن تصبح ممرضة. وقالت: «دمَّروا حياتي»، مضيفةً: «اعتقدتُ أن الأمر سيكون أفضل مما هو عليه الآن... المفترض أن أكون أنهيت دراستي الآن». وككثير من المخطوفات نُقلت إلى غابة سامبيسا، أحد معاقل الجهاديين، حيث لا يتوفر طعام كافٍ وكانت الفتيات يسارعن إلى الاختباء لدى تحليق الطائرات العسكرية. وكثيرات من رفيقاتها اضطررن إلى الزواج من خاطفيهن.

ولا تزال المدارس الريفية معرَّضة للخطر. ولم يردّ المتحدث باسم الرئيس بولا أحمد تينوبو على طلبات «الصحافة الفرنسية» المتكررة للتعليق. وقال جيف أوكوروافور من حملة «أعيدوا فتياتنا»، إن «الحكومة النيجيرية لم تتعلم أي شيء، لقد تخطت الأمر بالكامل». وأضاف: «ولهذا السبب تجرأ الخاطفون على اختطاف تلاميذ من كادونا». لكنّ أمهات تلميذات شيبوك يقلن إنهن لا يستطعن المضي قدماً ولم يتلقين سوى القليل من الدعم. وتوفي عشرات الآباء منذ اختطاف بناتهم، كما أن ضغوط سنوات الانتظار تزيد من صعوبة الحياة في أحد أفقر الأماكن في العالم. وقالت شيتيما: «ستعود ابنتي قريباً... أنا أعيش على الأمل».


قراصنة صوماليون يفرجون عن سفينة مقابل 5 ملايين دولار

شرطي بحري يحرس ناقلة نفط أطلق قراصنة صوماليون سراحها (أرشيفية- رويترز)
شرطي بحري يحرس ناقلة نفط أطلق قراصنة صوماليون سراحها (أرشيفية- رويترز)
TT

قراصنة صوماليون يفرجون عن سفينة مقابل 5 ملايين دولار

شرطي بحري يحرس ناقلة نفط أطلق قراصنة صوماليون سراحها (أرشيفية- رويترز)
شرطي بحري يحرس ناقلة نفط أطلق قراصنة صوماليون سراحها (أرشيفية- رويترز)

قال اثنان من القراصنة لوكالة «رويترز» للأنباء، إن قراصنة صوماليين أطلقوا سراح السفينة المخطوفة «عبد الله» وطاقمها المكون من 23 فرداً، في وقت مبكر من اليوم (الأحد) بعد دفع فدية قدرها 5 ملايين دولار.

وقال أحدهما، ويدعى عبد الرشيد يوسف: «تم إحضار الأموال إلينا قبل ليلتين كالمعتاد... تحققنا مما إذا كانت الأموال مزيفة أم لا. ثم قسمنا الأموال إلى مجموعات وغادرنا، متجنبين القوات الحكومية».

وأضاف أنه تم إطلاق سراح السفينة وطاقمها بالكامل.

ولم يستجب مسؤولو الحكومة الصومالية لطلب التعليق.

وخُطفت سفينة البضائع السائبة التي تحمل علم بنغلاديش في مارس (آذار) بينما كانت في طريقها من موزمبيق إلى الإمارات، على بعد نحو 600 ميل بحري شرق العاصمة الصومالية مقديشو.

وتسبب القراصنة الصوماليون في حدوث فوضى في المياه قبالة الساحل الطويل للبلاد، في الفترة من عام 2008 إلى عام 2018 تقريباً. وظلوا في حالة سبات حتى أواخر العام الماضي، عندما بدأ نشاط القراصنة في الانتعاش مرة أخرى.

وتقول مصادر بحرية إن تخفيف الإجراءات الأمنية ربما يشجع القراصنة، أو إنهم ربما يستغلون الفوضى الناجمة عن الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على السفن، بينما تستعر الحرب في قطاع غزة الفلسطيني بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).


«فيلق أفريقيا» الروسي ينتشر في النيجر

جنود روس من (الفيلق الأفريقي) يتحدثون بعد وصولهم إلى النيجر (تلفزيون حكومي)
جنود روس من (الفيلق الأفريقي) يتحدثون بعد وصولهم إلى النيجر (تلفزيون حكومي)
TT

«فيلق أفريقيا» الروسي ينتشر في النيجر

جنود روس من (الفيلق الأفريقي) يتحدثون بعد وصولهم إلى النيجر (تلفزيون حكومي)
جنود روس من (الفيلق الأفريقي) يتحدثون بعد وصولهم إلى النيجر (تلفزيون حكومي)

مضت 8 أشهر على الانقلاب العسكري في النيجر، كانت كافية ليحدث ما يخشاه الأميركيون، فالحكام في نيامي وقعوا اتفاق تعاون عسكري مع روسيا، وبدأت، الأربعاء، وحدات مجموعة «فاغنر» التي أصبحت تحملُ اسم «فيلق أفريقيا» الانتشار على أراضي النيجر، حيث يوجدُ 1100 جندي أميركي.

ويكشف هذا عن صراع جديد على النفوذ في واحد من أفقر بلدان العالم، وتختزن أرضه ثروات معدنية واعدة، لكن أجواء هذا البلد الاستراتيجي أضحت مسرحاً للصراع بين الأميركيين والروس، «صراع في الجو» حسب مصادر خاصة في النيجر، إذ إن مفاوضات سرية بين الطرفين الروسي والنيجري استمرت لأسابيع عدة، أسفرت عن صياغة اتفاق تعاون عسكري، يكون بموجبه العسكريون الروس البديل الجاهز والسريع لشغل الفراغ الذي خلفه الفرنسيون بعد انسحابهم العام الماضي، والأميركيون الذين طلبت منهم المغادرة.

وتشير مصادر إلى أن أول تجسيد للاتفاق الجديد تمثل في طائرة شحن روسية من طراز (IL-76) حطت ليل الأربعاء - الخميس في مطار نيامي العسكري، وهو المطار الذي كان يتمركز فيه الجنود الفرنسيون قبل أن يحزموا أمتعتهم ويغادروا البلاد.


سباق روسي - أميركي على النفوذ في سماء النيجر

المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)
المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)
TT

سباق روسي - أميركي على النفوذ في سماء النيجر

المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)
المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)

مضت ثمانية أشهر على الانقلاب العسكري في النيجر، كانت كافية ليحدث ما يخشاه الأميركيون، فالحكام العسكريين في نيامي وقعوا اتفاق تعاون عسكري مع روسيا، وبدأت الأربعاء وحدات مجموعة (فاغنر) التي أصبحت تحملُ اسم (الفيلق الأفريقي) الانتشار على أراضي النيجر، حيث يوجدُ 1100 جندي أمريكي.

إنَّه صراع جديد على النفوذ في واحد من أفقر بلدان العالم، تبلغُ مساحته أكثر من مليون ومائتي ألف كيلومتر مربع، وتختزن أرضه ثروات معدنية واعدة، ولكن أجواء هذا البلد الاستراتيجي هي مسرح الصراع بين الأمريكيين والروس.

 

صراع في الجو

حسب مصادر خاصة في النيجر، فإن مفاوضات سرية بين الطرفين الروسي والنيجري استمرت لعدة أسابيع، أسفرت عن صياغة اتفاق تعاون عسكري، يكون بموجبه العسكريون الروس البديل الجاهز والسريع لشغل الفراغ الذي خلفه الفرنسيون بعد انسحابهم العام الماضي، والأميركيون الذين طلبت منهم المغادرة.

تشير هذه المصادر إلى أن أول تجسيد للاتفاق الجديد، تمثل في طائرة شحن روسية من طراز (IL-76) حطت ليل الأربعاء - الخمس في مطار نيامي العسكري، وهو المطار الذي كان يتمركز فيه الجنود الفرنسيون قبل أن يحزموا أمتعتهم ويغادروا البلاد.

جنود روس من (الفيلق الأفريقي) يتحدثون بعد وصولهم إلى النيجر (تلفزيون حكومي)

كان على متن الطائرة الروسية منظومة للدفاع الجوي ومائة عسكري روسي من «الفيلق الأفريقي»، الاسم الجديد الذي منحته موسكو لمجموعة (فاغنر) الخاصة، بعد أن قتل زعيمها يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة أغسطس (آب) الماضي، ليتم وضع اليد على المجموعة العسكرية الخاصة وإعادة هيكلتها، بصفتها الذراع العسكرية والاقتصادية القوية لروسيا في أفريقيا.

وأعلنت سلطات النيجر بشكل رسمي أن هؤلاء العسكريين الروس «مدربون»، ومهمتهم الأولى هي نقل خبرة روسيا في محاربة الإرهاب إلى النيجر، تماماً كما حدث مع جارتيها مالي وبوركينا فاسو، حيث تخوض (فاغنر) معارك على الأرض إلى جانب الجيش الحكومي.

