دليل مناهض لخطاب الكراهية في العالم الرقمي

ترجمة عربية لـ«روابط»

TT

دليل مناهض لخطاب الكراهية في العالم الرقمي

صدرت أخيراً الترجمة العربية لدليل «مناهضة خطاب الكراهية على الإنترنت من خلال التربية على حقوق الإنسان (روابط)». وجرى إعداد هذه الطبعة المترجمة عن الإنجليزية بالشراكة بين «مجلس أوروبا» و«المنتدى المتوسطي للشباب» بالمغرب، وبدعم من ليختنشتاين والنرويج وإسبانيا، وتحت إشراف وتنسيق ياسين إيصبويا، المنسق العام لـ«المنتدى المتوسطي للشباب» بالمغرب، وبترجمة هناء غيلان.
تضمن هذا الدليل 394 صفحة توزعت كلها على 6 فصول، وتميزت مضامين الكتاب عموماً بخطاب تعليمي مباشر يستهدف فئة الشباب في الأساس بصفتها أكثر الفئات المستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي، وبالنظر لطابع الهشاشة الذي يميزها ويجعلها عرضة أكثر من غيرها للوقوع في مطبّات خطاب الكراهية بتجلياته المختلفة.
وفي هذا السياق العملي، جاء الدليل متضمناً شقين مترادفين: الأول نظري، والآخر تطبيقي، يراد منهما ربط النظرية بالممارسة بغية تجاوز الثغرات الموجودة في البرامج والخطط التي أُعدت سابقاً.
وكانت الديباجة الأولى للدليل موقعة باسم الأمين العام السابق لـ«مجلس أوروبا»، ثوربيورن ياغلاند، الذي شدد خلالها على أهمية التركيز على الشباب والناشئة بصفتهم قادة حقيقيين لحركة مناهضة خطاب الكراهية، وضرورة تعزيز التربية على حقوق الإنسان بشكل عام من أجل الحفاظ على جو ملائم للدفاع عن هذه الحقوق في ظل التغيرات المتسارعة التي تشهدها المجتمعات في كل مكان.
الفصل الأول للدليل تضمن تقديماً عاماً للموضوع ومعلومات عن إشكالية خطاب الكراهية الموجود في منصات الإنترنت مع سهولة ربط الاتصال بجهات عدة في الوقت نفسه وعلى مساحات جغرافية واسعة ومتباعدة؛ «إشكالية يطرحها أفق التعبير الذي يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة ليست كلها إيجابية من حيث المحتوى، مع صعوبة التأكد من وجود أفق موازٍ لتقبل الاختلاف والتسامح معه، وهو ما يرفع احتمالية التعصب العنيف ويجعل الوقوع في خانة الكراهية بخطاباتها المؤذية أمراً متوقعاً». وقدم الفصل الثاني معلومات وافية عن حركة «لا لخطاب الكراهية» التي جاءت في خضم حملة أطلقها «مجلس أوروبا» في 22 مارس (آذار) 2013 لتستمر حتى 2017 بقيادة شبابية هدفها الأساسي تعبئة الشباب ورفع مستوى الوعي بمشكل خطاب الكراهية عبر الإنترنت، وتغيير المواقف تجاهه، والدعوة الصريحة إلى الحد منه وإيقافه، مع السعي الحثيث إلى تعزيز حقوق الإنسان داخل الفضاء الإلكتروني.
وقدم الفصل الثالث شروحاً عن كيفية استخدام هذا الدليل، من خلال التعريف بأهميته وتقديم بنيته الداخلية وطرق تأطير الأنشطة، إضافة إلى جملة من النصائح والمحظورات، مع استعراض موجز لبعض القضايا والموضوعات ذات الصلة. وقدم الفصل الرابع ملخصاً لـ24 نشاطاً جرى في سياق الجهود الرامية إلى مناهضة خطاب الكراهية عبر الإنترنت من خلال التربية على حقوق الإنسان.
ونقرأ في الفصل الخامس معلومات مرجعية متنوعة عن خطاب الكراهية، وحقوق الإنسان وحرية التعبير، وعن العنصرية والتمييز، والحياة الخاصة، وقضايا الأمن، والديمقراطية، والمشاركة، مع إشارة إلى استراتيجيات الحملة والإلمام الرقمي والتنمر الإلكتروني. وتضمن الفصل الأخير مرفقات تكميلية مهمة؛ من قبيل ملخصين لـ«الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، و«الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان» والبروتوكولات ذات الصلة، ونسخة مبسطة لدليل حقوق الإنسان بالنسبة لمستخدمي الإنترنت.



