أبرز طموحات الليبيين في «حوار تونس»

دعوات لاختيار امرأة نائبةً لرئيس المجلس الرئاسي المرتقب

جانب من الاجتماع الليبي في تونس أمس (إ.ب.أ)
جانب من الاجتماع الليبي في تونس أمس (إ.ب.أ)
TT

أبرز طموحات الليبيين في «حوار تونس»

جانب من الاجتماع الليبي في تونس أمس (إ.ب.أ)
جانب من الاجتماع الليبي في تونس أمس (إ.ب.أ)

يدرك جل الليبيين أن جانباً من أزمتهم يكمن في أن فريقاً من الممسكين بزمام الأمور في بلادهم منذ إسقاط نظام القذافي في عام 2011، يجيد خلط الأوراق كلما اتجهت البلاد للتهدئة، أو أوشكت على إبرام حل سياسي؛ لكن ذلك لم يمنع بعض الأكاديميين والكتاب والفنانين والنشطاء من مطالبة الساسة، الذين استهلوا اجتماعات «منتدى الحوار» في تونس أمس، بـ«إرساء حل جذري ينهي حالة الاستقطاب والنزاع الداخلي، ويُمكّن الليبيين من الشروع في تحقيق أحلامهم بوطن يتسع للجميع».
ورغم تنوع مطالب الليبيين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم، فإنها تتمحور في غالبيتها حول ضرورة إنهاء الفترة الانتقالية التي قاربت عشرة أعوام، والتعجيل بموعد الانتخابات العامة على أن يحترمه الجميع ويلتزمون به، بالإضافة إلى اختيار حكومة «وحدة وطنية»، تعبر عن الأقاليم الثلاثة.
وأرسل كثير من الليبيين إلى المجتمعين في تونس، ما يشبه برقيات تذكرهم بأن الآمال معقودة عليهم في إنهاء الحروب، ووقف نزيف الدماء، وإعادة كرامة المواطنين، ودعت أكثر من 70 شخصية ليبية في بيان لها مطلع الأسبوع الحالي الممثلين في الحوار بـ«الإسراع في طي صفحة النزاعات المؤلمة، والتطلع إلى ما ينفع الناس»، وقالوا «نتوقع منكم اغتنام فرصة هدوء الجبهات، وخفوت صوت الحض على الكراهية والفتن، واتفاق اللجنة العسكرية الموحدة في مدينة غدامس، لتضعوا الدولة المدنية التي يحلم بها كل الليبيين على طريق البناء».
كما حث الموقّعون على البيان المشاركين في الحوار التونسي «أن يكونوا خير ممثلين للشعب الليبي الصبور، الذي عانى كثيراً»، وقالوا «أنتم في قلب الفرصة التاريخية لتصويب الأخطاء، والخروج بليبيا من هذا النفق، إلى أفق مفتوح على المصالحة الشاملة، وإلى مرحلة انتقالية أخيرة، يُرسى فيها دستور يتوافق عليه الجميع». وانتهى الموقّعون إلى تذكير المجتمعين في تونس بأن ما سيقدِمون عليه سينقل البلاد من الحرب إلى السلام، ومن الفوضى إلى الاستقرار، بالقول «تذَكّروا بكل كلمة تخرج منكم ما ستنقذونه من أرواح، وما تحقنون به من دماء، وما تنشرون من بسمات على وجوه أطفال... ولا تنسوا أنكم الآن تقودون سفينة ليبيا المضطربة نحو بر الأمان، وأن أي خرق آخر في بدن هذه السفينة سيجعلنا نغرق جميعاً».
وفتحت نتائج الانتخابات الأميركية شهية بعض الليبيين؛ إذ طرحت الزهراء لنقي، رئيسة منبر المرأة الليبية من أجل السلام، أسئلة حول مدى إمكانية تمثيل امرأة نائبةً لرئيس المجلس الرئاسي المرتقب، على غرار انتخاب كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
وقالت لنقي «بمناسبة الجرأة على صنع الأمل... أدعو صراحة وبكل جرأة لأن تكون لدينا امرأة من النائبين لرئيس المجلس الرئاسي، ولرئيس الحكومة المقبلة، التي يفترض تشكيلها من قبل منتدى الحوار السياسي الليبي المنعقد في تونس الآن».
وطرحت لنقي 35 اسماً لشخصيات ليبيات، منهن القاضية والمحامية والأكاديمية والكاتبة، وقالت «أثق في قدرة نساء بلادي، وأدعوهن ليكون لديهن جرأة الأمل والطموح».
وأعاد التساؤل نفسه السفير إبراهيم موسى جرادة، كبير المستشارين بالأمم المتحدة سابقاً، وهو من الأصول الأمازيغية، عن أسباب عدم تعيين رئيس، أو نائب رئيس امرأة من المكونات الليبية المختلفة، وقال بهذا الخصوص «الوطن للجميع بما يضمنه من كرامة وحرية وحقوق للإنسان، في ظل حرية الاختيار، على أن تكون هناك مساواة في المواطنة». مطالباً بضرورة الالتفات للمكونات الاجتماعية، ومنها الأمازيغ، والتبو، والسود، والقبائل الصغيرة.
في السياق ذاته، دعت «الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور» بضرورة طرح المشروع الذي انتهت من إعداده للاستفتاء الشعبي، وقال أعضاء بالهيئة، إنه «ليس من اختصاص البعثة الأممية لدى ليبيا، أو الحوار السياسي المنعقد في تونس، النظر في خيارات بديلة عن مشروع الدستور المنجز من الهيئة»، مشيرة إلى أن «العملية الدستورية التي تدعمها البعثة، وفق قرارات مجلس الأمن، هي فقط المتعلقة بمشروع الدستور الحالي، كما أن الإعلان الدستوري المؤقت، ومبادئ أحكام المحكمة العليا، تقطع بعدم إمكانية المساس بالمشروع من قبل أي جهة كانت، باستثناء الشعب صاحب السلطات عبر استفتاء عام».
وقال ضو المنصوري، عضو الهيئة التأسيسية، أمس، إن رئيسة البعثة ستيفاني ويليامز لم تتواصل معهم، وإنها «تناقض نفسها عندما تقول إن المسألة الدستورية تخص أبناء الشعب الليبي، ثم تطرح بدائل عنه في استطلاع»، وصفه بـ«المشبوه»؛ «لتصل من خلاله إلى نسف مشروع الدستور، معتمدة في ذلك على خبراء بملتقى الحوار في تونس، وعلى رأسهم رئيس مفوضية الانتخابات، متجاهلة في سابقة تاريخية أن هيئة صياغة الدستور منتخبة من الشعب وأنجزت المشروع، وأصدر مجلس النواب قانون الاستفتاء، ولم يتبق من المسار التأسيسي سوى عرض المشروع على الاستفتاء».
ونوّه المنصوري إلى أن رئيس البعثة بهذا التصرف «ستفتح الباب لكل من لم يرض بما تقرره الدولة بمؤسساتها التنفيذية، وحتى التشريعية، بأن يدعي أن ذلك لا يحقق مصالحه، ولن يسري عليه».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.