ويثير حصول النيجر على منظومة للدفاع الجوي كثيراً من الأسئلة، خاصة أنها تأتي ضمن اتفاق تعاون عسكري هدفه المعلن هو «الحرب على الإرهاب»، ولكن المجموعات الإرهابية التي تنشط في النيجر وفي شبه المنطقة لا تمتلكُ أي طائرات، رغم أن تقارير تحدثت في السابق عن امتلاك هذه المجموعات لطائرات مسيرة صغيرة الحجم تستخدم في شن أعمال انتحارية.

وهُنا يشير خبراء في النيجر إلى أن الهدف الحقيقي من منظومة الدفاع الجوي هو «تمكين جيش النيجر من استعادة السيادة على أجوائه، بعد أن كان لفترة طويلة يعتمد على فرنسا والولايات المتحدة في ذلك، وبعد انسحاب الفرنسيين بقي الأميركيون مسيطرين على أجواء النيجر».

طائرة الشحن الروسية وهي تحط في مطار نيامي العسكري (تلفزيون حكومي)

 

الحضور الأميركي

ينشر الأميركيون أكثر من ألف جندي في النيجر، بموجب اتفاقية للتعاون العسكري أعلن الحكام الجدد للنيجر، شهر مارس (آذار) الماضي، تعطيلها من طرف واحد، طالبين من الأميركيين الشروع في سحب قواتهم.

جاء قرار سلطات النيجر بعد تعثر مفاوضات مع الأميركيين استمرت لعدة أشهر، هدفها إيجاد صيغة جديدة للشراكة العسكرية بين البلدين، إلا أن الأميركيين كانوا يرفضون أن تقطع النيجر أي خطوة في اتجاه التعاون العسكري مع روسيا.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ذلك بشكل صريح، حين قال إن بلاده لن تقبل دخول فاغنر إلى النيجر، وحذر في الوقت ذاته من سعي المجموعة العسكرية الخاصة لاستغلال عدم استقرار الأوضاع هناك من أجل التمركز في النيجر.

وكان الأميركيون شريكاً مهماً للنيجر، حيث شيدوا قبل سنواتٍ قاعدة جوية للطائرات المسيرة (درون) في مدينة أغاديز (شمال النيجر)، كلفتهم أكثر من مائة مليون دولار، وتحمل اسم (القاعدة 201)، وهي ثاني أكبر قاعدة عسكرية للأميركيين في أفريقيا، بعد قاعدتهم الكبرى في جيبوتي.

وتتمركز في هذه القاعدة الجوية طائرات مسيرة أميركية، يمنحها موقعها الاستراتيجي القدرة على مراقبة مناطق شاسعة من الصحراء الكبرى، كما تشير تقارير غير رسمية إلى وجود قاعدة عسكرية سرية أميركية تتبع وكالة الاستخبارات في مدينة (ديركو) في أقصى شمال شرقي النيجر، غير بعيد من الحدود مع ليبيا والجزائر وتشاد.

وقبل أسبوعين أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً مع رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، لم تكشف أي تفاصيل حوله، ولكن بعض المصادر تقول إنه جاء بعد أن نجحت المفاوضات السرية بين الطرفين لعقد اتفاق التعاون العسكري، فيما أعلنت جهات رسمية أنهما ناقشا «الشراكة الاستراتيجية» في مواجهة «التهديدات الراهنة».

وبعد أسبوع من ذلك، هاجم المجلس العسكري الحاكم في النيجر الولايات المتحدة، وقال المتحدث باسم المجلس إن الوجود العسكري الأميركي في النيجر لا يخدم مصالح البلاد، مشيراً في بيان صحافي يوم الأحد الماضي إلى أن الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة «تبين أنه مجرد صفقة حمقاء».

وأضاف: «كيف يمكننا الحديث عن مصالح النيجر، حين يرفض الأميركيون المتمركزون هُنا منحنا إحداثيات مواقع قواعد المجموعات الإرهابية التي تضربنا يومياً؟ كيف يمكننا الحديث عن مصالح النيجر حين لا تدفع الولايات المتحدة أي كوبيك (وحدة نقدية روسية) للنيجر مقابل تمركز جنودها على أراضينا؟».

في المقابل، لم يعلن الحكام العسكريون في النيجر أي معلومات حول الاتفاق العسكري الموقع مع روسيا، ولا المقابل الذي دفعته النيجر للحصول على منظومة الدفاع الجوي، ولا أي تفاصيل بخصوص مستقبل الوجود العسكري لروسيا في النيجر.

 

قوة ردع

المجلس العسكري في أول تعليق على وصول الأسلحة والجنود الروس، قال صباح (الجمعة) في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إنه يأتي في إطار «تعزيز قدرات الدفاع والأمن».

ووصف المجلس منظومة الدفاع الجوي بأنها «مكسب استراتيجي» لأنها ستساهم في «الرفع من قدرات الدفاع عن البلد، لتصل إلى مستوى رادع، في سياق إقليمي تطبعه المخاطر الأمنية»، كما وصف روسيا بأنها «حليف تاريخي للنيجر في مجال الأمن والاستقرار».


النيجر تعلن إرسال روسيا مدربين عسكريين إلى البلاد

جنود من النيجر يقومون بدورية في صحراء إيفروان (أ.ف.ب - أرشيفية)
جنود من النيجر يقومون بدورية في صحراء إيفروان (أ.ف.ب - أرشيفية)
TT

النيجر تعلن إرسال روسيا مدربين عسكريين إلى البلاد

جنود من النيجر يقومون بدورية في صحراء إيفروان (أ.ف.ب - أرشيفية)
جنود من النيجر يقومون بدورية في صحراء إيفروان (أ.ف.ب - أرشيفية)

قال تلفزيون «آر.تي.إن» الرسمي في النيجر، يوم الخميس، إن مدربين عسكريين روسا وصلوا إلى النيجر أمس الأربعاء على طائرة محملة بعتاد عسكري، مشيرا إلى اتفاق بين المجلس العسكري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز التعاون.

وبث التلفزيون لقطات لطائرة شحن عسكرية وهي تفرغ عتادا بينما وقف أشخاص بزي عسكري بجانبها. وقال رجل يرتدي زيا عسكريا أفاد التلفزيون بأنه أحد المدربين "نحن هنا لتدريب جيش النيجر... (و)لتعزيز التعاون العسكري بين روسيا والنيجر". وقال التلفزيون أيضا إن روسيا وافقت على تثبيت نظام مضاد للطائرات في النيجر.

وأصبحت علاقات الدولة الواقعة في غرب أفريقيا مع موسكو في دائرة الضوء منذ أن استولى المجلس العسكري على السلطة في انقلاب العام الماضي وقطع العلاقات العسكرية والدبلوماسية طويلة الأمد مع فرنسا. وأثار ذلك تكهنات بأن النيجر ستوطد علاقاتها الأمنية مع روسيا مثلما فعلت جارتاها مالي وبوركينا فاسو.


مقتل 6 جنود في انفجار قنبلة بالنيجر قرب الحدود مع مالي

قوات أمن نيجرية خلال مهمة بنيامي عاصمة النيجر في 30 يوليو 2023 (رويترز)
قوات أمن نيجرية خلال مهمة بنيامي عاصمة النيجر في 30 يوليو 2023 (رويترز)
TT

مقتل 6 جنود في انفجار قنبلة بالنيجر قرب الحدود مع مالي

قوات أمن نيجرية خلال مهمة بنيامي عاصمة النيجر في 30 يوليو 2023 (رويترز)
قوات أمن نيجرية خلال مهمة بنيامي عاصمة النيجر في 30 يوليو 2023 (رويترز)

أعلن الجيش النيجري، الخميس، مقتل 6 من جنوده هذا الأسبوع في انفجار قنبلة في منطقة إيناتس قرب مالي، مؤكداً أنه شنّ في أعقاب ذلك غارات جوية على جانبي الحدود أدت إلى «تحييد» ما لا يقل عن 10 «إرهابيين».

ولقي الجنود الستة حتفهم «في بداية الأسبوع» عندما مرت آليتهم «العائدة من إيناتس» على لغم بالقرب من قرية تينغارا (جنوبي غرب)، وفق ما أوضحت وزارة الدفاع النيجرية في آخر نشرة لها، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وأضافت الوزارة أن جنوداً آخرين جُرحوا، وجرى إجلاؤهم بمروحية إلى نيامي.

وتابعت الوزارة أن الاستطلاع الجوي أتاح «العثور على الإرهابيين الثلاثة المتورطين» في هذا «العمل الجبان»، موضحة أنه «جرى تعقبهم إلى قرية صغيرة» انضموا فيها إلى «نحو 20 شريكاً آخرين».

وقالت إنه جرى بعد ذلك شن «غارة جوية» أدت إلى «تحييد» (مقتل) كثير منهم، وتدمير المعدات اللوجيستية.

وفي الوقت نفسه استهدفت غارة جوية أخرى «مجموعة من الإرهابيين» في منطقة أماولاو في مالي؛ ما سمح «بتحييد 8 مقاتلين على الأقل» و«تدمير معدات»، وفق ما أفادت به نشرة الوزارة.

وتقع إيناتس في منطقة تيلابيري التي أصبحت معقلاً للمتطرفين في منطقة الساحل، بما في ذلك تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، قُتل 71 جندياً نيجرياً في إيناتس في هجوم على معسكرهم، أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنه.


3,4 مليون شخص في تشاد يعانون «حالة حرجة من انعدام الأمن الغذائي»

لاجئة سودانية من دارفور تخضع ابنها لفحص طبي في أحد مراكز اللجوء في تشاد (إ.ب.أ)
لاجئة سودانية من دارفور تخضع ابنها لفحص طبي في أحد مراكز اللجوء في تشاد (إ.ب.أ)
TT

3,4 مليون شخص في تشاد يعانون «حالة حرجة من انعدام الأمن الغذائي»

لاجئة سودانية من دارفور تخضع ابنها لفحص طبي في أحد مراكز اللجوء في تشاد (إ.ب.أ)
لاجئة سودانية من دارفور تخضع ابنها لفحص طبي في أحد مراكز اللجوء في تشاد (إ.ب.أ)

أكدت "منظمة العمل ضد الجوع" أن أكثر من 3,4 مليون شخص في حاجة "عاجلة" إلى الاستجابة الإنسانية في تشاد نتيجة التدفق الهائل للاجئين الفارين من الحرب في السودان و"نقص التمويل".

وقالت المنظمة غير الحكومية في بيان "يعاني 3,4 مليون شخص حاليا من حالة حرجة من انعدام الأمن الغذائي في تشاد (...) وتعد المقاطعات المضيفة في شرق تشاد من بين المناطق الهشّة للغاية في البلاد والتي تعاني من ضعف إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية ووصول اللاجئين يفاقم الاحتياجات بشكل كبير".

تستضيف تشاد، وهي إحدى أفقر البلدان في العالم، حوالى 1,4 مليون نازح داخليا ولاجئ بسبب الصراعات داخل البلاد وفي الجوار. وقبل اندلاع الحرب الأهلية في السودان في منتصف أبريل (نيسان) 2023، كانت تشاد تؤوي وفق الأمم المتحدة أكثر من 400 ألف لاجئ فروا من الحرب التي اجتاحت دارفور في الفترة من 2003 إلى 2020. ويبلغ عدد اللاجئين السودانيين حاليا 900 ألف، 88% منهم نساء وأطفال.

وحذّرت منظمة العمل ضد الجوع من "أن عدد حالات سوء التغذية الحاد الشديد المتوقع بين أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وسبتمبر (أيلول) 2024 سيصل إلى 480 ألف طفل"، بزيادة قدرها 15%. وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد أعربت عن القلق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 لبلوغ معدل سوء التغذية الحاد الشديد بين أطفال اللاجئين السودانيين 4,8% في بعض مخيمات اللاجئين، أي "ضعف عتبة الطوارئ التي حددتها منظمة الصحة العالمية".

وقال مدير منظمة العمل ضد الجوع في تشاد هنري نويل تاتانغانغ "من الملح أن يضمن المانحون التمويل المستدام للاستجابة الإنسانية"، فيما لم يُجمع حاليا سوى 4,5% من الميزانية. وتخشى المنظمة غير الحكومية من تدهور الوضع الإنساني مع "وصول موسم الأمطار وفترة العجاف"، الأمر الذي "سيؤدي إلى زيادة الاحتياجات وفي الوقت نفسه يجعل الوصول إلى السكان الضعفاء أكثر تعقيدا في جميع أنحاء المنطقة".

في منتصف فبراير (شباط)، أعلن الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي إيتنو "حالة الطوارئ الغذائية" في الدولة الشاسعة الواقعة في وسط إفريقيا، من دون تحديد إجراءات مستقبلية أو السكان المعنيين. وفي الشهر التالي، أعلن برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة تعليق المساعدات الغذائية لشهر أبريل (نيسان) "بسبب الصعوبات المالية" وأطلق نداء إلى الجهات المانحة لتجنب "كارثة شاملة".