القمة الأوروبية المصغّرة تحدد محاور «الحرب على الإرهاب الإسلاموي»

اجتماع لوزراء الداخلية الأوروبيين... وخروج الجهاديين من السجون مصدر قلق لهم

الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) يرحب بالمستشار النمساوي كورز قبل اجتماع قمة افتراضي حول «الإرهاب الإسلاموي» في الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) يرحب بالمستشار النمساوي كورز قبل اجتماع قمة افتراضي حول «الإرهاب الإسلاموي» في الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
TT

القمة الأوروبية المصغّرة تحدد محاور «الحرب على الإرهاب الإسلاموي»

الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) يرحب بالمستشار النمساوي كورز قبل اجتماع قمة افتراضي حول «الإرهاب الإسلاموي» في الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي ماكرون (يسار) يرحب بالمستشار النمساوي كورز قبل اجتماع قمة افتراضي حول «الإرهاب الإسلاموي» في الإليزيه أمس (أ.ف.ب)

الخيط الجامع بين الرئيس الفرنسي ومستشاري ألمانيا والنمسا الذين عقدوا أمس قمة أوروبية افتراضية بمشاركة رأسي الاتحاد الأوروبي وهما رئيس المجلس ورئيسة المفوضية أن الإرهاب الإسلاموي ضرب مؤخرا في مدن فرنسا والنمسا وألمانيا. فقد دفعت 3 مدن فرنسية «باريس وكونفلان سانت هونورين ونيس» الثمن الأكبر فيما استهدفت آخر عملية إرهابية فيينا، حيث قتل إرهابي رميا بالرصاص 4 أشخاص في وسط العاصمة قبل أن تقتله الشرطة. أما في ألمانيا، فقد ضربت عملية إرهابية مدينة دريسدن الواقعة شرق البلاد، حيث قتل شخص في حادثة طعن اعتبرتها الأجهزة الأمنية عملا إرهابيا إسلامويا. وباستثناء عملية فيينا التي استخدم فيها سلاح ناري، فإن العمليات الـ4 الأخرى نفذت بأسلحة «بدائية» هي عبارة عن سكاكين وساطور.
إزاء هذا الواقع الذي يشكل قلقا كبيرا للقادة المجتمعين، كان عليهم التحرك ضد ما يعتبرونه «العدو المشترك» وهو «الإرهاب الإسلاموي» بحسب تصريحات الرئيس ماكرون والمستشارة ميركل والمستشار كورز. ودفع الرئيس الفرنسي بالتوافق مع ميركل، باتجاه بلورة «رد أوروبي» انطلاقا من مبدأ أن «الإرهاب موجود في كل مكان».
ويفترض أن تعرض الأفكار والمقترحات التي نوقشت أمس في اجتماع لوزراء الداخلية يوم الجمعة القادم ثم في قمة الـ27 لاحقا في شهر ديسمبر (كانون الأول). وكان ماكرون قد اجتمع أولا مع المستشار النمساوي سيباستيان كورز قبل أن يشاركا معا من قصر الإليزيه في القمة الافتراضية المصغرة.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك «عن بعد»، بدا جليا أن هناك «وحدة رؤيا» بين المسؤولين الخمسة، حيث اعتبر ماكرون بداية أن هناك اتفاقا تاما على أن «الإرهاب الإسلاموي يهدد كل أوروبا»، وأن هناك حاجة ماسة لـ«رد سريع ومنسق» بين الدول والأجهزة الأوروبية، فيما أعلن كورز أن «الإرهاب لا يعرف الحدود». وبرز الاتفاق بين المسؤولين الأوروبيين على المحاور التي يتعين العمل بشأنها من أجل مواجهة هذا الإرهاب، وجعل الاتحاد الأوروبي مجددا «أكثر أمانا». وعرض ماكرون المحاور الرئيسية التي يتعين العمل عليها، مركزا على 3 منها وأولها الحاجة إلى التنفيذ الكامل لكل الإجراءات والتدابير التي تم الاتفاق الجماعي بشأنها منذ عام 2015 وعلى رأسها تبادل المعلومات والربط بين قواعد المعلومات، وتبادل الخبرات والتجارب، والتنفيذ الفعلي للقوانين الجنائية التي أقرت. وفي المقام الثاني شدد ماكرون على أهمية خوض الحرب على «الآيديولوجيا الإسلاموية» التي «تبث خطاب الحقد