الخيط الجامع بين الرئيس الفرنسي ومستشاري ألمانيا والنمسا الذين عقدوا أمس قمة أوروبية افتراضية بمشاركة رأسي الاتحاد الأوروبي وهما رئيس المجلس ورئيسة المفوضية أن الإرهاب الإسلاموي ضرب مؤخرا في مدن فرنسا والنمسا وألمانيا. فقد دفعت 3 مدن فرنسية «باريس وكونفلان سانت هونورين ونيس» الثمن الأكبر فيما استهدفت آخر عملية إرهابية فيينا، حيث قتل إرهابي رميا بالرصاص 4 أشخاص في وسط العاصمة قبل أن تقتله الشرطة. أما في ألمانيا، فقد ضربت عملية إرهابية مدينة دريسدن الواقعة شرق البلاد، حيث قتل شخص في حادثة طعن اعتبرتها الأجهزة الأمنية عملا إرهابيا إسلامويا. وباستثناء عملية فيينا التي استخدم فيها سلاح ناري، فإن العمليات الـ4 الأخرى نفذت بأسلحة «بدائية» هي عبارة عن سكاكين وساطور.
إزاء هذا الواقع الذي يشكل قلقا كبيرا للقادة المجتمعين، كان عليهم التحرك ضد ما يعتبرونه «العدو المشترك» وهو «الإرهاب الإسلاموي» بحسب تصريحات الرئيس ماكرون والمستشارة ميركل والمستشار كورز. ودفع الرئيس الفرنسي بالتوافق مع ميركل، باتجاه بلورة «رد أوروبي» انطلاقا من مبدأ أن «الإرهاب موجود في كل مكان».
ويفترض أن تعرض الأفكار والمقترحات التي نوقشت أمس في اجتماع لوزراء الداخلية يوم الجمعة القادم ثم في قمة الـ27 لاحقا في شهر ديسمبر (كانون الأول). وكان ماكرون قد اجتمع أولا مع المستشار النمساوي سيباستيان كورز قبل أن يشاركا معا من قصر الإليزيه في القمة الافتراضية المصغرة.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك «عن بعد»، بدا جليا أن هناك «وحدة رؤيا» بين المسؤولين الخمسة، حيث اعتبر ماكرون بداية أن هناك اتفاقا تاما على أن «الإرهاب الإسلاموي يهدد كل أوروبا»، وأن هناك حاجة ماسة لـ«رد سريع ومنسق» بين الدول والأجهزة الأوروبية، فيما أعلن كورز أن «الإرهاب لا يعرف الحدود». وبرز الاتفاق بين المسؤولين الأوروبيين على المحاور التي يتعين العمل بشأنها من أجل مواجهة هذا الإرهاب، وجعل الاتحاد الأوروبي مجددا «أكثر أمانا». وعرض ماكرون المحاور الرئيسية التي يتعين العمل عليها، مركزا على 3 منها وأولها الحاجة إلى التنفيذ الكامل لكل الإجراءات والتدابير التي تم الاتفاق الجماعي بشأنها منذ عام 2015 وعلى رأسها تبادل المعلومات والربط بين قواعد المعلومات، وتبادل الخبرات والتجارب، والتنفيذ الفعلي للقوانين الجنائية التي أقرت. وفي المقام الثاني شدد ماكرون على أهمية خوض الحرب على «الآيديولوجيا الإسلاموية» التي «تبث خطاب الحقد والكراهية» على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، معربا عن دعمه للمقترح الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية والداعي إلى ضرورة سحب أي مضمون يصب في هذا الاتجاه بعد ساعة على الأكثر من نشره. والمحور الثالث، بحسب الرئيس الفرنسي يتمثل في الحاجة الملحة لإعادة النظر في اتفاقية شينغن للتنقل الحر وإلغاء الحدود الداخلية بين الدول الموقعة عليها. وفي هذا السياق، شدد ماكرون على ضرورة حماية الحدود الخارجية للاتحاد «إذ لا يمكن أن نقبل أن تبقى الحدود (الداخلية) مفتوحة إذا لم تتم إعادة النظر باتفاقية شينغن». وبرأيه، فإن فضاء شينغن «يعني الحرية والأمن معا»، وبالتالي فإنه يتعين التحضير للرد الأوروبي. ووعد ماكرون بتقديم مقترحات الشهر القادم بهذا الشأن مع الرغبة في الانتهاء من هذه المهمة خلال الرئاسة الفرنسية للاتحاد عام 2022.
