- Stalker
- (1979)
- غرفة الأسرار
- ممتاز ★★★★
أستاذ السينما المتأملة في حالات ووجدانيات الشخصيات الماثلة أندريه تاركوفسكي، وضع في «المقتفي» أفضل ما استطاع من فلسفتي الصورة وما تعبّر عنه. رواية أركادي وبوريس ستراغاتسكي المسماة «رحلة إلى جانب الطريق» (نُشرت سنة 1973) تحوّلت إلى متعة بصرية غير متناهية مع موضوع ساخن حول مستقبل العالم إذا ما ساده علم غير مسؤول ومنفصل عن روحانيات الحياة وأولوياتها.
3 أنماط اجتماعية تقوم برحلة شاقة إلى منطقة محظورة اسمها «زون» وذلك استكشافا لغرفة غامضة قيل إنه إذا دخلها أحد متمنيا، فإن أمنيته تتحقق. العالم والكاتب لا يؤمنان بها، بينما المقتفي يخاف انتقامها ويجلّها، وينتهي الفيلم بتباعد هذه الأنماط البشرية تعبيرا عن حالة يجدها المخرج حاضرة (منذ ذلك الحين) يعبّر عنها أحد أبطال الفيلم عندما يقول: «إنهم يقولون نحن نعيش مرة واحدة فقط، كيف إذن يستطيعون أن يؤمنوا بأي شيء آخر؟».
خلع أندريه تاركوفسكي عن الرواية إطار المكان المحدد، فالأحداث تدور على الأرض من دون تحديد المكان (هروب الأخوين ستراغاتسكي من الرقابة السوفياتية بجعل الأحداث تقع في الولايات المتحدة)، وفي زمن مستقبلي يبدو وكأنه نوع من الوفاق قد تم بين النظم الاجتماعية. بذلك وضع المخرج الصيغة التشاؤمية المريرة في قالب مطلق، فلم تعد من نتاج نظام اجتماعي دون آخر. رجال البوليس يحملون شارات لا تنم عن قومية أو وطن معين. الأرض غريبة، الشخصيات بلا أسماء تدل على هويتها (عوض ذلك يتنادى أبطال الفيلم بأسماء وظائفهم الاجتماعية: الكاتب، العالم، المقتفي). فقط الحوار هو روسي بحيث لا يخرج الفيلم بكامله عن المصدر الذي جاء منه.
الأحداث التي نراها في الفيلم مستقبلية، لكن الفيلم ليس عن السفر إلى الفضاء، وليس عن التقدم التكنولوجي العظيم الذي كنا ننتظره، بل عن استمرارية الصراع بين شرائح المجتمع وطبقاته وعن الانسلاخ بين الناس العاديين، من جهة، وبين المثقفين والعلماء من جهة أخرى. وبما أن المثقفين والعلماء هم، في شكل عام، جزء من نظم الحكم، فإن الفيلم يتحدث في نهاية المطاف عن المسافة الشاسعة بين العلم والثقافة المنتمين إلى تلك النظم وبين الناس العاديين الذين هم، عند المخرج، أكثر صدقا مع أحاسيسهم ومداركهم وأكثر إيمانا بالروح وخالقها. هناك الكثير مما يمكن قوله عن فيلم يصوّر الحياة في بيئة وصلت إلى حد فقدان عنصر الحياة. بساط غير جميل من الطبيعة القشيبة وسماء رمادية و3 شخصيات متوجسة في الباطن والظاهر. هذه «المنطقة» التي دخلها الـ3 عنوة مستكشفين يعلوها وضع يوعز بخوف المقتفي (ألكسندر كايدانوفسكي) من المكان ومعانيه. العالم (أناتولي سولونيتسن) والمثقف (نيكولاي غرينكو) لا يشاركان المقتفي الخوف. أحدهما يخفي قنبلة لتدمير الغرفة (لن يستخدمها). وبينما يؤمن المقتفي بتأثير الغرفة على من يدخلها بخشوع واحترام، يسخر رفيقا الرحلة منه وأحدهما (العالم) زوّد نفسه بقنبلة لتفجيرها ولو أنه عدل عن ذلك.
سيعدل الـ3 عن دخول ذلك المكان الرهيب. تحذيرات المقتفي للعالم والكاتب جعلتهما يترددان. وفي النهاية سيجلس الـ3 في صمت وكل منهم يبدو كما لو أنه بدأ الحفر في الذات. هذا قبل أن يعودوا إلى حيث جاءوا محمّلين بذات الأسئلة التي انطلقوا بحثا عن إجابات عليها.
«المقتفي» فيلم لا يمكن اختصار حسناته لمخرج وضع في أفلامه إيمانه الروحي وتأملاته الفلسفية وحبه للطبيعة ثم صوّر كيف يمكن للإنسان أن يعصف بها جميعا لو أراد.
- لا يستحق ★
- وسط ★★
- جيد ★★★
- ممتاز ★★★★
- تحفة ★★★★★