القوة في موازين الحياة

القوة في موازين الحياة
TT

القوة في موازين الحياة

القوة في موازين الحياة

يسعى كتاب «لعب الأدوار بقوة» للكاتبة والباحثة الأميركية، ديبورا جرونفيلد، إلى تفكيك مفهوم «القوة»، بما له من حمولات سيكولوجية، واجتماعية، وسياسية، وإنثروبولوجية، والتعرُّف على علاقة الإنسان بهاجس «القوة التي لا يمتلكها» بصفتها «المُحرِك الرئيسي للعلاقات الإنسانية»، بتعبير الفيلسوف البريطاني برتراند راسل.

صدرت الترجمة العربية للكتاب عن دار «آفاق» للنشر والتوزيع بالقاهرة، بتوقيع المترجمة المصرية نيفين بشير، وفيه تُجري الكاتبة ديبورا جرونفيلد، الباحثة في جامعة «ستانفورد» الأميركية، مقاربة بين مفارقات القوة في الحياة وموازين دراما المسرح، بما يُحيل لفلسفة ويليام شكسبير: «الدنيا مسرح كبير»، فتبدو فصول الكتاب وهي تتعقب مفهوم القوة وعلاقتنا المتعثرة بها، كأنها تُحاكي مراحل تصاعد مسرحية يتشارك الأبطال الظهور فيها على خشبة المسرح تباعاً، لاختبار علاقتنا بالقوة والضعف على السواء، فتُطلق على الفصل الأول: «عندما يُرفع الستار»، الذي تؤسس فيه لمفهوم القوة «التي تفتح الأبواب وتغلقها»، وماهية القوة التي تُقرر مَن ينتصر في الحرب؟ وما الذي نحارب من أجله؟ وكيف نعيش؟ وتحت أي قوانين؟ أو كما تُلخصها مسرحية «هاميلتون» الموسيقية: «تُحدد القوة مَن يعيش، ومَن يموت، ومن يروي قصتك».

متلازمة «البطل الخارق»

يطرح الكتاب، عبر «318» صفحة، القوة ليست بوصفها سلطة و«نفوذاً»، بقدر ما يطرحها بوصفها سؤالاً وجودياً؛ حيث تعامل الإنسان مع القوة بصفتها وسيلة للخلود، وخشية من الموت، ويحيل الكتاب لمقولة العالم السياسي هانز مورجنثاو إلى أن الاحتياج إلى الحب والقوة ينبعان من البئر الوجودية ذاتها؛ حيث تبدو أكبر مخاوفنا في الحياة أنها تتعلق بالوحدة أو الطرد من المجموعة، وأننا «نسعى للحب والقوة من دون وعي لهذا السبب، وعندما تزيد مخاوفنا تنطلق هذه الدوافع».

يلفت الكتاب هنا إلى ما يُعرف بمتلازمة «البطل الخارق»، التي تشير إلى أن مجموعة ثانوية من الأشخاص في ضوء احتياجهم للقوة طوَّروا أوهاماً عن أنفسهم، لمساعدتهم على التعامل مع مشاعرهم بعدم الأمان، فالقوة قوة جاذبة، كما يصفها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، الذي تتوقف الباحثة عند كتابه «إرادة القوة»، الذي تأمَّل فيه كيف أن إرادة القوة ليست مجرد خاصية من خصائص الحياة فحسب، بل هي ماهيتها الرئيسية؛ حيث إرادة القوة تتفوق على نفسها باستمرار، وهو ما يعدّه نيتشه جوهر الحياة.

ولفت نيتشه إلى أن الغريزة مصدر قوة الإنسان، الذي يمنحه السرور والنشوة والقوة، وهي التي تُحرك الإنسان، سواء كان ذلك من خلال فعل الفرد القوي أو الفرد الضعيف، وفي حين تبدو مسألة ربط القوة بالسلطة جدلية، تُشير مؤلفة الكتاب إلى أنها ليست دقيقة؛ إذ إن «كثيراً من الناس في مواقف شتى يشعرون براحة أكبر وراء الكواليس عما لو كانوا في دائرة الضوء، فكثير يُفضل أن يكون محبوباً وليس خائفاً».

تُهيمن لغة القوة على آليات السياسة التي يُعاد تشكيلها بصور متعددة داخل دائرة القيادة

منطق الاستقواء

تسعى الباحثة إلى تطبيق سيكولوجية القوة من زوايا مختلفة، من بينها غريزة مملكة الحيوان، التي تجعل الحيوانات تعرف بالفطرة طرق البقاء آمنة، وكيفية الارتقاء داخل المجموعات، وأحياناً يتعيّن عليها إظهار الاحترام، وفي أوقات أخرى إظهار الهيمنة، وهي أمور تُظهر الخيط الموصول الأبدي بين الخوف وتطويع القوة.

وتُهيمن لغة القوة على آليات السياسة، التي يُعاد تشكيلها بصور متعددة داخل دائرة القيادة. وذكرت المؤلفة في هذا الصدد كثيراً من الانتقادات التي وُجهت للرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش في فترة إعصار «كاترينا»، بسبب عدم قدرته على استخدام «القوة» المنتظرة منه بصفته رئيس دولة كبرى، وكذلك الرئيس الأميركي السابق ترمب، الذي يتعمّد أن تحمل تغريداته عبر المنصات الرقمية نغمة «الاستهزاء» بوصفها أداة لفرض القوة. وهنا تقول الكاتبة: «الرئيس ترمب متخصص في هذا الأسلوب»، وتفرد أمثلة لكيفية استخدامه وسائل تحط من قدر خصومه السياسيين، لتصبح ضربات لفظية جارحة مُصممة لتحقير الآخرين، ما تعدّها آلية «استقواء» يلجأ إليها المرشح الأميركي للرئاسة منذ سنوات طويلة.

وتنظر الكاتبة لفكرة «الاستقواء» من منظور آخر؛ ذلك الذي يُمثله الإيمان بعدالة «قضية مشتركة»، وضربت المثل بسؤال أُلقي على الإعلامية الأميركية الشهيرة أوبرا وينفري ذات يوم، خلال استضافتها في جامعة «ستانفورد»؛ إذ سألتها طالبة عن مشاعرها وهي تحضر اجتماعاً تعرف أنها ستكون فيه المرأة السمراء الوحيدة بين عدد كبير من الرجال ذوي البشرة البيضاء، فاستعارت وينفري هنا قصيدة «جداتنا»، للشاعرة الأميركية الراحلة مايا أنجلو (1928- 2014): وهي قصيدة كرّمت بها أنجلو أسلافها، والمعارك التي خاضوها من أجل الحرية، وتقول فيها: «لا أحد، لا، ولا مليون أحد يجرؤ على حرماني من الله. أتقدّم وحدي واقفة كعشرة آلاف».

وتتخيّل المؤلفة دخول وينفري المسرح وفي وجدانها جيش من النساء، ما جعلها تشعر بأنها ليست الوحيدة ذات البشرة السمراء في الغرفة، بل «واحدة من عدد من النساء اللاتي لعبن أدواراً كبيرة وصغيرة في مكان آخر، وفي أوقات أخرى في التاريخ، النساء من أصل أفريقي، واللاتي أردن مثلها مزيداً لأنفسهن ولأحبائهن، واللاتي عملن بجد، وحاربن الاضطهاد وكسرن الحواجز مثلها»، في استبصار بمنطق القوة، الذي يستند إلى عقيدة، أو إيمان مُشترك بعدالة قضية ذات دلالة تاريخية ونضالية.