والكراهية» على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، معربا عن دعمه للمقترح الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية والداعي إلى ضرورة سحب أي مضمون يصب في هذا الاتجاه بعد ساعة على الأكثر من نشره. والمحور الثالث، بحسب الرئيس الفرنسي يتمثل في الحاجة الملحة لإعادة النظر في اتفاقية شينغن للتنقل الحر وإلغاء الحدود الداخلية بين الدول الموقعة عليها. وفي هذا السياق، شدد ماكرون على ضرورة حماية الحدود الخارجية للاتحاد «إذ لا يمكن أن نقبل أن تبقى الحدود (الداخلية) مفتوحة إذا لم تتم إعادة النظر باتفاقية شينغن». وبرأيه، فإن فضاء شينغن «يعني الحرية والأمن معا»، وبالتالي فإنه يتعين التحضير للرد الأوروبي. ووعد ماكرون بتقديم مقترحات الشهر القادم بهذا الشأن مع الرغبة في الانتهاء من هذه المهمة خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد عام 2022.
من جانبه، بدا المستشار النمساوي موافقا تماما على مقترحات ماكرون، إذ اعتبر أنه «علينا أن نعرف من يدخل إلى فضاء شينغن ومن يخرج منه» للمحافظة على الأمن داخل الفضاء، ما يتطلب تعزيز الرقابة على الحدود الخارجية. ويسعى الأوروبيون إلى رفع عدد أفراد الأمن المولجين حماية الحدود الخارجية في إطار عملية «فرونتكس» من 1500 فرد إلى 10 آلاف فرد للسنوات القادمة. كذلك استعاد كورز مقترح ماكرون عن الإنترنت ومحاربة الآيديولوجيا المتطرفة والإسلاموية. إلا أنه أضاف إلى ما تقدم محورين: الأول، يتناول ضرورة الحد من حرية الإسلاميين الذين ذهبوا إلى ميادين القتال في سوريا والعراق وعادوا منها وقبض عليهم ثم حوكموا وأدخلوا السجن. وبحسب كورز، فإن «عدة آلاف من المقاتلين الإرهابيين الذين بقوا أحياء بعد المعارك في سوريا والعراق، وعادوا منهما أو لم يذهبوا إلى هذين البلدين» فالكثير من هؤلاء في السجون ولكن بعضهم خرج منها والحقيقة المحزنة أن آخرين أيضا سيخرجون في السنوات القادمة، وهم بالتالي قنابل موقوتة، وإذا كنا راغبين بحماية حريتنا، فعلينا أن نحد من حريتهم. وأخيرا، أعرب المستشار النمساوي عن تأييده لمقترح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بشأن العمل من أجل تأهيل الأمة المسلمين داخل الاتحاد الأوروبي وليس الاستعانة بأئمة يأتون من الخارج وهو ما تسعى فرنسا منذ سنوات للقيام به من غير أن تحقق نجاحا يذكر.
عقب كل عملية إرهابية، يحرص المسؤولون الأوروبيون على التأكيد أن حربهم على الإرهاب «الإسلاموي» وليس محاربة الديانة الإسلامية. وهذا ما حرصت المستشارة ميركل على التأكيد عليه في مداخلتها أمام المؤتمر الصحافي إذ أكدت أن ما هو حاصل «ليس معركة الإسلام ضد المسيحية، ولكن الحاجة الملحة للمجتمعات الديمقراطية أن تحارب التصرفات الإرهابية أو المعادية للديمقراطية».
في اجتماع الجمعة المقبل، سيكون الإرهاب على رأس ملفات اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين الـ27، وستكون مهمتهم كيفية ترجمة ما تم التفاهم بشأنه أمس إلى أعمال ملموسة خصوصا في مجال التعاون بين الدول الأعضاء وأجهزتها الأمنية بما في ذلك قاعدة بيانات ما يشار إليه بـ«PNR» أي بيانات الركاب المسافرين جوا. والمشكلة أن الكثير من الاجتماعات الأمنية على كافة المستويات عقدت منذ عام 2015، ورغم التقدم الذي تحقق على صعيد التنسيق، فإن هناك «خروقات» ما زالت قائمة، كما أن وجوه الإرهاب متعددة ومتحولة. لكن الهجمات الأخيرة تلزم الأوروبيين بالعثور على استراتيجيات موحدة، وإلا فإن بلدانهم ستبقى عرضة لما يسمونه «العدو المشترك».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