من جانبه، بدا المستشار النمساوي موافقا تماما على مقترحات ماكرون، إذ اعتبر أنه «علينا أن نعرف من يدخل إلى فضاء شينغن ومن يخرج منه» للمحافظة على الأمن داخل الفضاء، ما يتطلب تعزيز الرقابة على الحدود الخارجية. ويسعى الأوروبيون إلى رفع عدد أفراد الأمن المولجين حماية الحدود الخارجية في إطار عملية «فرونتكس» من 1500 فرد إلى 10 آلاف فرد للسنوات القادمة. كذلك استعاد كورز مقترح ماكرون عن الإنترنت ومحاربة الآيديولوجيا المتطرفة والإسلاموية. إلا أنه أضاف إلى ما تقدم محورين: الأول، يتناول ضرورة الحد من حرية الإسلاميين الذين ذهبوا إلى ميادين القتال في سوريا والعراق وعادوا منها وقبض عليهم ثم حوكموا وأدخلوا السجن. وبحسب كورز، فإن «عدة آلاف من المقاتلين الإرهابيين الذين بقوا أحياء بعد المعارك في سوريا والعراق، وعادوا منهما أو لم يذهبوا إلى هذين البلدين» فالكثير من هؤلاء في السجون ولكن بعضهم خرج منها والحقيقة المحزنة أن آخرين أيضا سيخرجون في السنوات القادمة، وهم بالتالي قنابل موقوتة، وإذا كنا راغبين بحماية حريتنا، فعلينا أن نحد من حريتهم. وأخيرا، أعرب المستشار النمساوي عن تأييده لمقترح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بشأن العمل من أجل تأهيل الأمة المسلمين داخل الاتحاد الأوروبي وليس الاستعانة بأئمة يأتون من الخارج وهو ما تسعى فرنسا منذ سنوات للقيام به من غير أن تحقق نجاحا يذكر.
عقب كل عملية إرهابية، يحرص المسؤولون الأوروبيون على التأكيد أن حربهم على الإرهاب «الإسلاموي» وليس محاربة الديانة الإسلامية. وهذا ما حرصت المستشارة ميركل على التأكيد عليه في مداخلتها أمام المؤتمر الصحافي إذ أكدت أن ما هو حاصل «ليس معركة الإسلام ضد المسيحية، ولكن الحاجة الملحة للمجتمعات الديمقراطية أن تحارب التصرفات الإرهابية أو المعادية للديمقراطية».
في اجتماع الجمعة المقبل، سيكون الإرهاب على رأس ملفات اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين الـ27، وستكون مهمتهم كيفية ترجمة ما تم التفاهم بشأنه أمس إلى أعمال ملموسة خصوصا في مجال التعاون بين الدول الأعضاء وأجهزتها الأمنية بما في ذلك قاعدة بيانات ما يشار إليه بـ«PNR» أي بيانات الركاب المسافرين جوا. والمشكلة أن الكثير من الاجتماعات الأمنية على كافة المستويات عقدت منذ عام 2015، ورغم التقدم الذي تحقق على صعيد التنسيق، فإن هناك «خروقات» ما زالت قائمة، كما أن وجوه الإرهاب متعددة ومتحولة. لكن الهجمات الأخيرة تلزم الأوروبيين بالعثور على استراتيجيات موحدة، وإلا فإن بلدانهم ستبقى عرضة لما يسمونه «العدو المشترك».
القمة الأوروبية المصغّرة تحدد محاور «الحرب على الإرهاب الإسلاموي»
اجتماع لوزراء الداخلية الأوروبيين... وخروج الجهاديين من السجون مصدر قلق لهم
القمة الأوروبية المصغّرة تحدد محاور «الحرب على الإرهاب الإسلاموي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة